بدأت الانسانية تعبر العصور والمراحل الواحدة تلو الاخرى وتكتسب القدرة على تخطي المصاعب التي تواجهها في الحياة بالتعلم من التجارب التي مرت بها و بالتربية والتعليم. أي أن التربية والتعليم والتجربة العملية وقابلية اكتسابها وهضمها هي من صميم الاسباب التي دفعت بالبشرية الى التطور واختراع أدوات وآلات تسهل حياة الانسان اليومية.

ان ادارة و تنظيم أمور المدينة والمجاميع البشرية شئ معروف منذ القدم، فقد عرفت البشرية العديد من الحضارات القديمة التي تركت لنا موروثا كبيرا في أمور الادارة وكيفية تنظيم الحياة اليومية في الاماكن العامة وتحديد الحقوق والواجبات لكل فرد من أفراد المدينة. والتأريخ كمادة تدرس في المدارس أتى كي تعلمنا وتذكرنا عن ما جرى في تلك الازمنة عسى ولعلنا نتعلم من تجارب الماضي ولا نكرر ألاخطاء. ان النسيان أصبح حظ ونصيب القسم الاكبر من دول الشرق الاوسط وقاطنيها، فنخرج من مصيبة الى مصيبة اخرى دون أخذ الدروس والعبر من كل هذه المصائب.

ان الحماس والعاطفة الهياجة واثارة المشاعر القومية تارة والدينية والمذهبية تارة أخرى أصبحت أدوات من يريدون التلاعب بمصائر العباد في هذه الدول التي فقدت توازنها الفكري وأصبحت سجينة تفسيرات وأراء منغلقة بشكل كبير، كما وأصبحت غير قادرة على السيطرة على الاوضاع بسبب انعدام مناهج تربية حديثة ومدارس تأخذ على عاتقها تربية الاجيال وتستطيع ان تسلح أبنائها وبناتها بالعلم والمعرفة واليقظة الفكرية والثقافية. فأصبحت مدارسنا تلقينية بحتة تدرس فيها مناهج ومفاهيم أصبحت قديمة بل وعتيقة الى حد كبير. أما التعليم العالي فحاله حال التربية، فقد عجز هو ايضا عن تلبية حاجة المجتمع، وتخريج طلاب علم ومتعلمين وكوادر على مستوى عال من الوعي لما يجري حولهم، فلا عجبا ان نرى ترتيب جامعات الشرق الاوسط في أواخر ترتيب الجامعات في العالم.

ان الاحتجاجات والمظاهرات الاخيرة في بعض الدول العربية حول الفلم المسئ للنبي (ص) (مع كامل ادانتنا لهذا الفلم القبيح ومن يقف وراءه)، كشفت لنا ان العاطفة والحماسة مسيطرتان على عقول وقلوب المسلمين في الشرق، يستطيع أيا كان ان يوظفهما لاغراضه الخاصة، وأن التريث أصبحت كلمة صعبة المنال في ظروف كهذه. وان اضاعة الوقت والجهد للتظاهر والاحتجاج والاصطدام مع الشرطة وفي النتيجة اراقة دماء بعض الابرياء من المسلمين وغيرهم شئ يستفيد منه هم وراء انتاج هذا الفلم ليقولوا للعالم انظروا الى المسلمين انهم اناس غير عاقلين.

ان الشرق الذي فقد مكانته الحضارية منذ عقود عدة، كان يوما ما عنوان الهدوء والعقل النير والحوار. وان المسلمين كانوا منفتحين على العالم بعلمهم وعقلهم المنفتح وأسلوبهم الجميل الذي كان يجذب آلاخرين الى اعتناق ثقافتهم اليومية واسلوب عيشهم. واليوم فنحن نرى العكس تماما، فلا هدوء ولا عقل نير ولا حوار لا مع النفس ولا مع آلاخرين، انه الانغلاق والانكماش أكثر فأكثر، لذا أصبح كل من شاء وأراء ان يستفز ببساطة مشاعر المسلمين. والنتيجة في المقام الاخير اطالة جلوس الشرقيين على توافه الامور، انه حقا لامر مؤسف.