منذ بضعة أيام بدأت بعض الصحف تنشر أخبارا عن قرب صدور الحكم على المتهم الهارب طارق الهاشمي، والذى يتخذ من تركيا عدوة العراق ملجأ له، وزودته بمكتب مزود بكل ما يحتاجه لبث أكاذيبه وسمومه على العراق. وفى يوم الاحد (9 ايلول/سبتمبر 2012) استيقظ العراقيون على أصوات انفجارات شملت معظم أنحاء العراق، وقتل العشرات وجرح المئات ودمرت الممتلكات الخاصة والعامة، وفى اليوم التالى أعلنت القاعدة بكل فخر أنها هى التى قامت بالتخطيط لتلك التفجيرات ونفذتها ما تسمى بـ(دولة العراق الاسلامية) الارهابية، وقالت إنها كانت ردا على حكم الاعدام الذى صدر يوم الأحد على المتهم الهارب طارق الهاشمي، الذى يتمتع حاليا بحماية الحكومة التركية. وصرح مسؤول فى الحكومة التركية أنها لن تسلم طارق الهاشمي بأي حال من الأحوال الى العراق. فلماذا تفعل تركيا ذلك وتخاطر بمصالحها التجارية الكبيرة مع العراق؟ قبل أكثر من عشرين عاما وبعد أن احتلت قوات صدام حسين الكويت، ذهب وفد كويتي الى تركيا ودفع للحكام آنذاك مبلغا لا يقل عن خمسة مليارات من الدولارات، فانحازت تركيا الى الكويت بعد ان كانت تقف على الحياد. المبلغ المذكر يعادل بسعر اليوم خمسين مليار، ولنا أن نتسائل عن المبلغ الذى دفعته اليها دولة قطر العظمى لأخذ موقف عدائي ضد العراق وسورية.

عندما طالب القضاء بحضورالهاشمي للتحقيق معه فر هاربا الى مسعود البارزاني الذى اغتنم الفرصة للضغط على الحكومة العراقية وابتزازها. لم يكن الهاشمي يشعر بالأمان مع البارزاني فقام بزيارة دول الخليج ومنها قطر، ومن قطر توجه الى تركيا حيث جرى له استقبالا حافلا على قدر المبالغ التى استلمتها تركيا. الذى يبعث على الحيرة هو لماذا لا يتوسط الهاشمي عند أحبابه الأتراك لإيقاف القصف الذى يكاد يكون يوميا لقرى كردستان العراقية بزعامة البارزاني حليفه؟ ولماذا لا يطالب البارزانى أصحابه الأتراك بإيقاف القصف الذى يزداد كما ونوعا فى كل يوم؟ ورب سائل يسأل لماذا لا تفعل حكومة بغداد شيئا أكثر من تقديم الإحتجاجات؟ الجواب واضح وهو أن البارزاني لا يسمح للجيش العراقي بدخول الإقليم ويقول متبجحا أن قوات البيشمركة كافية لحماية إقليمه وإن دخول الجيش العراقي يعنى احتلال كردستان، وهو يعلم جيدا أن الجيش العراقي حاليا أضعف من أن يقوم بمثل هذا العمل.

الهاشمي أجبن من أن يسلم نفسه للقضاء لإعادة محاكمته متحججا بأن المحكمة غير عادلة وان قضيته مسيسة وتخضع للمالكي!. الهاشمي هو أحد قادة القائمة العراقية وليس أبرز قادتها، فلماذا يزج المالكي بعلاوي والنجيفى والمطلك بالسجن أو يغتالهم، وخاصة المطلك الذى وجه اليه إهانات شخصية؟

يتصرف الهاشمي وكأنه بطل من الأبطال الخرافيين، مع أن أحدا لم يعرفه او يسمع عنه إلا بعد سقوط صدام حسين، فقد كان ضابطا برتبة متوسطة ولا يتميز بشيء عن زملائه فى الجيش العراقي سوى إنه طائفي متشدد مع أنه لم يعرف عنه الايمان العميق بالدين، ولكنه ndash;كما يفعل الكثيرون هذه الأيام من السنة والشيعة- يتخذ من الدين وسيلة للحصول على مطامعه فى الحكم، فأخذ يتصرف وكأنه حامى حمى السنة، فزمر له وصفق زملاؤه فى القائمة العراقية، وصدقهم البله من الناس.

إن أعمال الهاشمي وتصرفاته لا تترك مجالا للشك فى أن له علاقة بالقاعدة من باب عدوعدوى صديقى فسهل للإرهابيين الدخول الى العراق عن طريق سورية، ليست فقط هذه المرة ولكن مرات عديدة، وغرضه إشاعة الفوضى والبلبلة التى قد تساعده وقائمته على الوثوب على الحكومة والاستيلاء على الحكم بالقوة. كانت القائمة العراقية تتهم الحكومة بعدم إقامة علاقات جيدة مع الجيران، ولما بدأت المظاهرات تعم سورية والمقاومة تشتد ضد حكم بشار، غيرت القائمة العراقية موقفها وطالبت الحكومة بتأييد المقاومة السورية، رفض المالكي ذلك وأصر على أن يقف على الحياد بين المتخاصمين، لعدة أسباب منها وجود عشرات الألوف من العراقيين اللاجئين فى سورية، مما يعرض حياتهم للخطر سواء من قبل حكومة بشار أو معارضيه. وسبب آخر هو عدم وضوح أمر المعارضة وقادتها، وصعوبة تخمين من الذى سيفوز فى النهاية. لقد بات الآن واضحا أن موقف العراق كان سليما، فإن كلا الطرفين المتحاربين فى سورية يرتكب الفضائع بحق الشعب السوري، فقد أعلنت اليوم الاثنين 10/9/2012 مفوضية الأمم المتحدة أن : (طرفي النزاع فى سوريا ينتهكان حقوق الانسان، وكررت (نافاي بيلاي) فى كلمة لها أمام مجلس حقوق الانسان التابع للمنظمة الدولية أن : أفعال الحكومة السورية قد تصل الى جرائم بحق الانسانية واننى قلقة بنفس القدر من الإنتهاكات التى ترتكبها قوات المعارضة ومنها القتل والإعدام خارج ساحات القضاء والتعذيب الى جانب الزيادة التى حدثت مؤخرا فى استعمال العبوات الناسفة بدائية الصنع.) هذا هو الوضع اليوم فى سورية، فإلى أي جانب يريدنا الهاشمي وقائمته أن ننحاز؟

لا بد لى أن أتطرق الى ما يحدث فى جارتنا سورية، حيث نشاهد فى كل يوم من على شاشات التلفزيون الدمار الهائل فيها و الضحايا من السوريين الذين يسقطون نتيجة المعارك بسبب عناد المجرم بشار الأسد والمعارضة السورية التى اخترقها كل من هب ودب من الجهلاء والارهابيين القتلة الذين لاهم إلا سفك الدماء، يقودهم مجرمون يوهمونهم انهم يقاتلون فى سبيل الله والشعب السوري، فيصدقهم الأغبياء والحمقى. اليوم وقد زاد عدد اللاجئين السوريين على الربع مليون فروا الى دول الجوار ومعظمهم لا يملك قوت يومه، فيأتى من يتظاهرون بالبر والإحسان الى هؤلاء الهائمين على وجوههم فرارا من القتل ويعرضون عليهم ان يتزوجوا من بناتهم حتى اللواتى ما زلن فى سن الطفولة لقاء مبلغ زهيد من المال. هل هناك على وجه الأرض بشرا أسوأ من هؤلاء المجرمين؟ لقد كان فى وسعهم دفع المال للمحتاجين دون مقابل لو كانوا يضمرون خيرا ويؤمنون حقا بيوم الدين كما يدعون، ولكن أبت نفوسهم الشريرة إلا إغتنام فرصة عوز هؤلاء المساكين ليشتروا منهم بناتهم بأبخس الأثمان. لقد خبرنا مثل ذلك فى العراق عقب دخول الأمريكان اليه، وحصل أيضا فى إقليم كردستان على اثر حرب الانفال السيئة الصيت، وقام بمثل ذلك المجاهدون الذين ذهبوا (للجهاد) فى الشيشان.

العقلاء من الناس هم الذين يقدرون عواقب الأمور قبل قيامهم بأي عمل ناهيك عن القيام بأعمال العصيان ضد سلطة غاشمة لها تأريخ أسود من عدم اللامبالاة بأرواح الناس وممتلكاتهم ويفعلون كل شيء للبقاء فى الحكم. فأين العقل مما يحدث اليوم فى سورية؟ لو فرضنا أن بشار الجزار قتل هذه الليلة وسقط حكمه، فهل سيعتبر ذلك نصرا للشعب السوري الذى فقد لحد الآن ما يزيد على عشرين ألف قتيل ومائة أف جريح ومعوق وربع مليون لاجىء، وخربت البنية التحتية للبلد وبضمنها المدارس والمستشفيات والمصانع وغيرها؟

لقد حصل مثل ذلك فى العراق وأسوأ، وكان على السوريين أن يتعظوا وأن يفكروا مرارا قبل أن ينتفضوا ضد الحكم الدكتاتوري الشرس. لقد نسوا الأربعين ألفا من السوريين الذين قتلهم المقبورحافظ الأسد والد بشار الطاغية الذى أثبت لنا أنه ابن أبيه السفاح حقا وحقيقة.