لاغرو من أن الجدل الکبير الذي أثير على خلفية إنعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز في طهران و الاحتمالات و التداعيات الناجمة و المترتبة عليها، کان له ما يبرره مع ملاحظة أنه قد کان هناك ثمة مبالغة و غلو فيه.

الظروف و الاوضاع الصعبة و المعقدة للنظام الايراني، على مختلف الاصعدة ولاسيما على الصعيد الداخلي، حاول النظام من خلال هذا المؤتمر التخفيف من ثقل الضغوط الکبيرة التي ينوء تحتها، وبديهي أن المجتمع الدولي قد أدرك و فهم تماما هدف النظامquot;الرئيسيquot;هذا، ولذلك فقد تمت مداولات و مشاورات بين مختلف الاوساط السياسية للحيلولة دون ذلك، ولاريب من ان تلك المداولات و المشاورات قد وصلت أحيانا الى حد ممارسةquot;الضغط الناعمquot; على بعض الزعماء لکي لايحضروا او إذا حضروا لا يجروا خلف البالونات التي ينفخ فيها النظام.

النظام الايراني قطعا لم يحقق الاهداف التي إبتغاها من وراء عقد هذا المؤتمر في طهران، لکنه تمکن مرة أخرى کعادته من إختراق جدار الرفض الدولي له و اللعب على إختلاف و تضارب المصالح و الاهداف السياسية و الاقتصادية و حتى الدينية للدول، والذي ساعد و يساعد النظام الايراني على المضي قدما في سياسة اللعب على الاختلافات الدولية عاملان رئيسيان هما:
العامل الاول: رخاوة و ضبابية الموقف الامريکي من النظام الايراني و حتى انه يميل أحيانا الى طابع من المجاملة و المسايرة غير المبررة، وان عدم وضوح موقفه و رخاوته قد دفعت و تدفع بالعديد من الدولquot;ولاسيما دول المنطقةquot;، لکي لاتأخذ التشدد الدولي من النظام الايراني على محمل الجد، والانکى من ذلك أن النظام الايراني يحاول في کثير من الاحايين أن يبعث برسالات خاصة لمن يهمه الامر علىquot;خصوصيةquot;العلاقة القائمة بينه و بين الولايات المتحدة الامريکية.

العامل الثاني: الموقفينquot;النفعيينquot;وquot;الانتهازيينquot; لکل من الصين و روسيا ازاء السياسة الدولية المتبعة ضد النظام الايراني، و هما يريدان أن يمارسا هذه السياسة الى أقصى حد ممکن وانquot;يحلباquot;الطرفين، أي الغرب و النظام الايراني، وبديهي أن ملالي طهران لايهمهم من يحلبهم بشرط أن لايقصيهم عن السلطة، ومن دون شك أن واشنطن تدرك و تعي هذه النقطة الحساسة ولذلك فهي تسعى للإستفادة من عامل الزمن و لاتترك الحبل على غاربه لهاتين الدولتينquot;الجشعتينquot;، وهنا تحديدا يکمن مربط الفرس و کيف أن الملالي يستغلون هذه السياسة الامريکية لصالحهم.

الموقف الدولي من النظام الايراني بعد إنفضاض مؤتمر دول عدم الانحياز، لايزال دون الطموح و لاتزال تتجاذبه نفس العوامل و الظروف السابقة، ويبدو أن المجتمع الدوليquot;خصوصا الغربquot;، لايزال يحبذ حصولquot;معجزةquot;التغيير الداخلي و إسقاط النظام بدون تحريك الاساطيل و هدير المدافع، لکن المشکلة الکبرى تکمن في أن المجتمع الدولي يسعى لتحريك الموقف بالصورة التي تخدم النظام الايراني نفسه و ليس الشعب الايراني، ذلك أن فرض مجموعة عقوبات و ممارسة مجموعة من الضغوطات على النظام الايراني لايکفيان مالم يشفعا بدعم و اسناد دوليين للشعب الايراني و مقاومته الوطنية ضد الاستبداد الديني، والاهم من ذلك أن يسعى المجتمع الدولي لتسمية الاشياء باسمائها، وان يترك سياسة الايماءات و الغمز و اللمز، خصوصا الولايات المتحدة الامريکية التي مازالت تماطل و تراوغ في مسألة إخراج منظمة مجاهدي خلق من قائمة المنظمات الارهابية بعد أن تجاوزت دول الاتحاد الاوربي هذه العقبة و تقدمت خطوة ملموسة للأمام، ولو حسم الامريکان ترددهم غير المبرر بهذا الخصوص و قاموا بإخراج المنظمة من القائمة، فإن هذا الامر سيکون بمثابة الخطوة الاولىquot;الاصحquot;على الطريق القويم الذي سيقود في النهاية الى تغيير النظام في إيران، وان الايام القادمة او بالاحرى الاسابيع الثلاثة القادمة ستکون مهمة و حاسمة جدا لأنها ستبين الخيط الابيض من الاسود!

[email protected]