منذ ان وصل الرئيس محمد مرسي الى سدة الحكم والعالم المهتم بالشان المصري يضعه تحت المجهر بشكل دقيق جداً يراقب ويحلل اقواله وتحركاته وافعاله وعناقاته ومن الممكن ان يكون قد احصى حتى انفاسه وكيفيه اداء مصافحاته وابتساماته وبالذات عند مقابلته للرئيس الايراني احمدي نجاد وفي التحديد في القمة الاستثنائية التي انعقدت في مكة ثم حضوره المسبوق بعدم الرضا الى طهران من قبل خصومه في الداخل والدول الاقليمية و الخليجية منها اضافة الى امريكا واسرائيل لمشاركته القمة السادسة عشر لمؤتمر عدم الانحياز التي انعقدت في طهران مؤخراً وتمنت كل هذه الاطراف ان يمثل المؤتمر نائب عنه كأن يكون نائباً لوزير الدولة أو الخارجية لحسابات عديدة.
ضغوطات وانتقادات كبيرة جدا وضعت امام الرئيس المصري الاخواني الاتجاه والمبدء قبل ان يقرر ويتجه الى طهران ملخص هذه الضغوطات والاهتمامات هي أوّلا تخوفات اقليمية من ان تعيد مصر في عصر الرئيس مرسي دورها الريادي السابق الذي افتقدته الامة العربية لأكثر من ثلاثين عاماً على حسلب ظهور دويلات اخرى طفحت على محيط السطح العربي برز دورها في العقد او العقدين الاخيرين بعد حرب العراق على الكويت. تخوفات من ان يقل او ينحسر دور تلك الدول الداعم الرئيسي للمشاريع التي تستهدف الامة العربية والاسلامية. فلا يذوق لها ظهور المارد المصري مجداداً بارزاً قوته على الساحة العربية بعد رحيل زعيمها جمال عبد الناصر منذ عام 1970 أحد الاقطاب الرئيسية الثلاث المؤسسة لمؤتمر عدم الانحياز.
ثانياً التخوف الاخر هو ان تعيد النظر مصر بعلاقاتها الدولية القديمة وبخاصة ايران التي انقطعت منذ عام 1980 بسبب اتفاقية كامب ديفد واحتضان مصر الشاه الايراني ثم وقوف مصر مع صدام حسين بحربه ضد ايران بما تعتقد انها قرارات سيادية لاذيلية تصب في مصلحة مصر كدولة كبيرة تمتلك حضارة عريقة وقدرات هائلة تستطيع ان تشكل مع ايران قوة اقليمية واستراتيجية كبيرة تقف امام النفوذ الاسرائيلي فأسرائبل غير سعيدة بنتيجة الانتخابات المصرية وتراقب عن كثب تحركات الرئيس مرسي ولاتتمنى أيّ تقارب مصري ايراني ولم يكن يخفى على اسرائيل الجسور المتواصلة بين الجانبين عن.طريق حماس التي تربطها علاقات جيدة مع ايران ايام حكم الرئيس حسني مبارك.
الكثير من المحللين المصريين يرون ان الوقت قد حان لتأخذ مصر دورها الهام في المنطقة. فإعادة العلاقات مع ايران بشكل تدريجي وتبادل الطيران مابين البلدين الى حين الارتقاء بمستوى السفارات اصبح في الوقت الحاضر بنظر هؤلاء ضرورة ملحة ويصب في فائدة الدول العربية لتخفيف الكثير من الاحتقانات والمشاكل الشائكة المبتلية بها الامة العربية والاسلامية منها الملف النووي الايراني و الجزر المتنازع عليها بين ايران والامارات اضافة الى القضية الفلسطينية الهامة واعادة النظر في الكثير من فصولها الحالية والازمة السورية وحتى يمكن لها ان تقوم بدور الوسيط في الخلافات بين الكتل السياسية العراقية وسنداً للعراق أمام التجاوزات الاقليمية الحدودية بما يخص النفط و المياه..
.اما داخلياً قد تشكل عودة العلافات مع ايران عامل لتخفيف التراجع الاقتصادي الحاد التي تشهده مصر بعد الثورة مما اضطر مرسي لأجل تحريك السوق الاقتصادية المصرية ان يقدم طلباً بقرض من صندوق النقد الدولي قيمته 4.8 مليار دولار قد ترهق المواطن المصري بإسترجاعها مع الفوائد المالية العالية مستقبلاً بينما تشير بعض التقارير ان ايران على استعداد ان تقدم الى مصر قروضاً مريحة وميسّره وحسب الاتفاق بدلاً من القروض المرهقة التي يمنحها صندوق النقد الدولي لها.
ماأثار مخاوف اعداء الرئيس مرسي ان هناك من الفريق الذي يعمل معه يطالب بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفد بما يخص الجانب العسكري منها كما ان ماقام به محمد مرسي بحل المجلس العسكري والاقالات الكبيرة في رجالات العسكر آخرها اقالة سبعين عسكرياً في قيادات الجيش المصري واحالتهم على التقاعد ثم دخول دبابات تطهر سيناء من العناصر الارهابية بعد حادثة رفح بدون اشعار الجانب الاسرائيلي كما جاء في بنود اتفاقية سيناء اثار قلق ومخاوف كبيرة لدى الاوساط الاسرائيلية من ان ينتج هذا التحول السريع في سياسة مرسي الى تحول اكبر في السياسات الدولية تتجه نحو المسار لبناء علاقات مشتركة وثيقة مع ايران تقلب كل المعادلات المرسومة.
الرئيس مرسي قرر بدلا من ان تكون زيارته الاولى الى امريكا كما جرى العرف العربي السائد لاي رئيس منتخب جديد حتى بعد ثوررات مايسمى بالرييع العربي غير اتجاه هذه القبلة نحو الصين الدولة التي تثير مخاوف امريكا اقتصاديا والدولة التي تصطف في المحور ذاته التي تقف معه كل من موسكو وايران في الازمة السورية. وهذه اشارة تكفي ان تضع كل من امريكا واسرائيل ودول خليجية مرسي تحت المراقبة.
على المستوى الشعبي والرسمي هناك رغبة في عودة العلاقات المصرية الايرانية لاسباب اقتصادية ويرون ان استمرار قطع العلاقات مع ايران لايصب في مصلحة الشعب المصري فلماذا هذا العداء في حال ان معظم الدول الخليجية ترتبط بعلاقات تجارية قد وصل حجم التبادل التجاري وبحسب ماذكر عن وزارة الخارجية الايرانية لعام 2012 الشهر السابع بين ايران ودول الخليج الى 30 مليار دولار تتوزع بين الامارات وعمان والكويت وقطر وتشكل الامارات وحدها 90% من وارداتها من ايران رغم الخلاف الحاصل بينهما حول جزر ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى.
الممول المصري يأمل ان يجد سوقاً اايرانية ضخمة تستوعب السلع المصرية في مجال الادوية الطبية أو الانتاج السينمائي المدبلج بما يخص المسلسلات التاريخية والاجتماعية وحسب قول السفير احمد الغمراوي رئيس جمعية الصداقة المصرية - الايرانية، (ليس معقولا ان يكون لنا علاقات مع اسرائيل وليس لنا علاقات مع ايران )، ( وليس معقولا ان نؤمن زيارة الاسرائيليين لقبر ابوحصيرة، وهو حاخام يهودي، ونمنع الايرانيين من زيارة ضريح السيدة زينب )، ذاكراً الى وجود حوالى 60 عتبة مقدسة من آل البيت فى مصر يتشوق الايرانيون لزيارتها هذا وفي حال اعادة الخط الجوي بين ايران ومصر سيكون له تأثيرعلى اقتصاد البلدين فإايران متطورة بصناعات كثيرة فهي تنتج110 مليون طن غذاء ما بين حبوب وألبان وزيوت وفاكهة التي تعد من أجود أنواع الفاكهة. هذا حسب رأي المتشوقين بالأستثمار المتبادل.
تشكل ايران الدولة رقم31 على مستوي العالم في إنتاج السيارات المصنعة وليست مجمعة كما أنهم متقدمون في صناعة الدواء والمعدات والإطارات وتعد الرابعة في سكك الحديد ولهذا يعتقد المؤيدين لاعادة العلاقات انها خطوة تتجه بالاتجاه الصحيح.
يعتقد البعض من المصريين ان هناك من لايريد عودة العلاقت بين البلدين لان الدولتين تمثلان قوتين ذات حضارة تاريخية وثقافية وعسكرية تستطيعان بجهودهما ان تعرقلا السياسات الامريكية في المنطقة لذا فهي سعت الى عدم حضور الرئيس مرسي الى مؤتمر عدم الانحياز بإعتبار ان هذا التجمع الكبير ممكن ان يمهد تدريجياً الى التطبيع بين البلدين يرتقي مستقبلاً الى التمثيل الدبلوماسي.
ضغوطات سلفية متشددة تعارض بشدة التقارب الايراني المصري تكمن وراءها اسباب طائفية بحتة خوفاً من التغلغل الشيعي الزاحف من كبريات المرجعيات الشيعية في ايران الى داخل دولة تحتضن اكبر المراجع السنية (الازهر ) فتعتبر ذلك خطاً أحمر.
كل هذه التخوفات لم تثني الرئيس مرسي من الذهاب الى ايران وحضوره مؤتمر عدم الانحياز وهناك من على منصة قاعة المؤتمر القى كلمته الشهيرة التي تنصتت اليها الملايين داخلياً وخارجياً ورصدت كلماتها بشكل دقيق جداّ ووضعتها تحت مجهر التحليل لتؤلف منها التعليقات وما أن بدء الرئيس بالسلام على الخلفاء الراشدين وترضيتهم حتى بدءت الاقلام تضخ الوسائل الاعلامية بكل صنوفها بسيلٍ جارف ورهيب من التعليقات الملتهبة. قسّمت الشارع العربي طائفياً بشكل مخيف ومرعب وبيّنت حقيقة مرّة كم ان الامة العربية متهاوية ومخترقة الى حد الاشفاق عليها والصلاة لأجل اصلاحها.
حتى المتربصين به عندما سمعوا طريقة ادلاءه بالسلام تغيّرت وجهات نظر الكثيرين منهم اتجاهه واصطفوا بجانبه وكأنّ القضية كلّها تكمن وراء السلام وكيفية اداءه ووصفوه بعد ذلك ببطل مصر بلا منازع لأنه إستفزّ الايرانييين طائفياً في عقر دارهم حسب تعليقاتهم، القسم الآخر قال ( لو ان كل رئيس يستطيع ان يرفع رأس الامة السنية بهذا الشكل ومن داخل ايران فلسوف نحيّ ونشجع كل رئيس عربي يزور طهران شرط ان يعمل كما عمل مرسي ) أو ( هذا الرئيس ولاّ بلاش ) أو ( سيدخل التاريخ سلام هذا الرئيس البطل ).هذا الخطاب وبالذات حانب السلام منه حوّل الرئيس الى اسطورة تاريخية استقبل في مطار القاهرة استفبال الابطال المنتصر في الحرب. غريبة هذه الامة الحائرة في مصيرها والغاطسة من اخمص قدميها حتى رأسها بمؤامرات تحاك ضدها وتراها تصب عل نفسها الزيت لتشعل نفسها بحريق هائل.
اما على الجانب السياسي وبما يخص سورية فقد ظهرت احدى التصريحات الامريكية ( ان مرسي استطاع ان يقلب الطاولة على ايران) فيما رحبت اسرائيل بخطابه. أما السفير التركي في القاهرة فقد عبر عن ارتياحه الكبير لدى سماعه الخطاب.
كلمته التي تأثرت بها العواطف الدولية والخليجية ورقصت ودقت لها الطبول الطائفية من السلفية فرحاً بنيت على شقين الاول هو جانب أداء السلام عندما ذكر اسماء الخلفاء الراشدين واحدا واحدا في ترضيتهم، حظيت بفرحة المتشددين والمتربصين لهذه الزيارة. هؤلاء هم من يريد العزف على الوتر الطائفي، فلا اعتقد ان الرئيس محمد مرسي ذو الذهنية الواسعة والساعي الى بناء علاقات متوازنة بالمنطقة مع كل الدول العربية وايران اراد ان يغضب الايرانيين في عقر دارهم كما وصفه المتربصون، علماً مامن شيعي مثقف لايحترم ولايقدر ولايعترف بكل الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين (رض) عنهم جميعاً ومن غير المعتقد انه لو كانت العملية معكوسة وكان الرئيس الايراني على الارض المصرية فمن المستبعد جداً أن لايبدء بسلامه بالصلاة على محمد وآل محمد وعلى اهله الطاهرين الطيبين كما جرت العادة في عرف السلام الشيعي. فلا ادري لماذا كل هذه التعليفات المحرضة وأين الخلل في سلام الرئيس مرسي؟ المثقفون في كلا الدولتين ترى أن طريقة الادلاء بالسلام شيء يخص العرف السائد لكل فئة وكل معتقد ولا يصب في منظار الاستفزاز ولابد من تجاوز هذه النعرات الاستفزازية التي لاتغني ولا تشبع فرداً من جوع فالذي يريد ان يبني علاقات محترمة تقطف منها ثمار نافعة للأمة عليه ان لايدق على وتر الشحن الطائفي فالأمة في هذا الوقت تحمل بما فيه الكفاية من هموم جسيمة و اثقالا تقطّع وتنهك اوصالها ولابد من اصحاب العقول النيرة ان يأتي دورهم في هذه المحنة العصيبة والتي اسست لها كل من امريكا واسرائيل واصحاب العقول التكفيرية.
طريقة سلام الرئيس على الخلفاء وترضيتهم ماكان الاّ رسالة اراد ان يطمئن بها كل من كان لايريد حضوره الى ايران في مؤتمر عدم الانحياز مفادها انه لو حصل أي ّ نوع من تطبيع واعادة العلاقات مستقبلا لا يمكن ان تتحول مصر السنية الى شيعية هذه هي الحكاية في ذهن الكثير من المحللين.
الحكاية الثانية الجانب السياسي منها عندما وصف لنظام السوري انه نظام ظالم وقمعي وفاقد للشرعية بعد ان لازم الرئيس الصمت ثمانية عشر شهراً من بدء الازمة السورية، احدى التفسيرات تقول ان مرسي مورست عليه موجة من الانتقادات الحادة والضغوطات وقد تكون تهديدات داخلية وخارجية دولية مفادها ان مصر سوف لن تشهد الاستقرار بعد الثورة وهذه قد تكون من داخل جماعة الاخوان والسلفية في مصروسورية وتعمل كما عملت في العراق.
البعض الآخر يقف مستغرباً ويتهم مرسي اذا كان يريد ان يتبؤّ مقعداً مع المحور السعودي القطري التركي الامريكي يكون بذلك قد نسف مبادرته التي طرحها في مكة التي تضع مصر في الجانب المحايد من الازمة السورية والتي كانت قد هللت لها الكثير من الاطراف والاصوات وهذا بحسب المفهوم السياسي يضع الرئيس مرسي بعد وصفه النطام السوري بالقمعي في الزاوية الحرجة بعد ان صرح سابقاً ان سياساته ستتصف بالسياسة المتوازنه مع جميع الدول أماّ الان لم يعد مرسي متوازناً كما انه لم يحافظ على مصر ان تكون محايدة ولم تستطع مصران تكون طرفاَ لأيّ مبادرة أخرى. فعلاّ يقول البعض انه قد خيّب أمال المتفائلين لمبادرته التي طرحها في مكة..
هنا يكون مرسي قد وضع نفسه امام جملة من الاسئلة المهمة وهي من وراء هذه التناقضات في التصريحات والافعال وما معنى هذا التحول بعد ان قرر ان تكون الصين اول دولة لمنهج زياراته الاولى بوفد كبير عالي المستوى بدلاً من امريكا ولهذه الزيارة مدلولاتها الكبيرة. وبعد ان اراد ان يرسم لبلاده سياسة متوازنه يكون لمصر الدور الهام والريادي فيها؟ ولماذا اعطى صورة استباقية توحي ان مصر ستكون دولة لها سيادة وقرار مستقل تبتعد عن الاملاءات السابقة عندما حل المجلس العسكري واحال على التقاعد رجالات عسكرية كبيرة قد تحسب على منهج النظام السابق ولماذا ادخل الدبابات في سيناء بعد حادثة رفح بدون الرجوع الى اتفاقية السلام التي تلزمه بإستشارة الطرف الاسرائيلي في ذلك ولماذا يطالب بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفد في بنودها العسكرية.. إذا لم يلمس الشعب المصري كل هذا التحول بشكله الحقيقي على الارض فما المعنى وما الداعي للثورة التي قام بها المصريون.؟
واذا كان يطمح بسياسة متوازنة كما صرح مرات عديدة كان عليه ان يحافظ على مبادرته العقلانية أوّلاً وان يصوغ الكلمات بشكل اهدء وان يطالب جميع الاطراف بوقف السلاح. أمّا الان فلا يمكن لمصر ان تعيد مكانتها وأن تكون رائدة في العالم العربي والاسلامي كما تفائل الكثيرون في هذه الوطن بعد ان انضم مرسي الى الجانب الهادف الى بلقنة منطقة الشرق الاوسط والنيل من الامة العربية والاسلامية مقابل بقاءه على كرسي الرئاسة. لكن هناك امل قد تكون الاقوال احياناً غير الافعال.
- آخر تحديث :
التعليقات