لا احد ينكربأنه حدث في الوطن العربي زلزال كبير وغير متوقع اسماه البعض الربيع العربي، حصل هذا الحدث الكبير بارادة بعض الشعوب العربية، الا ان عدوى هذا الربيع لم تصب الجزء الاكبر من شعوب المنطقة الذي لم يتحرك لحد الان والاسباب تبدو متعددة، إما خوفا من بطش الانظمة أولاقتناع بعض الشعوب بأنها تعيش بانسجام مع انظمتها التي تؤمن لها هامش من الحرية والديمقراطية.

يوجد هناك الكثير من المشككين بهذا الربيع العربي والذين لا يستسيغون تسمية ما حصل بالربيع العربي لانه لم يحقق ما طمحت اليه الشعوب و يعتبرون هذه التغييرات التي حصلت هي أقل ما تطمح اليه، وان القوى التي وصلت الى الحكم ليست هي القوى التي ارادتها هذه الشعوب.
من غير شك بأن ثورات الربيع العربي بدأت بشكل برئ وعفوي من قبل اناس مخلصين لاوطانهم ولا شك بأن اهدافهم كانت نبيلة ونقية. وللأسف تم خطف الربيع العربي وبُددت معانيه وحُرف عن مساره بواسطة قوى داخلية لا يهمها سوى الوصول الى السلطة أو بواسطة قوى اقليمية ودولية لا يهمها سوى مصالحها والمتاجرة بهذه الثورات وتجييرها لصالحها ولخدمة اجندتها.

ان القوى التي التى وصلت الى السلطة في مصر أو تونس ليست هي القوى التى قامت بالثورة ولكنهاووصلت بطريقة شرعية وديمقراطية، فالثورة لم يكن من أهدافها الرئيسية وصول حزب معين الى السلطة والقول بعد ذلك ان الثورة قد انتهت وهذه هي نهاية المطاف.
ففي الدول الاكثر ديمقراطية تحصل فيها ثورات ايضا وتظاهرات والاسباب عديدة منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكل هذا يحصل حينما الدولة لا تقدر على تأمين متطلبات الشعوب.

بالرغم من ممارسة العملية الديمقراطية في تونس ومصر الا ان اهداف الثورات لم تتحقق بعد واسبابها ما زالت قائمة، ولهذا تقع على السلطات الجديدة في هذه البلدان مسؤولية مضاعفة من حيث تحقيق المساواة والعدل والسماح بحرية التعبير، والاهتمام بالمواطن ومعاملته كشريك في الوطن وليس اداة انتخابية وايصال بعض الاحزاب الى السلطة، وعلى السلطات الجديدة عدم الوقوع وتكرار اخطاء الانظمة البائدة وإلا ستجد هذه السلطات نفسها قريبا امام ثورات شعبية جديدة ومطالب بتحسين الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
ان الوضع في سوريا لا يختلف عن الاوضاع في البلدان الاخرى، حيث بدأ الحراك الشعبي عفويا، ارادت الناس التعبير عن ارائها والمطالبة بالحرية والتغيير وبطرق سلمية، ولكن اصرار النظام وتعنته على عدم تحقيق مطالب هؤلاء المواطنين أدى الى توسيع رقعة الاحتجاجات التي بدأت بالعشرات ثم المئات الى ان وصلت الى هذا النحو الذي نشهده ونشوء معارضة مسلحة وتحول هذه الاحتجاجات الى حرب حقيقية.

لقد تم استغلال الوضع السوري وبحجة دعم المعارضة دخل على خط هذه الازمة قوى ارادت المتاجرة بدماء الشعب السوري والامساك بخيوط اللعبة ودعم هذه الجماعات لتحقيق اهدافها والاجندات التي وضعتها لنفسها من خلال الدعم بالمال والسلاح.

فالثورة السورية هنا اصبحت مأجورة ولها اصحابيريدون تحقيق مصالحهم الخاصة في هذا البلد، فاليوم المعارضة تطلب المساعدات من الخارج ولا تعرف بانها في المستقبل ستدفع ثمن هذا الدعم الارتهان للخارج وطاعة للقوى التي تقدم لها الدعم والتي ستتدخل لرسم شكل النظام الذي سيحكم سوريا.
الخارطة العربية تتشكل من جديد والكل يريد نهش قطعة لنفسه وان يملك موطئ قدم في هذه المنطقة، وكأن الدول العربية اصبحت مشاع للمستثمرين الذين يملكون المال والسياسيين الذين يطمحون الى تحقيق دورا لشخصهم ودولهم في تقرير مستقبل هذه المنطقة.

ان الثورات اصبحت هي المدخل الرئيسي للاستثمارات السياسية والاقتصادية في المنطقة، فالثورات اصبحت كأي مشروع ربحي والكل يريد الاستثمار به ويضمن له دورا في المستقبل وتحديد شكل واتجاهات السلطة في هذه الدول.

ان القوى الاقليمية والغربية لها مطامع ومصالح في الدول العربية واهدافها متعددة ومختلفة، منها السياسية والتجارية وخلق حالة الفوضى في المنطقة وهذا شيء مفهوم، ولكن من غير المفهوم لماذا بعض الدول العربية تظن نفسها بمنأى عن هذه الاطماع وتعمل على مساعدة هذه القوى دون ان يكون لها اهداف استراتيجية واضحة والخاسر الاكبر يبقى هذا الوطن العربي وشعوبه.

الديمقراطية حق للشعب السوري والشعب المصري ولكل الشعوب العربية دون استثناء ودون انتقائية ودون متاجرة بحرية الشعوب العربية، فليست الشعوب هي وحدها من يقرر بناء الديمقراطية وممارستها، فالقرار يجب ان يكون ايضا مسؤولية الانظمة وزعمائها الذين يجب عليهم ان يعوا ضرورة المرحلة واجراء اصلاحات دون ضغط من قبل الشعوب أو ضغوط خارجية لكي لا نصل الى ما شهدناه ونشهده من مأسي في بعض البلدان العربية.


كاتب وصحافي فلسطيني
[email protected]