لا يفصلنا عن موعد الانتخابات الأميريكة سوى شهرين وان حُمى هذه الانتخابات بدأت تستعر بين المرشحين الديمقراطي الرئيس الحالي باراك اوباما والمرشح الجمهوري ميت رومني.

ان قضايانا ليست بعيدة عن تنافس المرشحين للرئاسة الامريكية، ومن اهم القضايا هي قضية القدس التي اصبحت موضوعا للجدل بينهما، بين رومني الذي يريد المزايدة على اوباما بجعل مدينة القدس عاصمة لاسرائيل، في ظل هذه المزايدات بين الحزبين تبدواسرائيل هي المستفيد الاكبر من كل انتخابات امريكية، لانه يزداد الدعم لها من خلال رؤساء يريدون مواصلة بقائهم في السلطة أو مرشحين يسعون للنجاح بالانتخابات، وكل ذلك يتم على حساب القضايا العربية.

ان ما يهمنا كعرب من هذه الانتخابات ليس الشخص والحزب اللذان يحكمان أميركا، فالسياسة الأميريكة لا تتغير بالنسبة للقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية التي يتنافس الحزبان على تجاهلها وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، ويتنافسون على دعم اسرائيل ليكسب كل مرشح دعم اللوبي الصهيوني المؤثر في الولايات المتحدة الأميريكة.

حتى وان لم يوجد هذا اللوبي الصهيوني في أميركا، فأمريكا كانت ستتبع نفس السياسة تجاه منطقتنا، لأن تحالفات مع أميركا مع اسرئيل استراتيجية والحاجة متبادلة بينهما، فالدول الغربية الاخرى لا ينشط اللوبي الصهيوني فيها بقوة كما في الولايات المتحدة، الا ان هذه الدول تدعم اسرائيل في كل المحافل الدولية وتصمت على جرائمها، فاسرائيل تعتبر القاعدة الاستراتيجية المتقدمة لأميركا والغرب بشكل عام في المنطقة العربية ودرعها الضارب في حال تغير الاوضاع لصالح اعداء أميركا.

المراهنات العربية تتجدد خلال كل انتخابات اميركية بفوز رئيس جديد يقلب المعادلة القائمة منذ نشأة دولة اسرائيل في عام 1948 وهذه المعادلة ترى مصلحة اسرائيل فقط وحقها في الوجود دون النظر الى حقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية، ولكن التجربة الطويلة والعملية علمتنا كعرب بأن لا خيرا من اي رئيس امريكي أكان جمهوريا ام ديمقراطيا لأنهما وجهان لعملة واحدة.

ان النظام السياسي الأميركي القائم على دكتاتورية حزبين يتنافسان على السلطة يفقد أميركا وخاصة قطاعات كبيرة من الشعب الأميركي حرية التعبير عن الرأي والتأثير على السياسة الداخلية والخارجية، بالرغم من ان الحزبان لا يتفقان على بعض القضايا الداخلية وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، اما الاطار العام للسياسة الخارجية بالنسبة لقضايانا يبقى كما هو بغض النظر عمن يحكم أميركا.

تفاءلت ألانظمة العربية ومن وراءها الشعوب خيراً منذ أربع سنوات عندما فاز باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية، اجمع المحللون العرب حينها بانه سيكون مختلفا عن الرؤساء السابقين، ففي بداية ولايته وعد بحل الدولتين بحدود 1967 ولكن هذه الوعود ذهبت ادراج الرياح ولم يطبق شيئا مما وعد به وعمل جاهدا على حماية امن اسرائيل كما فعل رؤساء
الادارات السابقة حتى تفوق عليهم ليكسب ود اللوبي الصهيوني في أميركا الذي من الممكن ان يصوت لصالحه في الانتخابات القادمة.

يقوم الرؤساء الامريكيين الجدد مع بداية كل فترة رئاسية باطلاق الوعود والتعهدات بحل القضية الفلسطينية ويعرضون مبادراتهم للحل، ليثبتوا جدارتهم وتميزهم عما سبقوهم من الرؤساء، هكذا فعل جورج بوش الابن الذي وعد بانه وبنهاية مدة رئاسته ستقوم الدولة الفلسطينية، ولكن النتيجة كانت الاسراع في وتيرة الاستيطان والمزيد من نهب الارض الفلسطينية، وشن حربين على افغانستان والعراق.

من الملاحظ بانه وقبل نهاية كل فترة رئاسية في أميركا يصبح الرئيس الأميركي اسير اللوبي الصهيوني، ويصبح مصيره متعلق بهذا اللوبي الذي يمكن ان يسقطه او يبقيه في سدة الحكم لولاية ثانية، اذا ليس هناك اي وازع اخلاقي يسوق السياسة الأميريكة سوى المصالح الخاصة، وللأسف العرب لم يرقوا بعد الى درجة فهم هذه المعادلة الغير صعبة ومعرفة كيف يمكن التأثير ايجابا اي وازع اخلاقي يسوق السياسة والتي تملك مفتاح الحل لمعظم مشاكل المنطقة العربية.

بالرغم من ان العرب يملكون الثروة والمصالح الاقتصادية المشتركة مع أميركا فهم غير قادرين حتى الان التأثير على السياسة الامريكية، ويحصل العكس من ذلك وأميركا هي التي تملك ادوات الضغط على العرب واجبارهم على المشي في ركب السياسة الأميريكة..

يجب عدم النظر عمن يحكم أميركا اكان جمهوريا ام ديمقراطيا، محافظا ام ليبراليا، فيجب علينا كعرب النظر كيف نقوي انفسنا سياسيا واقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وحتى عسكريا حتى نستطيع تغيير السياسة الأميريكة ولا نبقى ننتظر من باب التمني تغيير مواقف أميركا للوقوف الى جانبنا ومع قضايانا.

لا شك بأن أميركا تمارس حقها كقوة عظمى من اجل البقاء وتقوم باستغلال الشعوب الضعيفة وثرواتها وهي مستعدة ايضا لخوض الحروب من اجل مصالحها، ونحن كعرب يجب علينا ان لا نبقى في مصاف الدول الضعيفة حتى لا يملي علينا الاخرين ما يريدون.


كاتب وصحافي فلسطيني
[email protected]