بول جوزف غوبلز من خريجي جامعة بون في آلمانيا ووكيل الدعاية (propagandist) وlaquo;السياسيraquo; الألماني الذي انضم إلى الحزب الوطني الاشتراكي النازي وثم وبعد وصوله الى مراحل متقدمة دخل في مجلس وزراء هتلر وانهى حياته منتحرا في الأول من مايو 1945 عند فتح بوابابات برلين من قبل قوات الاتحاد السوفيتي. وكان عبارته الشهيرة هي أن الكذب كلما يكون كبيرا كلما يصدقونه الناس اكثر.
من لا يكون لديه معلومات بشأن الموقف في مخيم ليبرتي بالقرب من مطار بغداد الدولي وعند مشاهدة التقرير المشوب بالمغالطة والمنحاز للسيد مارتن كوبلر quot;الالمانيquot; رئيس هيئة مساعدة الأمم المتحدة في العراق بعنوان laquo;مراقبة حقوق الإنسان: من أشرف إلى الحريةraquo; على موقع اليونامي سيصل إلى النتيجة بأن مخيم ليبرتي ليس كما ذكرنا في مقالنا السابق بعنوان laquo;اوشفيتز أم الحرية؟!raquo; في إيلاف نقلا عن رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في الكونغرس الأمريكي laquo;اوشفيتزraquo; في القرن الحادي والعشرين بل هو جنة وسط العراق حيث يستلمون سكانه خدمات يحرم منها المواطنون العراقيون.
لكن يكفي أن نقترب قليلا من المشهد الحقيقي للوضع في ليبرتي.. وعند هذا سنرى إن الأكاذيب تم تكبيرها بحيث لكي لا يشك القارىء والمتابع في صحتها. المهم أن التقرير تم نشره بيوم واحد فقط من زيارة كوبلر الى مخيم ليبرتي في 23 أغسطس 2012 وهو تقرير دعائي لا يساعد في الوصول الى حل سلمي لموضوع أشرف وسكان ليبرتي فحسب بل على العكس تماما يعتبر غطاء للضغوط اللاإنسانية التي تمارسها الحكومة العراقية على سكان مخيم ليبرتي الذي وصفته مجموعة العمل للاعتقالات الاعتباطية التابعة للأمم المتحدة بأنه سجن.
وفي هذا التقرير وبشكل مخجل تم اعتبار هجوم المدرعات و2500 من عناصر القوات المسلحة العراقية وتحت قيادة مباشرة لقائد القوة البرية العراقية على السكان العزل في أشرف في 8 أبريل 2011 حيث قتل خلاله 36 شخصاً اما بنيران مباشرة أو دهسهم بواسطة عجلات الهمفي واستشهد فيما بعد شخصين إثر الاصابات الواردة ليصل عدد القتلى إلى 38 شخصا واصيب مئات الآخرين بجروح واصيبوا باعاقات مختلفة كـ laquo;اشتباكات بين سكان مخيم أشرف و القوات الأمنية العراقيةraquo; ويهدف التقرير من ذلك الى تبييض ساحة نوري المالكي من الجريمة ضد الانسانية التي اقترفتها قواته.. وهذا في حين استدعت المحكمة الوطنية الإسبانية وعلى أساس laquo;القضاء الدوليraquo; آمري ومنفذي هذه الجريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب للمثول أمامها.
يؤكد كوبلر وبشكل مستمر في تقريره هذا ان laquo;يونامي لها دور محايد وعامل للتسهيلraquo; ويتحدث في التقرير نفسه عن مذكرة التفاهم الموقعة بين الأمم المتحدة والحكومة العراقية وهي المذكرة التي تم توقيعها وخلافا لتعهدات السيد كوبلر دون اطلاع السكان ومشورتهم وموافقتهم وتم فرضها على السكان في حقيقة الأمر، رغم ان المذكرة ذاتها تم انتهاكها من قبل الحكومة العراقية مرارا وتكرارا على أساس الحقائق والحالات والوقائع المحددة في هذا الشأن والواضحة وضوح العين لكل مشاهد ومتابع من ذوي البصيرة، ولم ير السيد كوبلر حاجة أبدا ليشير إلىها ولو مرة واحدة أو يقول أن هذه المذكرة تم فرضها على السكان وهذا تمهيد للهجوم مرة اخرى على اشرف في حال تأكيدهم وإصرارهم على حقوقهم.
ويتحدث التقرير عن خمس دفعات من النقل laquo;الطوعيraquo; من أشرف إلى ليبرتي. إن كوبلر سواء في مقالاته في وسائل الاعلام المختلفة أو في لقاءاته مع السكان وممثليهم كان يحذر دائما ويهدد بأنه لو لم تتم عملية النقل laquo;الطوعيraquo; ستقوم الحكومة العراقية باجراء هذا الامر قسرا وبالقوة. كما والتقرير يرحب بعدم وجود اي حالات عنف ولا يرى الحاجة أن يؤشر أنه وفي عملية نقل الدفعة الثالثة في 20 من مارس الماضي كانت الضغوط على السكان بحيث توفي أحدهم وهو المهندس برديا أمير مستوفيان إثر laquo;الضغوط والارهاق الناتج عن عملية النقلraquo; حسبب تشخيص الطبيب العراقي. كما وانه حين تفتيش اغراض وحاجيات الدفعة الرابعة قامت القوات العراقية بضرب السكان واصابتهم باشكال مختلفة وكسرت بشكل وحشي ايدي وأرجل عدد من السكان بالقضائب الحديدية حيث قام ممثلو كوبلر نفسه بتسجيل الموقف ورفعوا تقريرا إليه أيضا كما وكوبلر شخصيا قد أشار في تقريره إلى مجلس الأمن إلى laquo;وقوع اشتباكraquo; دون الدخول في تفاصيل ما حدث.
ولكن laquo;جنة ليبرتيraquo; تحول إلى حلم عندما نقرأ في التقرير أن laquo;جميع الغرف في المخيم مزودة باجهزة التبريد والتكييف والتهوية المناسبةraquo; دون أن يرى حاجة الى أن يشير الى ان السكان ومنذ البداية قد واجهوا مشكلة حقيقية مع عدد كبير من اجهزة التبريد (225 جهاز تبريد) ولم تكن الحكومة العراقية تسمح لفترة طويلة استبدالها بالأجهزة المماثلة من ممتلكات السكان.
وكذبة كبيرة أخرى لكوبلر هي laquo;أن السكان أحرار في تنفيذ مشاريع الاعمار بتأييد ادارة المخيمraquo;.. في حين أن ما فعلت الإدارة العراقية للمخيم في غضون الأشهر الستة الماضية وخلافا لمذكرة التفاهم المفروضة من قبل كوبلر، كانت المنع من اجراء أي مشاريع للإعمار وهذا الامر لا يشمل فقط السكان فحسب بل شمل ايضا عناصر اليونامي الذين ارتبكوا من هذا التعامل. مع العلم إن هذه الإدارة لا تسمح حتى ادخال متر واحد من الشبكة البلاستيكية لعمل مظلات لوقاية الشمس.. والحكومة العراقية لا تسمح للسكان ادخال الأصباغ ضمن ما يسمى بالاعمار الذي يدعيه كوبلر.
ليس هذا فحسب بل ان التقرير وبشكل تدريجي يصبح اكثر سخرية واكثر كذبا حيث يدعي بوجود laquo;مساحات عديدة للتنزهraquo; في ليبرتي. إن كوبلر نفسه وبعد دعاياته الكبيرة قدم تقييما للأرض الوعرة التي هي بيئة لانتشار الثعابين والافاعي والعقارب والجرذان، قائلا انها امكان يمكن بعد تأهيلها ان تكون مواقع لبناء مساحات للتنزه بشرط صرف نفقات هائلة على ذلك. وعندما يصل الى موضوعين رئيسيين أي الماء والكهرباء يضطر كوبلر أن يقلب المشهد تماما. إن التقرير يعطى الانطباع بأن الحكومة العراقية توصل يوميا ولكل شخص 200 لتر من المياه إلى المخيم. في حين أن المخيم يفتقد الى مياه الشرب وقنوات الصرف الصحي بشكل مطلق والحكومة العراقية لم تؤمن لحد الآن ولو قطرة واحدة من الماء للسكان. بل السكان هم الذين يتحملون المتاعب الكثيرة وبكلفة 300 ألف دولار تم صرفها لهذا الامر قاموا لحد الآن بتأمين الماء بالحد الأدنى لحياتهم اليومية وطبخ الغذاء والخدمات الصحية طيلة الأشهر الستة الماضية. وعلاوة على هذا يوحي التقرير وبشكل وقح بأن الحكومة العراقية laquo;تعمل على تجهيز المخيم بمنظومة ضخ الماء وتصفيته داخل المخيمraquo;. فهذه كذبة كبيرة في حين أن السكان قدموا خطة لتأمين مياه ليبرتي بنفقاتهم الخاصة تصل إلى ثلاثة ملايين دولار ولم تعمل الحكومة العراقية لحد الآن شيئا اللهم إلا وضع العراقيل أمام الخطة.. وكوبلر يعرف هذه التفاصيل بشكل كامل.
أما الكهرباء.. وأكاذيب كوبلر عند توصيف كهرباء ليبرتي.. فان توصيفه اكبر بكثير من مشكلة المياه واكثر مغالطة وخدعة حيث دفع السكان وطيلة الشهور الستة الماضية مليوني و395 ألف و745 دولار لشراء الوقود لتشغيل المولدات المعطوبة التي تستهلك ضعفين من الوقود ولا تنتج إلا 40 بالمائة من سعتها، لكي يؤمنوا الكهرباء. إن الوضع في ليبرتي بصورة غاية في السوء والكآبة حيث لو لم تتوفر الكهرباء لتوقفت منظومة المياه والطبخ والصرف الصحي وسائر الخدمات وعليه فان السكان مضطرون أن يؤمنوا استمرار التيار الكهربائي وعلى مدار الساعة وبنفقات هائلة خلافا لسائر الاماكن والمواقع المماثلة وحتى السجون العراقية.
ولقد طالب السكان السيد كوبلر لكي يطلب من الحكومة العراقية أن لا تمنع حصول السكان على وقود المولدات من داخل العراق وبالسعر الذي يدفع من قبل المواطن العراقي لأنهم يقومون بشراء الوقود من خارج العراق وباسعار اعلى تصل الى خمسة اضعاف.. ولكن كوبلر لم يتخذ أي إجراء في هذا الشأن.
ما قلناه سابقا كان جانبا من ألاكاذيب laquo;الفلكيةraquo; لكوبلر. ونكرر ما قلنا في مقال سابق بأنه لماذا لا تفتح أبواب هذه laquo;الجنةraquo; أي مخيم الحرية أمام البرلمانيين الأوروبيين والأمريكيين وممثلون محايدون من الأجهزة المدافعة عن حقوق الانسان والمراسلين أو محامو السكان؟ ولماذا كوبلر يلتزم الصمت بهذا الخصوص؟. نؤكد مرة أخرى أن هذا الأمر لن يحدث اطلاقا. لأنه وفي حال حدوث مثل هذا الأمر ستكشف المسافة laquo;الفلكية ndash; النجوميةraquo; بين واقع مخيم ليبرتي وتوصيفات كوبلر التي من شأنها ان تؤدي فقط الى تشجيع الحكومة العراقية على ممارسة ضغوطها على السكان سواء المقيمين في ليبرتي أو أشرف كما حدث في 27 أغسطس الماضي حيث قامت القوات المسلحة العراقية فجأة وبشكل قاس ودون شفقة او رحمة بالاعتداء على السكان العزل وأمام أعين مراقبي الأمم المتحدة مما أدى الى اصابة 20 منهم بجروح.
* خبير ستراتيجي إيراني
[email protected]
التعليقات