الكلام الذي صرح به الممثل الاممي ابراهيم الاخضيري امام الجمعية العامة للامم المتحدة رسم صورة قاتمة ومأساوية جدا عن الوضع الانساني في سوريا الثائرة بوجه نظامها ورئيسها بشار الاسد، مبينا ان quot;حصيلة الخسائر البشرية (في سوريا) هائلة والدمار وصل الى نسب كارثية والالام كبيرة جداquot; مضيفا ان quot;دعم الاسرة الدولية امر لا بد منه وملح جداquot; ومحذرا من ان الوضع quot;لم يكف عن التدهورquot;.

ويبدو ان ما تشهده الساحة السورية من قتل يومي بمعدل اكثر من مائة شخص بين شهيد وقتيل من قبل طرفي الصراع المعارضة والنظام، هو حمام دموي بكل معاني العنف والمؤلم انه متواصل في كل يوم منذ اكثر من سنة ونصف، ويبدو ان هذا القتل اليومي الجماعي تحول الى مطحنة بشرية لا يسلم منها ثوار الشعب الناهض لنيل الحرية المفقودة منذ اكثر من اربعين سنة.

وفي ظل هذه المطحنة البشرية القاتلة الشبيهة بجرائم القتل الجماعي للنازية، فان البصمة الروسية والايرانية ظاهرة عليها من خلال أساليب القتل التي ترتكب بها الجرائم الجماعية يوميا، ومن خلال الخبرة والادوات والمجاميع القاتلة للنفوس السورية البريئة لذبح ابناء سوريا نساءا ورجالا واطفالا وشيوخا وامام اعين العالم، وكأن هذا الكيان الجامد الذي نعاصره تحول الى عالم بلا حياة ولا نطق ولا نبض انساني، فالكل صامت من عرب وعجم وفرس وترك وافرنج وغيرهم، والجميع من الدول الغنية والفقيرة صامتة، والمشهد المأساوي للاحداث السورية يبين وكأن تلك الدول قد منحت الرخصة الاقليمية والدولية لبشار الاسد ونظامه المستبد الطاغي بقتل افراد الشعب صغارا وكبارا واطفالا وشيوخا ونساءا ورجالا، والمؤلم اكثر أن المجتمع الدولي بات في سبات عميق يرقد في دهاليز القطب الشمالي لا يعرف بما يجري على ارض المعمورة وبالاخص مما يجري من مذابح وجرائم على ارض الشام، وهذا المجتمع بات يتهرب من المسؤولية والالتزام الاخلاقي والانساني لوقف هذا النزيف المتواصل لحصد الارواح الانسانية البريئة.

والموقف الروسي المتسم بعدائية شديدة ضد الشعب السوري الثائر بالتوازي مع ايران والصين ليس بغريب في واقع الحال، وهو امتداد للمواقف الاستعدائية لروسيا السابقة ضد الشعوب وخاصة منهم العراقييون حيث قدمت موسكو كل اشكال الدعم لنظام الاستبداد والطغيان صدام حسين، وكذلك ضد الليبين الذين فجروا بركان الغضب على رئيسهم العقيد القذافي، وهذا ليس بجديد من روسيا لانها هي أول دولة اعترفت باسرائيل في الاربعينيات من القرن الماضي على حساب ارض وحقوق الشعب الفلسطيني، وكما هي السبب في الحاق الهزيمة والانتكاسة بعموم العرب في حرب خمسة حزيران، وهي كذلك السبب المباشر في اطالة حروب لا مبرر لها منها الحرب الايرانية العراقية التي استمرت ثمان سنوات والتي راحت ضحيتها اكثر من مليون انسان.

والمشكلة وبالرغم من مناشدات الجامعة العربية واصدارها قرار بتخويل مجلس الامن الدولي فان الضغط الدولي لم يحصل مثلما حصل في ليبيا، وخاصة دخول الولايات المتحدة في معادلة المجابهة لحماية حياة المدنيين، وبحكم القوة المؤثرة الفعالة عالميا لامريكا وبفعل التدخل الدولي تحقق للشعب الليبي حلمه بالحرية وبنجاح الثورة ضد استبداد وطغيان الدكتاتور القذافي، ولكن تجاه الحالة السورية فان أقل ما يمكن قوله بخصوص الحكومة الامريكية انها تمر بسبات عميق تجاه الشعب الشامي الثائر الذي يجابه بالحديد والنار من قبل منظومة اقليمية ودولية طاغية متكونة من نظام بشار وايران وحزب الله وروسيا والصين وتحالف المالكي في العراق وعلى مرأى عيون المجتمع الدولي، وعلى قربى من الاتحاد الاوربي، منظومة اجرامية حولت العنف الموجه ضد السوريين الثائرين الى مطحنة بشرية هائلة تطحن الصغير والكبير من المعارضين المدنيين والمسلحين دفاعا عن حياتهم وبالمئات يوميا.

في ظل هذا الواقع المؤلم، لا يعقل ومن غير المقبول ان يستمر هذا الموقف المتسم بالسبات والبرود والخذلان للمجتمع الدولي، وابداء حالة من عدم الاهتمام بالوضع الانساني البائس الذي يمر به الشعب الثائر في المدن السورية، لا سيما وان النظام أخذ بالعناد يوما بعد يوم في ظل الحماية الروسية والايرانية والصينية، واخذ باللجوء الى استخدام وسائل اكثر عنفا وبطشا للقضاء على المدنيين المحتجين والمدافعين المسلحين في كثير من المدن السورية خاصة في حلب ودرعا وحمص وحماه.

لهذا نعيد من جديد، كما قلناه في وقت اخر من خلال هذا المنبر الحر، قد حان الوقت لرد شعبي مدني وسلمي عارم من قبل العرب والشعوب الاسلامية للوقوف بحزم شديد ضد الدولة المارقة روسيا وجارتها الصين وبكل الاساليب المدنية لكي تلقن دولة موسكو المتاجرة بمصير الشعوب درسا قاسيا تعيدها الى رشدها لكي تكف عن التلاعب السياسي الباطل باوراق المصير الانساني لشعوب دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا وفي مناطق اخرى مع الغرب.

ولكي يكون الرد المدني العام فعالا ومؤثرا بحق دولة روسيا المخادعة وجمهورية الصين الناكرة لحقوق الانسان وايران الحاضنة للارهاب المذهبي، نعيد طرح حزمة مباردة quot;اليقظة الانسانيةquot; لخلق راي عام في العالمين الاسلامي والعربي ضد روسيا وايران والصين، والحزمة المقترحة تتضمن ما يلي:

1.توجيه رسائل الادانة بكل الوسائل المتاحة من قبل الافراد والجماعات والحركات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني الى موسكو وبكين وطهران، والى كل الجهات المعنية محليا واقليميا ودوليا.
2.اقامة التجمعات وتسيير التظاهرات الاحتجاجية امام سفارات روسيا والصين وايران في الدول العربية والاسلامية وفي دول اوربا واسيا والامريكتين الشمالية والجنوبية من قبل الجاليات المقيمة في الخارج.

وفي الختام، لابد من القول ان الحزمة المقترحة تشكل خطوة متواضعة لوقف المطحنة البشرية في سوريا، ولكنها في حالة تحقيقها ستدفع الى تشكيل ضغط شعبي مدني عربي واسلامي على روسيا المارقة لتخفيف الضغط على الشعب السوري وتحقيق النصر في القريب العاجل، ولغرض تشكيل رأي عام فعال ضد الأنظمة المستبدة في المنطقة.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]