نخشى كثيراً، نحن العراقيين، من محاولات التزييف و التحريف لنظام التسمية إزاء قضايا حساسة و أي سعي لتشويه الأمور أمام أعيننا كما هو الحال و مُلحوظ ndash; للأسف- في مجالات أخرى من حياتنا السياسية و الإجتماعية!

فهذا الموقف هو من أخطر المواقف، التي يمكن أن تعصف على أحوالنا و تفسد الوقائع بل تسد السبيل أمام التفاهم و إيجاد القواسم المشتركة بين المختلفين أو التواصل الحي و الناجع بين أبناء البلد الواحد سعياً منهم لحل الماشكل و النزاعات السياسية و المجتمعية في واقعنا.

و الحالة العراقية، هي بحد ذاتها، تشهد اليوم و كأنها باتت نموذجاً خطيراً لتويسغ مخاوفنا هذه، لا سيما عندما نتابع في تصريحات المسؤولين و السياسيين و قادة الكتل، هشاشة ملحوظة في تسمياتهم و وصفهم للحالات و المواقف، أو الظواهر و الإجراءآت، التي يشدها حقل السياسة في ظل الخلافات الدائرة، بل المزمنة، بين الأطراف المعنية بالعملية السياسية في العراق.

النموذج الأول هو خطورة تسمية الإنتقادات السياسية، التي تستهدف أداء رئاسة الحكومة و مؤسسات الدولة كافة، بأنها موآمرة و إعتبارها محاولات لتهديد البلاد و النيل من أستقرارها. هذا الموقف من الإنقادات هو مؤقف متخلف و يؤكد لنا، بأننا، الى يومنا هذا، لا نود الخروج من سباتنا الفكري و تقوقعنا الذهني أو الكف عن رؤيتنا للأمور و تقديرها بنظرية الموآمرة تهرباً منا، كما هو حالنا دوماً، من التفكر و التفهم.

كما أنه دليل أيضاً على طغيان بقايا الثقافة السياسية الموروثة من العهد البائد، أي التي تنتسب الى عهد النظام البعثي (1968-2003م) و التي كانت، بطبيعة الحال، ثقافة إتهامية/إعتباطية التهم بل خائفة من كل مختلف أو أي كائن غير مؤيد و مُنعكس لما كان يؤمن به النظام ويدعوا اليه أو يتبناه كشعار و أفكار.

أما النموذج الثاني الذي لاتقل مساوئه عن الآخر، فهو ملاحظتنا لظاهرة إستخدام العبارات الشعبية التشهرية الطابع التي تتوالى في التراشقات الإعلامية التي تقع بين قيادات الكتل السياسية، سيما عندما يدلون بتصريحات صحفية، أو يعقدون مؤتمرات إعلامية للحديث عن التطورات السياسية و بيان مواقف كتلهم تجاه القضايا الخلافية.

هذا الأسلوب الخطير في إطلاق العبارات و التعليقات، هو الأخر، دون أدنى شك، لا يدل، في نظرنا، على شيء سوى تدني لغة المخاطبة و تهافت النظر العلمي أو السياسي و الدبلوماسي للأمور و مقاربتها و الوقوف عليها وقفة الكائن المسؤول عما يطرحه من آراء و مواقف ربما يتفاعل معها الآخرون و يتلقوها بما تحملها من طروحات عقلانية و موضوعية مفيدة.

كما يعني أنه لايزال الكثير من المسؤولين يتجاهلون، بوعي أو دونه، عواقب مواقفهم المتشنجة على العملية السياسية مباشرةً و تعميقها للخلافات و تعقيدها الأمور و تصعيدها، فضلاً عن معنى أنهم غير مبالين لما يجري في البلد، منذ حوالي عقد، من دمار و خراب، كلها نتيجةً لإنعدام الأمن و تكرار الأزمات السياسية و الأدارية و غياب الحد الأدنى من الخدمات و المشاريع العمرانية التي باتت اليوم، بل منذ سنوات، من ثانويات الأمور بل من منسيات الدولة و مرافقها و مؤسساتها، هذا في الوقت الذي نعي أن المواطن بأمس الحاجة اليها حتى يؤمن بوجود الحكومة و الدولة و إهتمامهما به كما هو حال البلاد و العباد في الدول الأخرى.

بأختصار..كلما نتأمل في الحالة العراقية نجد أن هذا البلد أصبح الآن مجرد ساحة مفتوحة لعراك السياسيين و شجاراتهم التافهة في وسائل الأعلام و قنواته المختلفة، و صار ضحية لثقافة مُخيبة و عقيمة، هي ثقافة الكلام و الكلام، أو الإتهامات و التهجمات، أو الخطابات و الشعارات و لكن من دون أن يُحسَن التصرف حتى في هذه اللعبة المخادعة و المملة. بمعنى آخر، أنه أصبح اليوم بلداً للأقوال لا الأفعال، و حتى الأفعال فيه ndash; إن وجدت فعلاً ndash; نراها، تتحول، بفضل النخبة الحاكمة، الى أضرار و وبال على الشعب لا الى الخير أو أندمال الجروح و النهوض، لأنها أساساً تستمد الإيحاء و القوة من عقليات مغلقة/تناحرية/فئوية و طائفية و قوموية لاتنتج لنا سوى الأزمات و النزاعات و المزيد من الخراب و السراب.

bull;كاتب و محلل سياسي كردستان العراق