يبدو لكل مراقبا ومتابعا في اقليم كردستان العراق ان الوعود التي اطلقها رئيس الاقليم في شهر اذار من السنة الجارية لم تحقق شيئا ولم تنفذ منها اي نقطة من لائحة النقاط الاصلاحية التي طرحه بمناسبة شهر نوروز الكرد، وعلى العكس من الوعود التي قطعها، قام الرئيس بتعزيز موقع عائلته الحاكمة في اربيل ودهوك وذلك من خلال اختيار نجله الاكبر رئيسا لمجلس امن الاقليم بعد ان تم تسليم الحكومة لابن شقيقه المرحوم، وحسب اعلام السلطة شكلت لجنة للتحقيق في الاراضي والممتلكات المنهوبة باسم الاستثمار من قبل اشخاص من السلطة الحاكمة ومن قبل افراد من العوائل المتسلطة على الاقليم، واعلن بعض الاجراءات الشكلية لحفظ ماء وجه الرئيس، واما المجالات الاخرى المتعلقة بالمواطنين وخاصة الصحية والادارية والمالية والاقتصادية والتجارية والعقارية والسكنية وغيرها لم نلحظ شيئا يذكر، ولهذا يتبين ان رئيس الاقليم لم يحمل زلا يحمل نية جدية لمعالجة الفساد المستشري في جميع اركان السلطة والحزبين الحاكمين في الاقليم، وبسبب المحاصصة والشراكة في الحكم وفقا للاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين لاقتسام السلطة تحول الكيان الكردستاني الى سلطنة ومملكة محتلة ومنهوبة بجبالها وسهولها ومواردها وسكانها من قبل العوائل الحاكمة في الاقليم.
والمشكلة وبعد فقدان الامل بأي اصلاح او تغيير نتيجة تجبر السلطة، نجد ان الحال وصل برئيس الاقليم الى شتم بعض مكونات الشعب الكردي بـ quot;عديم الاخلاقquot; بصفحته على شبكة الفيس بووك على المعلقين بكلام غير لائق، ولكن هذا التصرف غير لائق بالرئيس، لان الكل يعلم ان المجتمع كمجموعة انسانية عامة يتكون من اغلبية صالحة واقلية طالحة وهذه حقيقة معلومة للجميع في العالم وعبر المسار التاريخي للبشرية، ولهذا من الطبيعي ان نجد اناسا تستخدم لهجة غير لائقة، ولكن ان يصل الامر الى تدخل رئيس بأمر هامشي وجانبي جدا ويبدر تصرف منه كرد فعل ويدخل من منظور حزبي واحد وضيق جدا، فهذا ينم اولا على عدم ادراكه لمسؤوليات موقعه كرئيس لكل اجزاء ومكونات الاقليم، وثانيا عدم ادراكه والمامه بالحقيقة الاجتماعية القائلة ان المجتمع فيه صالح وطالح والرئيس يمثل الجميع والحكومة تمثل الكل، ولهذا اقترح تقديم اعتذار من قبله للمواطنين خاصة وان الشعب الكردي معروف حسب شهادة اعدائه قبل اصدقائه بالاخلاق الكريمة والضيافة وحسن الكلام، ولهذا ما بدر من رئيس الاقليم غير مقبول تماما.
استنادا الى هذا الواقع المؤلم نجد ضرورة سرد الأزمات المستفحلة التي تحمل خطورة على حاضر ومستقبل الاقليم والمظاهر السلبية الكبيرة كثقوب سوداء في العباءة الاصلاحية لرئيس الاقليم مقابل الوعود البالونية التي اطلقها قبل شهور عديدة، والثقوب الملحوظة في العباءة تنحصر بما يلي:
1.عدم قدرة رئيس الاقليم على تقديم نفسه كقيادي رئاسي ممثلا لجميع اجزاء ومكونات الشعب والمجتمع في كردستان العراق، لانه في كثير من المناسبات يخرج وكأنه ممثل ورئيس لطائفة وحزب واحد وهو في موقع الرئاسة الممثل للجميع في الاقليم، وموضوع ما نشره من تعليق او تعقيب وماورد فيه لشتم البعض من المعلقين على صفحات شبكة الفيس بووك، يمثل موقفا غير متسما بالحكمة والتسامح اطلاقا، والمؤسف والمؤلم ان هذا الموقف السلبي جدا لا يمكن توقع صدوره من اي قيادي او مسؤول حكيم فكيف برئيس الاقليم.
2.سيطرة العوائل الحاكمة على الاراضي والممتلكات العامة والتجارة والاعمال الاقتصادية في عموم الاقليم وغياب الخطط الحكومية العملية لمجابهتها والوقوف بوجهها للحد منها.
3.تحول حكم السلطة في الكيان الكردستاني الى مملكة تابعة لحكم العائلة الواحدة بدليل ان الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس المؤسسات الامنية من عائلة ومن عشيرة واحدة.
4.محاربة القدرة الإنتاجية المحلية، وفقدان الانتاج الزراعي والحيواني في الاقليم، وعدم احساس اي مساهمة للانتاج المحلي في الأسواق المحلية في تأمين الحاجات الغذائية للمواطنين خاصة في الأسواق التي أصبحت مرتعا للبضائع الأجنبية، وكأن معادلة الإنتاج الوطني تحسب كعدو لدود للاقليم فيتم محاربتها بجميع الوسائل.
5.فقدان القدرة الإنتاجية للجهاز الحكومي، وآخر تقارير وكالات الأنباء تشير الى تسجيل أدنى مستوى للإنتاج على صعيد الموارد البشرية في العراق وهو 38 دقيقة عمل من مجمل الساعات الرسمية اليومية للفرد الموظف المحدد بين 6-8 ساعات عمل، وان كان الوضع على هذا الحال في العراق فكيف يكون الوضع في إقليم كردستان الذي يسيطر عليه نخبة حاكمة متسلطة لا تعرف من إدارة الدولة سوى نهب مال الشعب واستغلال السلطة.
6.سرقة ونهب الثروة من الكردستانيين بشتى المجالات خاصة النفط والغاز منها، فنجد أن لا احد يعلم لا في البرلمان ولا في الحكومة ولا في المعارضة ولا في الحكومة الاتحادية ولا في مجلس النواب ببغداد بما يجري في نفط وغاز الاقليم وهي ثروة عامة للشعب ومال عام للدولة حسب الدستور.
7.اختيار المسؤولين في الحكومة والوزارات لاعتبارات حزبية ومحاصصة عائلية كما هو معمول بها في العراق، ومساحة الاختيار للشخصيات الوطنية من التكنوقراط واصحاب الكفاءات والخبرات معدومة تماما، وخلق طبقة وظيفية خارقة ومنتفخة ماليا وعقاريا وتجاريا من المسؤولين والوزراء والمدراء وموظفي الحكومة والحزبين الحاكمين على حساب الشعب والدولة، مقابل طبقات مسحوقة من الموظفين والعمال والعاملين في الخدمات.
8.الاستناد الى الحسابات الحزبية والعائلية الحاكمة والمحاصصة السياسية والحسابات الإقليمية على الحسابات الوطنية، وتغليب هذه المصالح على الاعتبارات والمصلحة العليا للشعب وللاقليم.
9.غياب الخطط والبرامج على المستوى الحكومي لتقليل أعباء البطالة المتزايدة والمستفحلة دون هوادة ودون رحمة، وكأن مدن الاقليم أصبحت لا تتحمل أبنائها وأولادها وأصبحت ضائقة عليهم فتدفع بهم الى الحيرة والحسرة والفقر والبؤس ولا ندري ما المصير الذي تنتظر العاطلين في ظل الأعباء الكبيرة للسكن والمعيشة عليهم.
10.غياب البرامج الحكومية لتقليل المشاكل والأزمات على أعباء الشباب الذين أصبحوا رمادا وحطبا للحياة المتسمة بالغلاء الفاحش في الاقليم وصعوبة المعيشة وارتفاع اسعار العقارات وايجارات السكن والتجهيزات والزواج، وبفعل استغلال أقلية حاكمة ظالمة وجائرة ومحتكرة للسلطة والتجارة والعقارات والأسواق.
باختصار هذه هي الثقوب السوداء التي تتراءى لنا مشاهدتها من بعيد في العباءة الاصلاحية لرئيس الاقليم، نأمل الجدية من الرئيس نفسه لإيجاد حلول جذرية بعيدا عن اطلاق الوعود لتسكين الكردستانيين وتخديرهم باقوال لا تنفع ولا تجدي، ونأمل أن تتحول هذه الثقوب الى ثقوب بيضاء تشع منها شعاع يخدم جميع المواطنين في كردستان العراق، ونأمل من الرئيس اعتذارا لتعزيز الكرامة الكردية وعدم المساس بها، وعدم الولوج في امور هامشية وجانبية، وليعلم علم اليقين ان لا مجتمع فيه فقط صالحين ولا مجتمع فيه فقط طالحين في مسار تاريخ كل البشرية، وحتى المجتمع الاسلامي في زمن النبي محمد (ص) كان مكونا من صالحين وطالحين فكيف بالمجتمعات الانسانية في واقعنا الراهن.
كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]
التعليقات