انقلب الصراع السياسي في سوريا، من حرب التغيير والإصلاح، والحريات، لحرب طائفية وبامتياز، ففي الكثير من وسائل الإعلام، المصورة منها، والمكتوبة، الورقية، والمواقع الالكترونية، هناك تطرق واضح للطائفية، والعمل على تأجيج الوضع، ونجحوا في ايصال الامور إلى ما يريدون quot; للطائفية quot;، لعبة القنوات الفضائية أصبحت مكشوفة، بينما هناك كتاب محترمين في الصحف والجرائد الورقية والإلكترونية الذين لا ينتمون لأي طرف، يكتبون لإيصال فكرة معينة، توضيح، تفسير، وتحليل ما يجري، كلٌ من وجهة نظره.

قرأت على موقع إيلاف في مقال quot; التدخل الخارجي والطائفية لعنة الثورة السورية quot; للأستاذ غسان المفلح، quot; المعتقل السياسي السابق quot;، فهو من السوريين الوطنيين الصادقين، الذي ينتمي quot; لسوريا الوطن quot;، وما يهمه هو إيقاف شلال الدم في سوريا، مع أني أتفق معه على الكثير من النقاط، ولكن، وفي نفس الوقت أختلف معه على الكثير منها، وتعقيباً على بعض النقاط التي ذكرها، ومنها الكلام عن حقوق مهدورة للأكثرية، وليس عن الحقوق المهدورة للشعب السوري، بكامل مكوناته، quot; اقليات، وأكثرية quot; كما يقال اليوم ( المصطلح الجديد ). والمعني هنا quot; الشعب السوري quot;.

في نقطة أخرى، أشار إليها الأستاذ، أن الغاية من رفض الاقليات، للتدخل العسكري الدولي، quot; هو تبرير لما يحدث من قتل والتستر على الجاني، وهذا لا يمكننا تبريره بأنه فقط خوف من الأكثرية المضطهدة في سورية، بل يمكننا تفسيره بكره متأصل لهذه الأكثرية quot;... تعقيباً على هذا اسمح لي أن اقول يا أستاذ غسان، لم يكن ولن يكون هناك خوف و كره للأكثرية التي ذكرتها، وهي الاكثرية السنية، التي هي جزء اساسي من نسيج هذا الوطن كغيره من الاقليات الموجودة في سوريا، لقد تعايش الشعب السوري بجميع مكوناته الطائفية والدينية، وشكل محوراً وصورة نادرة لحالة الاندماج الوطني القومي الاجتماعي، الذي شهد بها من زار وعرف سوريا والعالم بأكمله، ( طبعاً قبل الازمة، وضرب الاستقرار السوري )، الخوف والكره كما قلت يا سيدي، ليس من الطائفة السنية، فالسنة في سوريا معروفون باعتدالهم وثقافتهم، واندماجهم مع باقي الطوائف السورية، بل الخوف، هو من بعض الجماعات المتطرفة التي ركبت التيار وصنعت لها من سوريا عشاً تنفذ من خلالها مخططاتها ومخططات من تعمل من أجلهم، لتدمير البنية السورية، والدولة السورية، واندماج الشعب السوري، والإشارة إلى أن ممثلي، أو من يدعون تمثيل الأقليات يرفضون التدخل العسكري الدولي، والتشهير إلى أقلية أو طائفة دون غيرها باندماجها قلباً وقالباً في الثورة، سبب كافي لتحريض بعض هذه المجموعات المتطرفة، للثأر والانتقام من الاقليات الأخرى، (( إن لم أكن أعرفك شخصياً، وعن حرصك على عدم تقسيم سوريا وتأجيج الطائفية، لقلت أنك تحرض على الطائفية ))، فحرصك على بقاء الدولة السورية بجميع مكوناتها، هو من الاساسات التي عهدناك أن تعمل عليها (( فأنت من الاشخاص الذين علموني، أن quot; سوريا الدولة quot; أكبر من أي انتماء ديني او طائفي وأي شيء آخر ))... اما بالنسبة لألمانيا وعن تصريحاتها، او الغرب بشكل عام، فإن الأقليات المسيحية، آخر ما تفكر به هذه الدول، أو حتى استطيع القول أنها لا تفكر حتى إن كانوا موجودين أم لا، والتاريخ يشهد بسابقات، مما جرى مع المسيحيين في الدول المجاورة، وما كانت ردة الفعل الأوروبية ( لا شيء)، وإن كان من مصلحة هذه الدول الغربية، إبادة المسيحيين أو غيرهم لفعلت هذا، لإتمام مشاريعها في المنطقة، إن المسيحيين و الطوائف الأخرى ( الأقليات والأكثرية ) من مكونات الشعب السوري، ساهموا في بناء هذه الدولة، وهم قلباً وقالباً مع سوريا الدولة وسوريا الشعب...

عندما نقول لا للتدخل الخارجي، نعني بها جميع الأطراف، الإيراني الروسي الصيني، التركي القطري السعودي الأمريكي الغربي، والمجموعات المتطرفة، المستخدمة من طرفهم، وعندما نقول لا للعمل المسلح، نعني، إيقاف أي قطرة دم تسفك من الشعب السوري، من كل الاطراف، الذين جعلوا من الارض السورية، ساحة لحل نزاعاتهم الاقليمية والدولية، وكل الأطراف مسؤولة وبشكل مباشر عن المجازر التي ترتكب في سوريا...

قبل عدة ايام نشر بيان اصدره المجلس الأعلى للثورة في معظم الوسائل الإعلامية، ومنهم الموقع الرسمي للمجلس الاعلى على quot; الفيس بوك quot;، بياناً ابرز فيه أن الطائفة الأرمنية تدعم الجيش النظامي السوري، وأنهم يعملون لصالح العصابات الأسدية، في بعض المناطق من محافظة اللاذقية ومدينة حلب، من خلال نصبهم الحواجز العسكرية المسلحة في بعض الطرق العامة لمنطقة كسب، ومشاركتهم في عمليات التشبيح في منطقة quot; الجديّدة quot; بحلب.. كما حذر المجلس الأعلى، السوريون الأرمن، من تبعات هذه الممارسات الخطيرة، وما وصفه بالاصطفاف العسكري خلف جيش النظام وذلك لتنفيذ أجندتها، التي تهدف، إلى إقحام الأقليات في الصراع الجاري، لإشعال الفتنة الطائفية وتمزيق البلاد.. ووجه المجلس كلمته في البيان للمرجعيات الدينية للطائفة الأرمنية، بأن تبادر لفضح من يقف خلف ما يجري، والتبرؤ من هذه الأفعال ومن صانعيها إفشالاً لأجندة النظام وحفاظاً على العقد الاجتماعي للشعب السوري ( المجلس الاعلى للثورة ).

وبعدها بفترة نفى ( الجيش الحر ) على لسان رئيس مجلسها العسكري العميد مصطفى الشيخ، إصدار هذا البيان، وأكد في مقابلة مع قناة فضائية معروفة، أن ( الجيش الحر ) لم ينشر أي بيان يهدد المسيحيين الأرمن، وأن النظام السوري، قد زور بياناً باسمهم، يهدد فيه السوريين الأرمن لبث الذعر والفتنة الطائفية، وأشار العميد الشيخ أن الأرمن يعيشون في سوريا منذ عقود وليس لدى الطائفة، أية مشاكل مع إخوانهم السوريين، كما أشار على انهم ( الجيش الحر ) لا يملكون اية نية، لتوجيه ضربة للأرمن السوريين، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، وأكد الشيخ مرة أخرى أن البيان الصادر ليس إلا فبركة إعلامية، تخدم أجندات خاصة....

لماذا الارمن السوريون، وهذه الطائفة بالتحديد دون غيرها؟ ومن المستفيد في توجيه تهديد مماثل لهذه الفئة من الشعب السوري؟ هل كان تحريضاً تركياً، جاء بعد أن وجه quot; الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا quot; أنذرا لتركيا بعدم التدخل في الشؤون السورية، وأن سياساتها التآمرية على دول الجوار قد وصلت إلى ذروتها، واوصلت تركيا إلى عزلة تامة في المنطقة... وما سبب نفي المجلس العسكري هذا البيان؟ هل فعلاً هي فبركات إعلامية، أم هناك ضغط دولي أجبره على هذا، أم إعادة حسابات داخلية في المجلس، أم تدخل المعارضة كان السبب في هذا النفي، ولماذا لم يأتي النفي على الفور بعد صدور البيان، مع العلم أن خبراً مماثلاً في الوقت الراهن، من الممكن أن يتسبب بمجازر إنسانية كبيرة، وتصعيد طائفي خطر... أسئلة كثيرة تثير الشكوك...

المعروف عن الأرمن السوريين، وقوفهم في الحياد مما يجري في سوريا، مثلهم مثل جزء كبير من الشعب السوري على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم، إذاً ( ليسوا وحدهم في الحياد)، وهمهم هو إعادة الاستقرار إلى سوريا، ووحدة شعبها...

هنا سؤال يطرح نفسه، لماذا زجت الورقة الأرمنية في النزاع الجاري في البلاد... إن زج هذه الورقة في الصراع السوري، هي محاولة فاضحة لتأجيج الطائفية، وهناك طرف ما، اي طرف كان، من أطراف النزاع، يحاول جر السوريون الارمن، وغيرهم من إخوانهم في الوطن، لحرب أهلية طائفية... إذاً، ليست الاقلية هي من تدعو للطائفية، وليس هناك اي تخوف من الاكثرية، لذلك محاولة زج الاقليات في الصراع الدامي، ستكون فاشلة، من جميع الاطراف... ومن هذا المنطلق، هناك جزء كبير من الشعب السوري يرفض التدخل الخارجي، ويحاول جاهداً، خلق طرق سلمية لإيجاد حل يخرج سوريا من هذه الازمة بأقل الخسائر الممكنة... الطائفة الارمنية في سوريا، والشعب الارمني في جميع أنحاء العالم، مدينون للشعب السوري، الذي قدم لهم المأوى والمسكن وأعتبرهم جزءاً من هذا النسيج، ابان الإبادة الجماعية التي تمت بحقهم من قبل العثمانيين الاتراك، ولم تتردد هذه الطائفة بالاشتراك في بناء الدولة السورية، ومارست حقها في المواطنة في جميع المجالات، ولن نقبل بأن يزايد أي طرف علينا، مثل ما فعلوا، بإصدار البيان...

استاذي العزيز، إن الحرب بدأت، والطائفية فرضت، ما عليكم فعله، كنخبة سورية، هو إخراج سوريا من هذا الصراع الذي دمر البلاد، وسيدمر ما تبقى من تاريخ هذه البلاد، ومستقبله... أما بالنسبة لما ذكرته عن شعبنا الذي،quot; لم يعد لديه ما يخسره في حال استمر في الثورة... وإن لم يستمر فسيخسر رهانه على المستقبل... وهذا ما يرفضه شعبنا قلبا وقالبا quot;، أقول لك هناك الكثير مما سيخسره هذا الشعب إن استمر في العراك المسلح، ( من الطرفين )، سيخسر الوحدة الوطنية، وسيؤدي هذا للشتات، وستكون الطائفية طاغية على سوريا، وعلى كل شيء، ولن تكون هناك دولة سورية... وسلام عليك يا وطن...
مع احترامي وتقديري الكبير لك...

[email protected]