قرأت اليوم الأربعاء الموافق الثاني والعشرين من أغسطس مقالة للسيد وفيق السامرائي مدير أستخبارات نظام الدكتاتور صدام حسين في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالة تحمل عنوان quot;يا شيعة العربquot;. لا تهمني الوظيفة الإستخباراتية في هذا المقال، لأن ذلك شأن قانوني وقضائي وليس شأناً للحوار.

ما يهمني في مقالته المعنونة quot;يا شيعة العربquot; والتي لم يستفقزني عنوانها لأنني شيعي عربي بالضرورة العائلية، بل أن المقالة أولا ضعيفة في كل محاولات الكاتب أن تكون مقالته موضوعية.

أولا، يتحدث الكاتب عن الأقلية العلوية التي تحكم سوريا. كانت السنية العراقية أقلية أيضاً وقد حكمت العراق وعاثت به فساداً وحروبا راح ضحيتها الملايين في السجون والحروب المدمرة وألكاتب كان رئيسا لإستخبارات تلك الفئة السنية الحاكمة النظام. وهذا لا يعني بأن الأكثرية الشيعية التي تحكم العراق هم الآن يشكلون البديل عن الخراب والخلل. وحكومة البحرين أقلية سنية تحكم أكثر شيعية وتضطرم نار الصراع وتهديم الساحات وتزدحم السجون.

عندما نقول أن السنة قد حكموا العراق فحقيقة الأمر ليس السنة هم الذين حكموا العراق بل أن لصوصا وطغاة من أبناء السنة هم الذين حكموا العراق ولا يمكن القول، بل من الخطأ القول، أن السنة هم الذين إضطهدوا أبناء العراق، وكذا الحال فإن الشيعة الذين يحكمون العراق هم لصوص من الشيعة ولا علاقة للشيعة بهم، ولا يمكن القول، بل من الخطأ القول أن الشيعة يضطهدون أبناء العراق، وأضيف القول أن الفئة التي تحكم العراق اليوم هم غرباء عن الوطن وليسوا عراقيين!

من يحكم العراق الآن من الفئة الشيعية ليسوا سوى لصوص مثلهم مثل علويي سوريا ومثلهم مثل سنيي العراق في حقبة الدكتاتور المقيتة!

من العيب والمخجل لكل من يريد أن يخوض في مهنة الإعلام والثقافة أن يعتمد البعد الطائفي وسيلة لتحليل واقع معقد وواضح التعقيد والمعالم ويمكن أن ينفذ إليه من خلال عملية الصراع الإجتماعي ومن خلال البعد الأخلاقي والوطني للحكم والحاكمين، وأن ينظر للناس على أنهم بشر من صناعة الله وهم متساوون في أشكالهم ومعايشة مرحلة الحياة على هذه الأرض الفانية.

المشكلة لا تكمن في الأقلية والأكثرية ولا تكمن في تأجيج الصراع الطائفي الذي تسعى قوى مشبوهة كثيرة من دول الجوار وغير دول الجوار للعزف على هذا الوتر النشاز. من المعيب القول أن الشيعة خربوا العراق لأن السنة كذلك خربوه. ومن المعيب القول أن العلويين خربوا سوريا لأن السنة أيضا سوف يخربونها كما أراهم وأقرأ شخوصهم الآتية ومستواهم الذي أراه عبر برامج التلفزة حتى عبر نخبهم التي تدعي الوطنية والبديل عن نظام فاسد. المسألة تتعلق بطبيعة السلطة وطبيعة الحاكم وغياب الرموز الوطنية، غياب الحركات الوطنية الحقيقية التي تشكل البديل للخلل القائم في المنطقة، وليست المسألة مسألة سني أو شيعي علوي أو درزي.

إن بديل صدام حسين كانت حكومة العراق الفاسدة حيث يحكم العراق اليوم مجموعة لصوص كنت أنت مستشار رئيس جمهوريتهم بالأمس القريب. نهبوا خيرات الوطن وهم بقدر ما هم لصوص فهم أغبياء. غبي كل من يعتقد أن الفرصة سانحة للسرقة وأن القدر غافل. غبي من يعبث بأمن المواطن فيشعر أنه آمن، فقد كان صدام غبيا ولكن من جاء بعده أكثر غباء منه، ولو كان حكام العراق يتمتعون بقدر قليل من الذكاء لأسعدوا الوطن وعاشوا سعداء ولخلقوا الإطمئنان وعاشوا بدون خوف. فهم مرعوبون الآن وهم يطلبون من الأمريكيين ثانية توفير الأمن لهم بعد أن أحسوا بالمخاطر الآتية عليهم والتي سوف يذهب ضحيتها الأبرياء. وكذا نظام الأسد وحزب البعث هم مرعوبون الآن.

أنت أيها الكاتب كنت واحداً ممن أسسوا هذه المؤسسة الحكومية الفاسدة التي كان الأمريكيون يشرفون على تدمير الوطن العراقي بإشراف معارضة هشة وعميلة لم تكن تستحق أن تكون البديل لنظام الدكتاتور الفاشل والفاشي وطاقمه الكامل الذي خرب العراق لتأتي مجموعة أخرى نصبها الأمريكيون كي تستكمل المؤامرة الدولية على وطني الجميل.. العراق.

لا أيها الكاتب أرجوك لا ترش الملح على جروحنا النازفة التي كنت أنت أيضا من بضع الشرايين بسكين الظلم.

إن مشكلة الأوطان العربية والاسلامية هي البداوة، فإن كل حكامنا لا يزالون يتصرفون بقانون الخيمة والمضيف فيما نحن نعيش في عصر التطور، العصر الذي حول العالم إلى قرية. العصر الذي أستطيع فيه أن أعرف نواياك عبر شبكة الإنترنت وتقرأ معرفتي عبر ذات الشبكة.

المشكلة ليست مشكلة سنة ولا شيعة هي مشكلة من يقسم الأوطان إلى طوائف ومذاهب وفئات ولا ينظر إليها كمجتمع واحد يعيش فيه الإنسان حراً ويعبر عن رأيه أيا كان رأيه بدون خوف.

نريد مجتمعا تستطيع أنت أن تعيش فيه وتكتب مقالة في صحيفة عراقية تصدر من بغداد دون حاجتك أن تكتبها في صحيفة الشرق الأوسط في لندن وأستطيع أنا أن أرد عليك في ذات الصحيفة العراقية دون حاجتي أن أكتب المقالة وأنا في بريطانيا وأمررها عبر موقع إيلاف الإلكتروني.

الرجاء ليس من الكاتب وفيق السامرائي بل من كل الكتاب العرب أن يعتمدوا ذمة الضمير في الكتابة، هذه الذمة في الضمير هي التي تقود المجتمعات إلى السعادة. وأصارحهم أنهم حتى الآن خانوا الأمانة!

نحن نعيش اليوم في عالم يتصارع من أجل المصالح وبالقدر الذي يعم فيه الطغيان والظلم تتأسس في العالم المتحضر حركات رافضة لتيار العنف والظلم وتتأسس الحركات الخضراء ولجان حوار الحضارات ولجان حقوق الإنسان وأطباء بلا حدود ومحامون بدون حدود، وصار من المعيب حقاً الخوض في معالجة الواقع السياسي العربي على أساس حكم الأكثرية وحكم الأقلية. السنة في العراق حكموا وهم الأكثرية وظلموا والشيعة في العراق حكموا وهم الأكثرية وكانوا أكثر ظلماً.. وكلهم فاشلون لأنهم لصوص ولصوص عاديون من أبناء الشوارع ونهمون. لم يبرز من بينهم شريف واحد يسهم في إنقاذ بلاده.

العراق اليوم بحاجدة إلى تيار جديد من الشباب يعرف قيمة وطنه العراق ويرتقي به إلى آفاق سماوية جميلة وليس بحاجة إلى شيعة لصوص ولا إلى سنة لصوص. وسوريا الآن بحاجة إلى مثل هذا التيار وهي ليست بحاجة إلى مجموعة زعران في شعب المخابرات ولا مجموعة زعران أميون على حدودها يتصارعون بالسلاح ويدفع الثمن مواطنو سوريا الأبرياء.

وبعد هذا وقبل هذا، وبدلا من أن يتخذ الكتاب والإعلاميون الموقف السليم في تحليل الواقع يروحون يعزفون على وتر الطائفية وعلى وتر الأغلبية والأكثرية وهي التي قادتنا منذ بداية القرن وقبل بداية القرن إلى الكوارث التي نعيشها اليوم. مطلوب من الإعلاميين والكتاب أن لا يكتبوا إرضاءً لطرف أو لآخر كي تظهر أسماؤهم على السطح ويتحولون إلى منتفعين.

إن الضمير المهني ينبغي أن يسود حياة المثقفين العرب الذين باعوا ضمائرهم لكل مواقع الثراء والغنى وزيفوا الحقائق من أجل المنفعة الذاتية. كان عليهم أن يشخصوا مواقع الخلل وبهدوء إعلامي وليس بالصراخ والزعيق والنهيق الذي يدوخنا عبر الفضائيات، ونسوا أن شعوبا طيبة رزقها الله الخيرات ولم يحسنوا إستخدامها فأستخدمت في تدمير الأوطان وتهريب العملة إلى مصارف الغرب كي يستوردوا بدلها المخدرات والسلاح وكل ما يسهم في تدمير الأرض الطيبة.

ليس صحيحا أيها الكاتب أن تعزف على أوتار غير مدوزنة لأن السيمفونية ستكون كلها نشازاً وسيموت الناس ليس بسبب السلاح فقط وليس بسبب المخدرات فقط، بل أيضا بسبب القلم والصورة والصوت.. وسائل الإعلام الحديثة المقرؤة منها والمسموعة والأكثر المرئية. فيموت الناس بسبب الصورة والصوت وبسبب كواتم الصوت أيضاً!

كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]