برهنت الاحداث التاريخية انتقال العراق ودول عربية اخرى من عصر الدكتاتورية الى عصر الارهاب والتهريب واللصوصية والتفنن بادارة عملياتها اللوجستيكية والتخطيطية.والصورة البشعة للدمار والتخريب التي نقلها اسلاميو الارهاب بدخولهم حدود العراق من مسالكه العديدة لايمكن الغفران عنها. والصورة الابشع منها هو تمويل هذه الوحوش السائبة وقبول قوى عراقية بايوائها بتنظيرات زمرهم المجرمة وتردد الحكومة العراقية وسلطات الرئاسة في كشفها وتلكؤ قادة الامن والمخابرات في حماية حدود العراق الدولية تخوفاً على مصالح متداخلة وتعقيدات مذهبية وقومية مازالت دون حل.
كانت المشاركة والمشورة الدولية للقيادات العسكرية الغربية وتوجيهها للمعارضة العراقية منذ الاطاحة بنظام الدكتاتورية الصدامية عام 2003 وبعده ولحين خروج القوات الامريكية في نهاية العام الماضي، كانت تُشدّد على ان عمليات الارهاب واللصوصية والتهريب والسرقة لم يتم السيطرة عليها ولم تتوقف ولن تتوقف قريباً.
و اليوم لايعرف العراقيون المغزى من ترك الحدود مفتوحة لقوى الارهاب والتهريب واللصوصية ودوافعه. مساحة ارض العراق هي 438.446 كم2 بعد ان سلّم الرئيس السابق صدام بعضها الى الاردن والمنطقة المحايدة الى السعودية ( وذلك موضوع ثان آخرلايتعلق بهذا البحث)، وحدوده الدولية مخترقة من كل جانب وستبقى مخترقة مفتوحة كما تشير معظم معاهد البحوث والدراسات الدولية، ويستطيع ان ينتقل الى عاصمتها بغداد اي مجموعة ارهابية من ايران تركيا سوريا الاردن السعودية او الكويت خلال فترة زمنية لاتتجاوز ال10 ساعات من وقت استلام اي زمرة ارهابية مسلحة الاشارة و التعليمات والخطط الموضوعة لها مسبقاً لمهاجمة اهداف محتملة داخلها. وحسب ويكوبيديا يبلغ الطول الكلي للحدود العراقية 3631 كم. ويبلغ طول الحدود مع إيران 1458 كم، ومع الاردن 181 كم، ومع الكويت 242 كم، ومع السعودية 814 كم، ومع سوريا 605 كم، ومع تركيا 331 كم، ويبلغ الطول الكلي للسواحل البحرية 58 كم.
وتقدر وزارة الخارجية الامريكية بانه كان للقاعدة في العراق الف عضو ارهابي مُسلح خلال عام 2005 وازدادت اعداد المنضوين الى عشرة آلآف عام 2010.
ورغم الاجماع الدولي لتعريف الارهاب وصفته التخريبية ورغم مساهمة العديد من القادة العسكريين لجنرالات الغرب في دراسات تفصيلية مقدمة واستخلاص العبر والدروس. ورغم ما سبق وان اشرتُ الى بعض اسبابه في ايلاف تحت عنوان quot; اين الخلل في التركيبة السياسية العراقية؟ quot; وتبيان مواضع الخلل العام في منظومة الامن والاعتبارات السياسية والجغرافية والاجتماعية العراقية ونقلي بجدية للفهم الخاطئ للحكومة العراقية ( تركها وتخاذلها ) امام تسلط مناصري الارهاب والتهريب واللصوصية والسكوت عن مزايداتهم على الاراضي والاستثمار والعقود المزورة والامتيازات التي شملت جماعات عربية وكردية وتجميل حديثها اليومي عن فدرالية الدولة وتصور البعض ان اقليم كردستان هو الدولة الجديدة وبغداد اقليمها الفدرالي وتمسك آخرين برغبات جنونية لخطف الدين الاسلامي ووضعه تحت رحمة عصابات الاسلمة السياسية في هدف احياء الخلافة وتقسيم العراق وفق منهج ارهابي اصولي لامراء دول، فان الخلاصة هي ان المؤسسات الحكومية في الدولة منعت نفسها من التصرف لحماية الدولة من عبث الارهاب والتهريب واللصوصية.
ويمكن استخلاص عدم تمتع حكومة السلطة الاتحادية العراقية واقليم كردستان ومؤسساتهما الامنية بالشجاعة والاخلاص للقسم الذي ادوه لشعب العراق بدخولهم الحياة النيابية السياسية وبناء المؤسسات العسكرية وتعهدهم بحماية المواطنين. ويستطيع اي انسان ان يستخلص وجود خلل اجتماعي سكاني قومي متطرف (مقبول للبعض) بخلق دولة كردية منفصلة ودولة خلافة اسلامية منفصلة في غياب مؤسسات الدولة وعدم كفاءة اجهزتها الامنية والعسكرية. وقد تكون قمة المفارقات الدعوات لقيام اكثر من دولة اسلامية او ثلاثة او حتى اربعة. وماقامت به قوى الارهاب مؤخراً بسلسة من عمليات التفجير وطالت اهدافاً في محافظات الموصل والانبار وكركوك وصلاح الدين وديالى والعاصمة بغداد تشير الى العجز التام وفوضى الامن، في وقت تتبادل السلطة المركزية والاقليم الكردي الاتهامات حول مواقع نشر قوات على الحدود المشتركة مع سوريا ورؤية كل جانب انها مسؤوليتها حصراً حيث دعا كل طرف الاخر ضرورة احترام النظام والقانون لحماية السكان والحدود ليخف ذلك التوتر في يوم 28 تموز 2012 وتزداد اعمال الارهاب.
وهناك الكثير من الامور الشاذة التي تدعو للقلق الشعبي من الادارة الامنية لان المعلومات المسربة تؤكد على ان مجموعات قيادية لازالت تدين بالولاء لقيم ومفاهيم قومية ومذهبية وضعوها لانفسهم واوصلتهم الى نظريات مركونة في رفوف قديمة ولاتحضى بتاييد شعبي ويرفضها المجتمع المدني وهيئاته الدينية. وتلكؤ القيادات العربية والكردية في تنفيذ مااسند اليهم من مهام محاربة الارهاب هو من الاسباب المباشرة لانتعاشه مرة اخرى.
فقادة الامن ينقلون لمجلس الوزراء صوراً زاهية عن ملفات مكافحة الارهاب، والحكومة التي فلتَ الامن منها تقوم بتشكيل اللجان والتحقيق يضاف اليها لجان اخرى وتحقيقات هزيلة اخرى تفتقر الى المسؤولية والامانة.
في شهر آب اغسطس الحالي 2012 دخلت قوى الارهاب في عملياتها الى اغلب المناطق الشعبية في بغداد، بل وحتى منازل المواطنين في الموصل وقتل أُسر بكاملها. ثم تاتي حادثة صلاة العيد في صباح اول ايام العيد 19 آب اغسطس وشهود العيان الذين شاهدوا السيارتين التي هاجمت موكب رئيس هيئة إفتاء اهل السنة الامام التقي مهدي الصميدعي، بعد دقائق من خروجه من مسجد عمر المختار في منطقة اليرموك- غرب بغداد، عقب ادائه صلاة العيد، ووصفهم الحادث الاجرامي والتفجير الذي تسبب في مقتل سائق الامام الصميدعي واثنين من حمايته وتحطيم سيارات موكبه، وإصابته بجروح خطيرة نقل على اثرها للعناية المركزة في احد مستشفيات بغداد.
الامام الفاضل الشيخ مهدي الصميدعي رئيس هيئة افتاء اهل السنة في العراق من المتعقلين وقادة المجتمع الذي نادى طوال فترة خدماته الجمة للمسلمين بنشر روح المحبة والتاخي وعدم الشرك بالله، فما هي القوى الشيطانية الخبيثة الجاهلة وثقافة الوحوش البشرية التي ارتكبت هذا الاعتداء الاثم؟
الهجمات الاخيرة جاءت بعد تصريحات المالكي وتقديرات خلية الازمة الخاطئة بانتهاء المعركة مع الإرهاب واندحار فلول القاعدة من العرق. فقبلها بايام كانت دعوة زعيم دولة العراق الاسلامية في كلمة صوتية مسجلة لمن اسماهم بـ quot;شباب المسلمينquot; الى التوجه الى العراق، لبدء عودة التنظيم الى مناطق سبق ان غادرها في اطار خطة جديدة تحمل اسم quot;هدم الاسوارquot;..
ويبدو ان quot;خلية الازمة quot; التي يراسها المالكي وتصريحات قيادة عمليات بغداد على لسان ضياء الوكيل بانتهاء المعركة مع الإرهاب تحتاج الى مسائلة وغربلة ومراجعة. فالتقديرات الشخصية العامة لقوة الارهاب وتجذره في قرى ومدن العراق لايتم تقييمها بسطحية مجردة بعيدة عن دراسة واقع المجتمع وثقافته. فالمعركة مع الارهاب لم تنتهِ والحرب المُعلنة على شعب العراق ليست كالوصف الوردي الذي يتم اطلاق التصريح بشانها. والنقد الذاتي للاخفاق وفق الفلسفة الإغريقية القديمة وحجج المناقشة وتكرارها لن تعود بالنفع على اشخاص السلطة اليوم وايمانهم ببناءالدولة الديمقراطية الحديثة وفق تبريرات حكومية لاتاخد في اعتبارها محاربة الارهاب واللصوصية بجدية ومؤسساتها الامنية شبه عاطلة عن العمل.
والخلل هو خيانة الكتل الرئيسية للمشروع الوطني العراقي واجهاض اي جهد لمكافحة الارهاب وقلعه من جذوره ومكافحة اللصوصية من جذورها. الصفة الحقيقية للارهاب في العراق هي نجاح عمليات الارهابيين التي ساندتها كتل عراقية سنية شيعية وكردية كما اقتضت الضرورة ووفق مبدا quot;الغاية تُبرر الواسطةquot; وكتل عراقية انتهازية تنتظر خطف ثمرة الخيانة وهي في مكانها مُكبلة بارادات واجندة دول اقليمية في المنطقة.. انها مفارقات ماساوية توضح ان العراق لايُحقق نجاحاً في عدد المرات التي ننفخ فيها في آذان المسؤولين وصراخنا فيهم لتنسيق عمل مكافحة الارهاب وفق اسس بعيدة عن المصالح الشخصية وبعيدة عمن يقود السلطة الحكومية التي لاتتفق مصالح بعضهم معها وتحصن قوى وطنية ذات شان وكلمة ونفوذ خلف القوى الارهابية تحت اقنعة دينية وقومية وعُقد ايديولوجية لاعد ولاحصر لها.
فالحدود مفتوحة للارهابيين وطرق عبور المتسللين من معابر ومسالك معينة، معروفة مؤمنة من وكلاء مهربين تابعين لكتل تامر وتاتمر حسب رؤيتها وحاجتها للنفوذ. فالحدود الشرقية مع ايران مفتوحة لقوى التطرف الشيعي والشمالية والغربية مفتوحة كامتداد للحركات الكردية القومية المناهضة لتركيا حيناً ولسوريا حيناً والسنة تتطابق مصالحهم مع الحدود المفتوحة مع الاردن والسعودية. ويبدو اننا كعراقيين نسند بطرق مباشرة وغير مباشرة فلول من الوحوش البشرية ومرتزقة القاعدة بالمشاركة الانية معهم في تخريب العراق باسم الاسلام وحركات تكفيرية شيطانية تاتمر بالعنف من امراء السلفية. ولايلوح في الافق ما يثير الغضب والنقمة على تشريد وتهجير 4 ملايين عراقي. ولايبدو القتل اليومي الطائفي كافياً للبعض في حرب قذرة يختلف عراقيون في تحليل دوافعها ومن ورائها.
باحث وكاتب سياسي
- آخر تحديث :
التعليقات