ما يسمى بالتحالف الاستراتيجي بين الحزب الديموقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، رغم كل ما قيل و يقال عن ايجابياته من قبل الحزبين، كان أقوى ضربه موجهه للمشروع الديموقراطي في إقليم كوردستان، إذ أمن الهيمنة المطلقة للحزبين الحليفين على كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية و الاجتماعية في الإقليم وأغلق الأبواب أمام كل توجه نحو التعددية والتبادل السلمي للسلطة و بناء دولة المؤسسات والشفافية والعدالة واحترام القانون الذي كتحصيل حاصل أصبح مجرد تعبير عن إرادة الحزبين الحاكمين إن لم يكن تعبيرا عن مصالح وأراء بعض القيادات المتنفذه.

قرابة عقدين من الزمن والحركة الوطنية الديموقراطية الكورديه تراوح مكانها، وسرطان الفساد الإداري والمالي ينمو ويتوسع على حساب التطور الطبيعي للمجتمع ليزيد من الام المواطن ومعاناته اليومية الذي يدفع ثمن هذا التحالف غير المقدس و يتندر بأنه تحالف توزيع الثروات بين الطرفين لا أكثر ولا اقل، فالمواطن يلمس حقيقة عدم وجود أية صيغة حقيقيه لهذا التحالف بين قاعدتي الحزبين المتخاصمين في أكثر من مجال على الأرض.

لقد احتكر الحزبان الحياة السياسية دون وجه حق، حتى ان الأحزاب والكتل السياسية الصغيرة توزعت بينهما وكان هناك الكثير من الانشطارات الأميبية داخل هذه الكتل بسبب الضغوط التي مارسها الحليفان كل من جانبه لتقوية سلطته هنا أو هناك وفرض هيمنته المطلقه على هذه المنطقة أو تلك.

لقد كان ما يسمى بالتحالف الاستراتيجي القابلة غير الشرعية للفساد المستشري والذي اضطر رئيس الإقليم السيد البارزاني إلى تكليف لجنة مختصة بمعالجته ولكن دون جدوى فقد كانت اللجنة كمن يضرب الحديد البارد.

الآن والحديث يدور حول إمكانية إعادة النظر في مواد هذه الاتفاقية أو إلغاؤها من قبل كوادر الحليف الاستراتيجي الاتحاد الوطني الكوردستاني، يبدو الأمر وكأنه صحوة ضمير أو شعور متأخر بالمسؤولية لمعالجة الوضع المتردي الناجم عن الاتفاقية الإستراتيجية، ولكن هل هذه هي الحقيقة ؟ أم أن وراء الأكمة ما وراؤها و إثارة الموضوع وفي هذا الوقت بالذات يثير أكثر من تساؤل حول طبيعة ومصداقية هذه المراجعة؟
الشارع الكوردي يتحدث عن أسباب أخرى يمكن إيجازها بما يلي:

-أن هذا الموقف نابع من املاءات اقليميه أساسا بالاضافه إلى حجم الاتحاد، الذي تراجع كثيرا ولم يعد له تأثير حاسم على الساحة السياسية وهو مضطر اليوم إلى خلق نوع من التعاون مع حركة التغيير برئاسة السيد نوشيروان مصطفى نائب الأمين العام للاتحاد الوطني قبل أن يعلن انشقاقه عن الاتحاد ويؤسس حركة التغيير التي تعتبر اليوم ثاني أقوى حركة سياسيه في الإقليم.

-موقف السيد البارزاني من الحكومة الفيدرالية و رئيسها السيد نوري المالكي، المدعوم من قبل إيران، بسبب تفرده بالسلطة وعدم التزامه بالشراكة الوطنية، وما تبع ذلك من علاقات متوازنة للبارزاني مع بقية مكونات الشعب العراقي وكتله السياسية والذي أثار حفيظة إيران
-موقف الإقليم الرسمي من النظام السوري الحالي وضرورة ضمان حقوق الكورد في أي نظام سوري قادم
-حجم التبادل التجاري لإقليم كوردستان مع تركيا والذي ينمو باضطراد ويؤسس لعلاقات سياسية جديدة قائمة على الاحترام المتبادل وهو الأمر الذي لا يمكن لإيران أن تستوعبه بسهولة.

وربما أخيرا، ونتيجة المواقف العدائية المتنامية للحكومة الفيدرالية تجاه الكورد عامة والتحركات المشبوهة للقطعات العسكرية، نمو الشعور بكون البارزاني والحزب الديموقراطي الكوردستاني يمثلان اليوم أكثر من أي طرف أخر الموقف الكوردي في قضايا تنفيذ المادة 140 الخاصة بالمناطق المختلف عليها وقضية الثروات النفطية والبيشمه ركه واللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، خاصة مع غياب مواقف مماثلة من قبل الأطراف الأخرى.

لما سبق فان الدعوة اليوم إلى إعادة النظر في الاتفاق الاستراتيجي المعروف لا يمكن تفسيره بصحوة الضمير ولا إعادة المشروع الديموقراطي إلى مساره الطبيعي بقدر ما هو تجاوب مع الضغوطات الإقليمية وحماية حكومة السيد المالكي ومحاولة إيجاد موقع قدم في التحالفات الجديدة القادمة التي ستغير بالتأكيد من طبيعة اصطفاف القوى السياسية لاسيما بعد الانهيار المؤكد للنظام السوري.

ان إلغاء ما يسمى بالتحالف الاستراتيجي المشؤوم سيكون بالتأكيد نصرا للمشروع الديموقراطي فيما إذا التزمت الأطراف السياسية حقا بوحدة الصف الوطني واستقلالية قراره والاحتكام إلى صناديق الانتخابات والعدالة غير المسيسة والتداول السلمي للسلطة وثقافة احترام الأخر وحقوقه ورفض اللجوء إلى العنف بكل أشكاله، وأخيرا لا اخرا أن يكون الإلغاء نابع من مصالح الشعب، لا تجاوبا مع املاءات خارجية.

bull;[email protected]