وقف السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء في جمهورية العراق التلفزيونية ينصح الدول المتدخلة في الشأن السوري قائلاً quot;إن الدول التي تتدخل في الشأن السوري سوف تحترقquot;.
كأننا في بلد متحضر نهض من ركام الماضي الدكتاتوري العفن فأنقذنا شعبنا العراقي من الخوف والجوع والمرض، فزرعنا النخيل حزاما يعانق خصر الوطن وأزلنا التلوث من مياه دجلة والفرات وشط العرب وكافة أنهار العراق ونورنا أرض وسماء العراق ليس بالكهرباء فقط، بل بالشمس والقمر والنجوم وأهدينا كل عراقي بيتاً حديثا وأنيقا مزين بالجداريات واللوحات التي تتحدث عن بلاد سومر وأكد، وصار أطفال العراق يمشون مثل الحلم نحو مدارسهم تنقلهم حافلات مطرزة بالورد، والنسوة والصبايا يتسابقن نحو المحاكم الشرعية لتأسيس العائلة وإنشاء بيت الزوجية فينجبن أطفالا أصحاء نباهي بهم طفولة الكون والحياة، والمطابع الحديثة تصدر المؤلفات العظيمة لكتب التاريخ والحداثة والناس كل الناس تركت بريطانيا والغرب وأمريكا وعمان والإمارات وعادت لوطنها الحديث، فلقد أصبح عندهم وطناً يبهر الناظر ويثير غيظ الحساد، والجيش يرقص في مشياته العسكرية يغني موطني موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك. والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك والشرطة في ملابسهم الزاهية الحديثة يقضون أوقاتهم في لعب الدومينو والنرد إذ لا عمل لهم بعد أن إختفت الجريمة من العراق وهرب القتلة والإرهابيون أو سجنوا أو عادوا من حيث أتوا، والمياه الآسنة والملوثة تذهب بطريقة تقنية حديثة لتصب في البحر الميت بعيداً عن مياه دجلة والفرات وشاطئ العرب.. والعراق تراقب حدوده الكاميرات الحديثة تعرف الرائح والغادي وتكشف المجرم وتطلق عليه النار أوتوماتيكيا، وحركة المصارف ناشطة والبنك المركزي محصن بالله ومحروس وحديقة الزوراء تزدهر بالورد والفرارات وضحكات الأطفال وقهقهاتهم تملأ السماء وهم في دواليب الهوا. فيقف السيد رئيس الوزراء متباهيا ومن حقه أن يتباهى في هكذا وطن تألق في سماء الدنيا بعد عشر سنوات من الإنجازات اللافتة لنظر الدنيا والكون وهو يحذر البلدان التي تتدخل في شؤون سوريا من أنها سوف تحترق، لأننا منعنا الآخرين من التدخل في شؤوننا ولذا نجونا من الحريق المشتعل فلا علاقة لإيران بأرضنا وسمانا ولا يعرف الأمريكيون موقع العراق على خارطة الدنيا ففلت من غيهم ونحن اليوم نجحنا شيعة وسنة وسنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وعرب وكورد من تحقيق الألفة والتصافي، وقد تعبت الصحافة وأجهزة التلفاز من بث الزيارات والولائم بين عشائر الجنوب وعشائر شرق وغرب العراق.. لم يبق لنا سوى تحذير الدول من التدخل في شؤون البلدان الأخرى حتى لا تحترق ونضرب لكم في العراق مثلا يا أولي الألباب!
السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء في جمهورية العراق التلفزيونية!
لو كانت أمريكا تعرف أننا دولة أو حتى شبه دولة لحسبت لتصريحك حساباً وهي المعادية لإيران ولسوريا وحزب الله وأنتم تحت رحمة خمسة عشر ألف موظف مخابرات في السفارة الأمريكية في بغداد، لكنهم وأنت تدلي بتصريحك الخطير quot;كانوا يقهقهون.. أجل أجل كانوا يقهقهون! ndash; من قصيدة لكاظم جوادquot;
كم مرة أخاطبك يا رئيس وزراء المنطقة الخضراء ولم تقرأ خطاباتي. ألم تتعلم قراءة المقال وقراءة ما بين السطور. ألم تقرأ العناوين في الأقل. والله أنك رجل صامد عنيد ولا يخاف! لا يخاف من العاصفة الآتية ولا يخاف من عقاب الله!
هل تعرف أيها السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء أن الخوف هو ظاهرة إنسانية. المخلوقات الغريزية أيضا تخاف. الأشجار والنباتات تخاف. المخلوق الوحيد الذي لم يخف هو صدام حسين، لأنه خارج نطاق الخلق والخلق ولأنه كان يقتل بدم بارد فصعد المشنقة بدم بارد. ووقفته تلك لا تسجل لصالحه لأنه خارج نطاق المشاعر الإنسانية وحتى الغريزية!
إن ظاهرة صدام حسين هي اليوم ظاهرة عراقية بإمتياز. فلقد نشأ جيل منذ عشرات السنين من المجرمين والقتلة صنعتهم ظروف موضوعية لعبت الدكتاتورية والإحتلال والإعلام دوراً أساسيا فيه فجاءت مرحلة ما بعد صدام حسين لتصيح مدرسة للقتل بدم بارد بإمتياز. وقد لعبت قوى خارجية دولية دوراً في بناء هذه المدرسة وتطويرها عبر وسائل الإعلام التي نشأت بدون رخصة وبدون معرفة وبدون تحصيل علمي وبدون وطنية لإنشاء جيل من القتلة والمفخخين والمخدرين بأشكال المخدرات المستوردة quot;الكوكائين بديلا عن الأسبرينquot; ظهر فجأة جيل من القتلة الذين تحول القتل عندهم إلى مهنة ومهنة مربحة يتقاضون عن كل رأس خمسة آلاف دولار. وتتم اللعبة هكذا:
لص عراقي بدرجة مسؤول كبير بربطة عنق وشهادة مزورة من ما يسمى الجامعات الحرة وبسعر مقطوع قدره ألف وخمسمائة يورو للحصول على تلك الشهادة بالأنترنت. فنجح في صفقة لتزويد العراق بالكهرباء مثلا أو لتزويد الجيش بطائرات خربانة وجاثمة في مطار أوكرايينا بكذا مليار من الدولارات وعندما يصدف لأسباب سياسية أن يفتح ملف الصفقة ويستدعى شاهد عيان للإدلاء بشهادته فإن اللص سارق خبز الوطن وسارق سعادته وحريته يدفع للقتلة المأجورين خمسة آلاف دينار للتخلص من الشاهد، فيأتي شباب عراقيون لم يعرفوا ولم يتعلموا في مدارس إبتدائية نشيد موطني وهم يحملون كواتم الصوت فيذهبون للشاهد البريء وهو خارج من منزلة وربما مع زوجته وأبنائه فيردونه قتيلاً وهم لا يفرون ولا يهربون ولا يركضون، بل يستمرون يمشون نحو أقرب مقهى لشرب الشاي أو الكولا أو يتوجهون إلى أقرب مطعم لأكل quot;التشريبquot; أو quot;الفاصولياquot; وهم يضحكون بسبب التفاصيل وطريقة سقوط الضحية وحجم الدم النازف منها. ولا أحد يحمي الوطن من الخوف. لأنك لا تملك أيها السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء شرطة تحمي بها الوطن والمواطن ولا تملك جيشاً، لأنك جيشك خليط عجيب غريب من مزاجات لا علاقة لها بالوطن ولا بحب الوطن تكونت بأمر الفاعل الخارجي المهيمن على مقاليد الحياة في وطني.
قبل شهر فقط من كتابة هذا المقال جلت في عدة مدن في وطني الحزين. زرت المراقد المقدسة والمدن الشريفة في التاريخ. زرت مدن سومر وآشور ومدن الشرق والغرب وأنا أحمل معي كاميرا صغيرة أسجل من خلالها شيئا من الإنطباعات كي أتذكرها. وكنت أرى وبشكل خاص في مدن النجف وكربلاء شخصيات لا أظنها عراقية السحنة كما أن لكنتها فارسية النغم وعرفت بأن أشكال هؤلاء الذين أراهم يتجولون بعيون يقظة تراقب الأمكنة والعراقيين وعلمت تالياً بعد أن حصلت بعض الإغتيالات أنها تحدث بأمر من هؤلاء فإن لهم تنظيماً متقناً في العراق وهم مكلفون بإنهاء شواهد الجريمة وإنهاء شهود المال المسروق وشهود إبادة وإنهاء الكفاءات وتفريغ الوطن من طاقاته المبدعة عبر إغتيالهم بدم بارد.
أكتب هذا الموضوع بسبب قراءتي لما تبثه الشاشات في أسفل كادرها من أخبار عابرة. فلقد قرأت بأخبار متتالية ثلاث حالات إغتيال فردي ناهيك عن أخبار المتفجرات.
تم إغتيال سكرتير وزير الثقافة وإبنه وأصابة زوجته إصابات بالغة نقلت على أثرها للمستشفى.
تم إغتيال مرافق وزير الدفاع بعد أن طلبت لجنة النزاهة إستدعاءه للشهادة في صفقة الطيران الشهيرة ذات العشرة مليار دولار لشراء طائرات عاطلة في مطار أوكرايينا تم إغتيال المحقق في لجنة النزاهة بالموصل بعد خروجه من منزله.
هذه فقط ثلاثة أخبار خلال عشرين دقيقة تتابعت على شاشة قناة الحرة quot;الأمريكيةquot; المحايدة! ويمكن إعتماد أخبارها لأنها ليست ذات هدف مدسوس بشكل مباشر ومكشوف مثل بقية القنوات الفضائية!
إخاطبك أيها السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء. إن كل إنسان نبيل في وطني هو مشروع شهادة وإستشهاد وإغتيال بدم بارد. ولم نسمع عن الذين يقتلون بدم بارد وبتمشون بعد الجريمة لشرب إستكان شاي أو يأكلون التشريب، لم نسمع عن إعتقالهم ولم نر إعترافاتهم على شاشات التلفزة ولم نعرف عن نيلهم العقاب القانوني من قبل قضاء عادل مستقل، بل سمعنا عن عملية غريبة تم بموجبها قتل الشرطة في مقر الجرائم الجنائية وتحرير السجناء الذين كانوا يؤدون قتل المواطنين بدم بارد.
تمر الحادثة في نشرة الأخبار وتغطيها أخبار القتال في سوريا والتهديد الإسرائيلي لإيران وحزب الله وأنت تقف وخلفك علم الله أكبر الذي تصرون على بقائه علما للعراق وهو راية الحروب والموت والخراب، تصرحون محذرين الدول التي تتدخل في شؤون ما يجري في سوريا بأنها سوف تحترق بنيران المعركة.
لا أدري صراحة هل أنك تعلمت من تجربة العراق بأنه اليوم يحترق بسبب التدخل الخارجي في شؤونه وفي إغتصاب أرضه وحريته فتقدم النصحية أن لا تتدخلوا في شؤون الدول الأخرى، أم أنك تعني قدرتك للحيلولة دون تدخل الآخرين في شؤوننا فأنجزنا وطناً مثالياً فأطلقت تصريحاتك مسترخيا بعد صحوك من نومك دون أن تقرأ على شاشات التلفزة العراقية الحرة أخبار المفخخات وهلاك الناس من الحر بدون كهرباء وأخبار الإغتيالات التي تجري في الوطن العراقي بدم بارد!
هل لديك علم أيها السيد رئيس وزراء المنطقة الخضراء في جمهورية العراق التلفزيونية بما يجري في العراق من إغتيالات لكل صاحب معلومة وكل صاحب رأي وكل وطني شريف من أجل أن يفر العراقيون هلعا من وطنهم ويبقى العراق وطناً للصوص والقتلة يعبثون بنفطه وبحريته ومستقبل أبنائه!؟
هل تعرف حجم الموت وأنت تعتقد يقينا بأنك تترأس وزارات وتأمر شرطة وجيشاً، يتكون من خليط عجيب وغريب يلعب أصحاب الأجندات دوراً في قيادته. تطلب شراء طائرات فانتوم فتكتشف بأن الذين يتدربون عليها هم من الكورد وأنت تريدهم عربا ومسلمين وشيعة. لا تعرف كيف توازن بين الطوائف والمكونات لسبب بسيط جدا أن العراق ودولته الجديدة قد بني على باطل وكل ما بني على باطل فهو باطل.
لقد أرسلت فريقا أو فرقتين من جيشك الجديد الذي تأسس على quot;إنقاضquot; الجيش القديم ليحمي منفذا بين سوريا والعراق فأوقفه جيش quot;البيش مركهquot; جيش الأقليم وحال دون وصوله إلى حدود الشام!؟ فعن أي قوة رادعة تتحدث لتحول دون تسرب القتلة والإرهابيين من بلاد الشام نحو العراق!؟
مثل هذا الجيش غير قادر على حماية الوطن ولا على حماية المواطنين من الخوف الذي يدهمهم في كل لحظة.
ولو كان الأمريكيون يعرفون أن العراق اليوم هو دولة بالمعنى المتداول المعروف للبلدان حتى في أتعس حالاتها لما سمحوا لك بالتصريح عن التدخل في شؤون سوريا. صحيح أن السوريين قد أستفادوا من تصريحك كي يبثوا بعض الفرح والطمأنينة إعلاميا في نفوس جمهورهم ولكنهم هم أنفسهم يعرفون أن العراق ليس دولة وأنك لست سوى رئيس وزراء للمنطقة الخضراء في جمهورية العراق التلفزيونية.
دعني أروي لك هذه الحادثة لتعرف فقط شكل الدولة وشكل القوات المسلحة التي تترأس أنت وزاراتها وهي ليست دولة على الأطلاق، ولا أحد فيها قادر ومهتم في الحفاظ على أرواح المواطنين وأصحاب المعلومة والرأي والفكر المتقد.
الحادثة التي سأرويها هنا تعكس وحدها وبدون حاجة إلى تحليل سياسي وإجتماعي وإقتصادي وحتى أخلاقي لواقع العراق، أني جلست في النجف قبل حوالي شهر من كتابة هذا المقال في مدخل متجر لأحد أصحابي في مدينة النجف، وصادف أن مرت في الشارع فرقة عسكرية من الشرطة، يتقدمهم رجل طويل ضخم الجثة بشاربين متهدلين من فوق الشفة يضع نظارة سوداء فوق أرنبة أنفه وبيده عصا وعلى جانب كيانه مسدس طويل ويمشي خلفه سبعة مرافقين يحملون البنادق الرشاشة وهو يتفحص الرائحين والغادين وأصحاب المحال التجارية وهو في جولة تفقدية وبعضهم يحييه بلقبه quot;العقيد...quot; بعد أن مر في السوق وإبتعد قال لي صاحب المتجر. تعال معي داخل مكتبي لكي أروي لك قصة هذا العقيد الذي يحمي الوطن من العدوان الخارجي ويحمي المواطن من الموت اليومي الذي يهدده.
كان هذا العقيد نائب عريف في الجيش السابق لنظام الدكتاتور، وقد سجن أربع سنوات بتهمة اخلاقية داخل المعسكر. وبعد أن سقط النظام وخرج من السجن ذهب إلى مقر المحكمة وطلب شهادة تثبت بأنه كان معتقلا لأربع سنوات وأجبر الموظف أن لا يذكر طبيعة التهمة، فأخذها وعاد ليلتحق في سلك الشرطة برتبة عقيد!
هذا ما يتعلق الأمر بالمؤسسة العسكرية والأمنية التي تحمي الوطن. ولو حاول أحد أن يكشف الحادثة فإنه سوف يقتل من قبل ممتهني الإغتيالات بدم بارد وبأجر مقداره خمسة ألاف دولار أمريكي!
دعني أنقل لك ما كتبته صحيفية الديلي ميل البريطانية في تقرير لها من بغداد عن الوضع السياسي العراقي وواضعي سياسته، فإن كنت قرأته حسناً، أعني أن يكون قد ترجم إليك، وإذا لم تقرأه فالصحيفة تكتب إن السياسيين العراقيين يحصلون في العراق على أكثر من ألف دولار للعمل لمدة عشرين دقيقة فقط في العام، فقد حصلوا على رسوم بقدر 90000 دولاراً وراتب شهري قدره إثنين وعشرين ألف وخمسمائة دولارا، ويسكنون في أرقى فنادق بغداد مقبل لا شيء يذكر من جانبهم. ظهرت الأمتيازات الخاصة بهم فيما يخص الفخامة والرواتب، عندما أستعد الـ 325 نائباً لعقد الجلسة البرلمانية الثانية منذ إنتخابات مارس عام 2011. هناك إستياء زائد في الأوساط العراقية العادية لأن النائب العراقي يحصل على إثنين وعشرين ألف وخمسمائة دولار في الشهر وإكراميات في أرقى فنادق بغداد في حين يكافح الكثيرون من أجل تغطية نفقاتهم! موظف حكومي من المستوى المتوسيط يحصل على حوالي 600 دولاراً في الشهر، والناس العاديين يفتقرون إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. أما الراتب الشهري الأساسي للسياسيين هو عشرة آلاف دولاراً ما يعني أن السياسيين في العراق يحصلون على أربعة آلاف وخمسمائة دولا أكثر من عضو في الكونغرس الأمريكي، بالأضافة إلى ذلك يحصل النائب على إعانة تبدأ من إثني عشر ألف وخمسمائة دولاراً في الشهر لترتيب السكن والأمن. ويمكن للسياسي أن يقضي لياليه مجانا في أرقى الفنادق في بيئة آمنة من المنطقة الخضراء بغض النظر عما إذا كان البرلمان في الدورة أم لا، وهذا يساوي 600 دولاراً في اليوم عند السفر داخل أو خارج العراق. وبعد الإستقالة يحصلون على ثمانين بالمائة من رواتبهم الشهرية مدى الحياة ويسمح لهم بالإحتفاظ بجوازاتهم وجوازات عائلاتهم الدبلوماسية. لم يأت الإجتماع الثاني في البرلمان العراقي والذي دام عشرين دقيقة بأي نجاح يذكرquot;
السياسيون العراقيون يكلفون البلد ألف دولار كل دقيقة!
quot; إنتهى ما كتبته جريدة الديلي ميل البريطانيةquot;
طبعا هذا الحديث يتعلق فقط بالرواتب، وهناك رواتب أخرى يتمتع بها الوزراء ومستشارو الوزارات ومستشارو رئيس الجمهورية. وهناك رواتب أخرى ورواتب تقاعدية لموظفي وسفراء وقناصل وزارة الخارجية الوكر الخطير لكل الفساد سواء ما يتعلق بطبيعة التعيينات ومن يقف وراءها أو بطبيعة الكادر الوزاري لهذه الوزارة التي لا تختلف على أية وزارة فاسدة بل هي تزيد على الوزرات فساداً.
هؤلاء المتمايزون لا يتمتعون ولا يكتفون بهذه الرواتب والمخصصات العجيبة والغريبة بل أن لكل واحد منهم مشروع وشركات وصفقات تجارية مستفيدين من مواقعهم الوظيفية ومن البلد الخربان الذي يحتاج إلى إعادة البناء وكل شيء فيه مهدم ويحتاج إلى إعادة بناء فيزداد الخراب خرابا بالفساد والمقاولات والعمولات وسوى ذلك.
ولو حاول أي مواطن عراقي شريف بأن يشير إلى هذا الواقع أو أن يكون في موقع السائل والمستفسر فإنه سوف يقتل بدم بارد حيث يدفع عضو البرلمان أو الوزير أو السفير أو أي مسؤول خمسة آلاف دولار من مخصصاته وأرباحه وصفقاته المليارية إلى شباب لا عمل لهم فإضطروا لممارسة مهنة القتل بكاتم صوت وبدم بارد. ويروح الشخص ميتاً تاركا ربما أطفالا وزوجة وأهلاً يأنون من وجع الفراق الأبدي ومن وجع العوز والفقر والفاقة واليتم!
هذا ما يطلق عليه المافيات. والمافيات لها قانون في العراق يحميها ويندرج النقد وموقع الكشف ضمن إهانة الدولة والتعريض بالسمعة ويحال المتهم إلى معتقلات هي أشبه بأققاص الدجاج كما ظهرت على شاشات التلفزة والله وحده العالم بما يجري وراء قضبان أقفاص الدجاج، وعلى رأس هذه الجمهورية التلفزيونية يقف رئيس وزراء المنطقة الخضراء ليحذر الدول التي تتدخل في الشأن السوري بأنها ستحترق وكاننا نعيش في بلد لا يحتاج حتى إلى سيارات إطفاء، ولا أحد يتدخل في شؤونة لا الأمريكيون ولا بلدان الجوار!
الكارثة حلت بالبلاد وحلت على العباد والمافيات الحاكمة من المدنيين والعسكريين والمؤسسة الدينية وبإعتبارها حصيفة بالدين وتعرف الآتي جيداً وهو مجرد حكايات تخويف لا وجود لها فإنها لا تخاف العقاب السماوي متناسين أن فيزياء الحياة لها قوانينها العلمية والقول quot;من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرهquot; هو قانون فيزيائي وليس قانونا سماوياً. هو العذاب هنا على الأرض هذا إذا ما عجز الشعب العراقي عن تنظيم نفسه وإيجاد حل يخرجه من الكارثة ومحاسبة اللصوص سراق فرح الطفولة العراقية وفرح الصبايا المغتصبات، وإذا ما أثبت العراق خواءه من الشرفاء وأصحاب النخوة والهمة فإن فيزياء الحياة ستدخلهم جهنم هنا في الأرض وهو أقسى من جحيم الآخرة إن وجد، وما جرى لكل الأباطرة والظالمين في التاريخ خير دليل على ما ينتظر اللصوص الكبار واللصوص الصغار على حد سواء، وفي يوم ليس ببعيد.
إن البطالة في العراق والجوع في العراق قد أنتج بالضرورة الموضوعية مهنة جديدة تضاف إلى مهنة البغاء وهي مهنة القتل بأجر وهي مهنة رائجه لأن التململ الشعبي واسع وثمة عدد كبير مطلوب تصفيتهم فإزدهرت تجارة القتل بدم بارد.. ينفذها شباب مخدرون في مجتمع ذاهب نحو الهاوية إذا لم يبادر بعض من أبنائه المخلصين على دراسة الواقع وقراءته يوعي وإيجاد الحلول المنطقية للخروج من الأزمة ومحاسبة كل المسؤولين الذين سرقوا الفرح من الوطن العراقي!
كاتب وإعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]
التعليقات