quot;أعلمُ ان مكان المنافقين في الآخرة هو الدرك الاسفل من النار، لكنهم في الدنيا على الصفحات الاولى للصحف والفضائياتquot;
ليس لدي شك أن تبني مشروع وطني يتجاوز العقلية الطائفية والعرقية والعنصرية هي الخيوط الرفيعة لرفع الشك وبداية تربوية لتلاحم النسيج الوطني العراقي من جديد دون تجاهل الحقوق القومية للأقليات. لكن ذلك لن يكون بالسهولة التي يتصورها البعض لأن العراق مثقل بثقافة عناصر عنصرية توافقت مع الأرهاب (التي شغلت وبعضها ماتزال تشغل مراكز هامة في الدولة) من شمالها الى جنوبها ليصبح فيها الصديق هو العدو والعدو هو الصديق.

يُشدّد المالكي بصفته الرسمية على انquot; المعركة مع الإرهاب قد إنتهت، وأن المتبقي هو خلايا تبحث هنا وهناك عن فرصة أو ثغرة، تقف خلفها إرادات من دول أخرى تستغل الظرف الحاصل في المنطقة، لكن ذلك لن يحصل في العراق، مع استمرار الضربات إلى حين القضاء عليهم من خلال تفعيل الجهد الإستخباري والتعاون مع المواطنينquot;.

ويشوب هذا التصريح عدم الدقة وسوء التعريف. فلا يوجد نهاية للعبة الأرهاب. فالمبررات التي يسوقها لاتتلائم مع البارزاني رئيس الأقليم الكردي لفكرة أقامة كيان قومي مستقل رغم محاذيرها ومخاطرها الكثيرة. كما أن التصريح الرسمي للمالكي لن يُنهي المعركة مع الأرهاب الداخلي. كما لايوجد نهاية للعبة الأرهاب الدولي والذي خصصت أمريكا والدول الأوربية مليارات الدولارات وتكثيفها للأجهزة الأمنية للحد منه بطرقها المختلفة حتى لو تطلب ذلك تجهيزها للأسلاميين المتطرفين بالمال والأسلحة والعتاد وأيصاله عن طريق دول عربية تشتريه من أمريكا وتصدره الى من يقع عليه أختيارهم وتبريرهم لهذا الأختيار ( والحالة السورية أحسن مثال)، كذلك، ولايوجد نهاية للعبة البعث العشائري والحركات السلفية المسلحة والقاعدة ووجوهها الأسلامية المقنعة، كما لايوجد نهاية للعبة الأرهاب السياسي والفكري المسلح. فكل فئة لها مجنديها وتبريرها.

المطلوب من المشاركين في عملية بناء العراق الديمقراطي هو محاربة الأرهاب بشتى صوره لا أحتضانه والتلويح باستخدام زمره للأستفزاز وتزويد هذه الزمر برخصة القتل وتبريره. الأرهاب ونهاية اللعبة الأقليمية والدخول الى عهد الأستقرار أصبح من الأوهام، كما أن العهود والوعود التي تُقطع ويتكلم بها قادة الحكومة العراقية وقواتها المسلحة بين الحين والحين لن يكون غرضها أكثر من رفع معنويات القوى الأمنية ومسح الكأبة للحالة النفسية التي أوصلها الأرهابيون الى الطبقات الشعبية والمجتمع.


ومايجب أن يؤخذ في الحسبان عند فهم أقنعة الأرهاب، تأشير عناصر الهيمنة الأقليمية الأمريكية والأسرائيلية والتركية والأيرانية وتهديدها للعراق وعوامل عديدة وأطراف مختلفة وأِرادات و مصالح ليس في أستطاعتي عدها في مقال مبسط كهذا.

حالة الأرباك السياسي وأكبرها خطورة على شعب العراق سبّبها البارز دخول البارزاني في مناورة سياسية بعد 22 سنة من تزعمه الحركة الكردية بلباسه العشائري المميز، وأعتماده في المناورة الجديدة أساساً على تصور أن نجوم القائمة العراقية quot;علاوي والهاشمي والمطلكquot; لهم من الثقل في الدولة مايمكّنهم من الأطاحة بحكومة نوري المالكي أذا ماأستمر الجميع بطلبهم حجب الثقة عنه. والحقيقة أن هذه المناورة كُتِب لها الفشل وأدخّلت العملية السياسية في حالة من الوهن والضعف والأرباك. ومما زادَ من حالة ألارباك هذه موقف النجيفي والصدر وزيارتيهما المفاجئة الى أربيل و( أرتضائهما ) لتأكيد خطوات البارزاني وتأكيدها من خارج سياج المجلس النيابي.


القوى التي شاركت في أجتماعات أربيل كانت على علم بطوفان التقارير اليومية بأن تهريب الأموال وعقود النفط هي أساس الخلاف بين تمسك المالكي بالصلاحيات الدستورية وتعصب مسعود البارزاني الذي يدير شؤون الأقليم الكردي بتحالفات غير مقدسة وسوقه المبررات عن حقوق الأكراد المهضومة لأنتزاع مايمكن أنتزاعه. وباءت محاولات البارزاني وبراعته في الحصول على مناصرين غير أكراد من الشخصيات الشيعية والسنية الفاعلة بالفشل بعد أفتضاح أمر علاقات هذه المجموعة بدول خارجية. فلم تنتج مغامرات ومناورات البارزين في القائمة العراقية أياد علاوي وطارق الهاشمي في منح البارزاني مايريد رغم خضوعهما له وتعهدهما بأطلاق يده للتصرف بحرية في تقرير مصير الدولة العراقية. ولعل مبعث خيبة ألأمل الشديدة وزيادة تشدد وتشنج البارزاني أن الاحزاب الكردية المناوئة لتطلعاته تعالت أصواتها في معارضة طريقة أدارته كردستان العراق وطالبته بإصلاحات أجتماعية وإطلاق سراح الآف المثقفين السياسيين الأكراد المعتقلين في سجون الإقليم والحد من قبضة قوات خاضعة تحت أمرته. وتمثلت هذه المعارضة بحزب رئيس الجمهورية نفسه الحزب الوطني الكردستاني والاتحاد الإسلامي الكردستاني، حركة التغيير، الجماعة الإسلامية وأبدت هذه القوى من تخوفها بشكل صريح من سياسة مسعود بارزاني لجر الإقليم لمواجهات ومهاترات ضارة للقومية الكردية، سواء مع الحكومة العراقية ومنهج تسليحها للقوات المسلحة، أو أتفاقياته الشخصية الواهية مع أمريكا و إيران وتركيا للاستئثار بكل الامتيازات السياسية والأمنية والاقتصادية بالطرق الغير قانونية.

يتصور الكثير من المثقفين الأكراد أننا مختلفون على الوسيلة والهدف. مختلفون في تفسير المادة 140 الدستورية بالنسبة الى كركوك وسكانها. ومختلفون بشأن فدرالية الدولة، الأنفصال، الأستقلال، النظام الديمقراطي، وحق تقرير المصير القومي. وهو أعتقاد لايوصل الى نتائج مُشرفة وقد يسبّب التصرف الأرعن غرق السفينة بحمولتها. خذ على سبيل المثال فكرة الطموح القومي لأنفصال الجسم الكردي عن جسم الدولة العراقية والمشاركة في لعبة الأرهاب الأقليمية التي و تقديراتها الأولية التي توضح بما لايقبل الشك بأنها ستعود بنتائج وخيمة كاملة الضرر وحروب دموية للأطراف المشاركين فيها وفهمهم العشائري القومي لأتفاقيات سايكس بيكو التي كانت أساس تقسيم الدولة العثمانية.

الحصول على الأستقلال بأنشاء دولة مُغلقة داخل دول land Locked لاتتم بموافقة ضمنية أو شفهية من حكومة أوردغون أو المالكي أو أي حكومة عراقية قادمة ولن تتم بالتهديد الكردي بالأنفصال بتكبيل السلطة التنفيذية بقيود قومية. والبارزاني على علم تام بأطراف اللعبة المحلية والأقليمية والأقنعة التي يلبسها كل طرف ليخفي أهدافه ونواياه كما أتضح له من موقف الادارة الأمريكية وموقف أوردغان و موقف الطالباني المغاير لمغامرة وأنفعالات البارزاني وكما أتضح له من موقف مقتدى الصدر وتقلباته العاطفية الغير مفهومة والتي جاء آخرها بتصريحاته (إنَّ أميركا ما زالت مُحتلّة من جهة، فعليه لا بد من عدم السماح لها أنْ تكون ذات نفوذ على السلطة العراقية، وبقاء المالكي يعني بقاء النفوذ الأميركي، وهو مُضرّ أكيداً بالاستقلالية والوطنية، مُضافاً إلى ما ذكرناه عنها سابقاً. إنّنا لا نريد بناء حكومة مُعادية لأي من دول الجوار على الإطلاق، وما سيأتي من بديل للأستاذ نوري المالكي لا يكون مُعادياً لا لإيران، ولا لأي دولة أخرى، ما دامت مُسالمة للعراق وشعبه ).

وهناك طوفان من المصادر والبحوث المتعلقة بالجدل والمناقشة الموضوعية للقيمة الحقيقية لتعايش القوميات في ضل دولة ديمقراطية غير متسلطة، وطوفان آخر من البحوث والدراسات عن القيمة الحقيقية للدول العنصرية الشوفينية التي تتنازعها أفكار مشابهة للنازية وحربها المسلحة على القوميات الأخرى. ولعل النازية وأعلائها للعنصر الألماني كان قد شكّل الدرس المستخلص للأمم للنتائج المُرة التي سببها تهييج قومية على أخرى وأحتقار الأسس الأنسانية.
وتزمت القومية العاطفية الكردية تتمثل في رؤيتها أن كل القوميات الأخرى داخلة في حرب قومية ضدهم.
أنها نظرية قديمة لها صحتها و تتعلق بأنظمة متسلطة كنظام وعقلية وفلسفة حزب البعث.فالعاطفة القومية بتأثير زعمائها دفعت
العشائر الكردية الى حمل السلاح وتدريب الشباب الكردي عليه ليصبحوا الدرع الذي يحمي القرى والمدن الكردية من
حكومة متسلطة، كما أنه كان سلاح قطاع طرق ومهربي مواد و تجار أقطاعيين داخل المجتمع الكردي.

أنه نفس نظام الأستعباد والتسلط الصدامي البعثي الذي أستباح الدم العربي والكردي وساوى في أجرامه العرب والكرد وحرق وأتلف أهوار جنوب العراق وشرد الملايين من أهل العراق الى دول الجوار والمهجر. كنتُ أظن أن الوقت قد حان للأنصهار والتضامن لشعب العراق ليُكوّنوا صفّاً واحداً في مواجهة هذا التحدي العظيم بالتثقيف والتعليم ولكن التحدي هو تفاوت حدود الفهم والثقافة لما حدثَ تاريخياً للشعبين.

فيكتب أحد الأخوة الكرد quot;بأن الأستقلال هو مانطمح أليه وقد قدمنا ألآلاف من التضحيات من أجله وهو حقنا الشرعي في أسترجاع أراضي مستقطعة سكنها العرب والترك والأشوريين والصابئة وووووألخquot;. ولو أخذنا هذا الأعتقاد كنظرية في العلاقات الدولية، لطالب الهنود الحمر اليوم بأستقلالهم من الولايات quot;الفدراليةquot; الأمريكية المتحدة وأغلقوا الحدود بين الولايات ولطالبت كذلك القومية الفرنسية في كوبيك ndash; كندا بالأنفصال عن كندا.

النقطة الأخرى الجديرة بالأهتمام والجدية وخاصةً (بعد أنتصار مفاهيم الحضارة على التسلط الحكومي) هي أن الثقافة الكردية لاتنصب على تعليم الجيل الجديد من الشباب على الأهتمام بالحياة الأجتماعية وتوجيههم للفنون والموسيقى والرياضة والصناعة الحديثة والأنصهار الحضاري للسكان بقدر مايهتم زعماء أكراد بثقافة التحريض على القتال القومي والصراع الداخلي والأقليمي.

ولن يُكتب النجاح لأقامة أُسس دولة كردية بتفحص الجوانب الأقليمية والأستراتيجية والتاريخية والجغرافية السياسية والمصالح الحيوية لشعوب المنطقة، بقدر مايكتب من نجاح لآأكراد تركيا والعراق وسوريا وما يمتلكون من كل مقومات النجاح والتقدم لو أستمرت المجتمعات الكردية بالتثقيف والمنافسة العلمية على التقدم الحضاري بنظام عصري كفوء لأستغلال الثروات الطبيعية وتنشيط المنطقة تجارياً وسياحياً وجعل هذا التقدم المدني هدفاً قومياً دون الأستماع والموالاة الى تطرف زعماء عشائر مقنعين بنزعات وأهواء قومية أنتقامية قديمة همها نحر الترابط الوجداني بين القوميتين وتسليح مليشيات وعسكرة المجتمع قومياً ومذهبياً وحمل بذور الكراهية والعداء والتباعد القومي العربي الكردي الى مالانهاية.


كاتب وباحث سياسي