ارساء كيان مستقل للكرد معترف به دستوريا في العراق شكل اول نقطة تحول كبرى في خارطة الشرق الاوسط الجديد الذي بزغ الى الوجود بعد سقوط صنم الاستبداد والطغيان سنة الفين وثلاثة، وقناعة الدول الكبرى بتغيير المنطقة جاءت بعد الغزو الصدامي للكويت الجارة سنة 1990 الذي شكل ضربة قاضمة لانهيار مشروع النظام العربي، ولم يكتفي الغرب بهذا بل مهد السبل لانطلاق ربيع الثورات العربية لاسقاط النظم السياسية غير الديمقراطية والتي شكلت عبئا على المجتمع الدولي، ومن يتصور ان ثورات الربيع العربي التي اندلعت في تونس وامتدت شرارتها الى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين انطلقت من محض ارادتها وقدرة ذاتها واهم، وهو واهم أكبر اذا تصور ان هذه الثورات لم تجري لها تحريك وتأطير وتعديل دون دعم وتمويل للمعارضة او النظام وحسب مراعاة المصالح الاقليمية والدولية للدول الغربية الكبرى وروسيا والصين.

والقيادة الكردية عرفت كيف تستفيد من الأجواء السياسية والاقليمية والدولية التي ترتبت على الغزو الصدامي للكويت، فتمكنت بفعل وجهد مباشر من الشعب الكردي من تحرير اقليم كردستان وبناء كيان سياسي مستقل بادارة وبرلمان وحكومة منفصلة عن الحكومة المركزية في بغداد، وبمرور السنوات ترسخت اركان ومقومات الاقليم وتمكن الكيان الكردي من فرض نفسه بحكم الامر الواقع، وبذكاء تمكن من اتخاذ بوابة تركيا وسياسة السوق الحر مفتاحا أساسيا لتواصل اثبات وجوده السياسي والاقتصادي في المنطقة، وبهذه السياسة الناجحة تمكن الاقليم من استقطاب الاهتمام الاقليمي والدولي وبذلك تحول الى ملعب اقتصادي وتجاري فعال تشهد ساحته فعاليات ونشاطات استثمارية كبيرة في الحجم والاموال، ومهما تعددت الاسماء والعناوين فان القيادة الكردية لادارة الاقليم خلال العقدين الماضيين وخلال السنوات الجارية وجدت نفسها في اربع شخصيات قيادية رئيسية هم مسعود البرزاني رئيس الاقليم وجلال طالباني رئيس الجمهورية وكوسرت رسول علي نائب رئيس الاقليم ونوشيروان مصطفى زعيم المعارضة، والبقية ما هم الا دمى بأيدي هؤلاء القادة.

وبالرغم من الفساد العالي المستشري في سلطة وحكومة واحزاب القيادات الكردية في كردستان، الا ان الاقليم تمكن من تسجيل خطوات متقدمة وملموسة في البناء والعمران وزيادة القدرة الشرائية وارتفاع حجم التبادل التجاري مع جاراته تركيا وايران والعراق وسوريا الى عدة مليارات من الدولار، وبذلك احتل الاقليم أهمية تجارية كبيرة للدول المجاورة له لمراعاة وخدمة مصالحها التجارية والاقتصادية.

وتوازيا مع مسار التقدم وتحسن الخدمات واستقرار الامن والسلام تأسست بنية تحتية كاملة لاقليم كردستان لاقامة دولة مستقلة ببنيانه القومي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى أساس نظام ديمقراطي تعددي برلماني وفصل للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو بنيان لا نجده في كثير من الدول ذات السيادة المنطوية تحت عضوية الامم المتحدة كدولة مستقلة والتي مازالت تترنح تحت حكم انظمة مستبدة وطاغية مثل النظام السوري.

وتعترف مراكز دولية وعربية وشخصيات سياسية واعلامية كثيرة ان ما بني من بنيان في كردستان العراق يحمل مقوّمات اقامة الدولة الحديثة، والمقومات تحوي الشروط التالية: الأرض والشعب والاقتصاد واللغة والتاريخ المشترك، والوحدة القوميّة والبيت السياسي الموحد، ومرجعية النظام الديمقراطي في اتّخاذ القرار وضمان الانتقال السلمي للحكم، وقدرة الاقليم على تحقيق التنمية في جميع المجالات، وترسيخ الدستور وضمان احترام حقوق الانسان وفق اللوائح والوثائق الدولية، والرغبة الانسانية الحقيقية للشعب الكردستاني على التعايش المشترك بايجابية وحسن الجوار مع الشعوب المجاورة، والمشاركة الفعّالة في النشاطات الانسانية العالمية، والقدرة على ضمان كافّة الحاجات الحياتية والمعيشية والخدمية لجميع أفراد الشعب، واتباع النظام السياسي المبني على التعددية وفصل السلطات والشعب مصدر النظام ومرجع الحكم.

واليوم ياتي الربيع السوري بمشهد جديد على الساحة الاقليمية وهو التحرك الفعال للشعب الكردي في سوريا وتشكيل ادارات مستقلة للحكم الذاتي مع تواصل الحضور الفعال مع المعارضة ضد النظام في دمشق، وقد بدأت تتبلور بوادر تأسيس كيان شبه سياسي في المناطق الكردية من سوريا.

ونتيجة لهذا التغيير الجديد لصالح الكرد فقد أبدت تركيا مخاوفها من التحولات الحاصلة على الاراضي السورية، وبدأت بالاتصال مع القيادة الكردية في الاقليم لاستيعاب التطورات والتغييرات التي تفرزها ثورة الشعب السوري ضد نظام المستبد بشار الاسد ومن الممكن ان تسبب الكثير من التحولات في المنطقة.
وضمن سياق التوقعات والتنبؤات لما سيأتي به المستقبل للمنطقة، طرحت قيادات كردية تصورات تتسم بقراءة مستقبلية وبدأت تتحدث عن كردستان الكبرى التي تم تقسيمها من قبل بريطانيا وفرنسا الى اربعة اجزاء موزعة على دول مستبدة تسببت في ابادة مئات الالوف من الكرد في عمليات عسكرية سيئة الصيت.

ومن هذه القيادات التي تحدثت في السابق والحاضر عن كردستان الكبرى النائب الكردي في برلمان تركيا أحمد تورك، وكوسرت رسول علي نائب رئيس الاقليم، وقد حملت هذه الاشارات الكثير من المعاني ولكنها في كل الاحوال تظل حبيسة التمنيات الشخصية لان الاجواء المحيطة بالكرد في العراق وفي تركيا وسوريا وايران قد لا تسمح المجال في الحاضر لفتح كل الاوراق، ولهذا فان اعادة بناء كيان كردستان الكبرى تبقى مرهونا بالاوضاع الدولية وبقناعات الدول الكبرى خاصة امريكا وبريطانيا لرسم خارطة جديدة للمنطقة بفعل ثورات الربيع العربي.

وعلى العموم، يبقى الأمر المؤكد ان ما يجري في الاقليم سيلعب دوره في الحاضر والمستقبل لتحديد مصير الكيانات الكردستانية المقسمة على تركيا وايران والعراق وسوريا، لأسباب يمكن ايجازها بما يلي:

1.تأسيس عاصمة لاقليم كردستان وتحديدها بمدينة أربيل التاريخية.
2.وجود حدود ادارية للاقليم وحدود مازالت قيد التفاوض بين اربيل وبغداد بسبب المناطق المتنازع عليها.
3.تأمين مؤسسات حكومية كاملة وموزعة داخل الاقليم ومكتملة ومستقرة في العاصمة.
4.الاعتراف الدولي باقليم كردستان ما زال ضمن سيادة العراق وضمن الاطار القانوني للدستور الدائم.
5.مصادر الثروات الطبيعية مازالت غير مستقرة ولكنها مستثمرة مثل النفط والغاز ولكنها ضمن اطار بعيد عن الشفافية.
6.المقومات الادارية العامة في كردستان مكتملة في اطارها المؤسساتي بجميع مجالاتها الخدماتية والتربوية والصحية والتعليمية وغيرها.
7.لاقليم كردستان علمه ونشيده الوطني.
8.لكردستان العراق مسيرة حافلة بالنضال وقوافل طويلة من الشهداء وتاريخ حافل بالكفاح.
9.للشعب الكردستاني هويته القومية والثقافية المميزة والخاصة به.
10.ارساء النهج الديمقراطي في نقل سلطة الحكم وفق خيار الشعب عن طريق الانتخابات وفصل سلطات الحكم في اقليم كردستان بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

بايجاز، هذه الرؤية تتناولت خيارات اعلان الدولة الكردية المستقلة وقراءة أولية لدعوات اقامة كردستان الكبرى بسيادة كاملة لتحقيق امال واحلام الشعب الكردستاني الذي قدم من اجل حريته وكرامته عشرات ومئات الالوف من الشهداء والمعوقين والمحرومين لضمان اقامة كيان مستقل باسم كردستان من أجل السلام والحرية وكرامة الانسان.

كاتب صحفي ndash; اقليم كردستان
[email protected]