أول من سكن بلاد ما بين النهرين هم السومريون وهم من الأقوام الآسيوية الغير سامية كما اثبت ذلك علم الانثروبولوجى. حتى عربه كانوا قد هاجروا اليه من شبه الجزيرة العربية كما هاجروا اليه فى مختلف العصور اقوام كثيرة منهم الفرس والاتراك والكرد والهنود والأفغان والمغول، وجاء الفتح الاسلامي (او كما يسميه آخرون: الغزو العربي) واعتنق معظم سكانه دين الفاتحين. وأهل العراق حاليا هم نتاج ذاك الخليط من الأديان والأجناس والقوميات، وشكلوا الشعب العراقي كما نعرفه اليوم. المسلمون يتلون الآية الكريمة: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولكننا نجد من العرب من يجد نفسه أكرم من الفرس والكرد او العكس بالعكس، ولا يكتفون بذلك بل يكفر احدهم الآخر وينسون الآية الأخرى: (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان).
اتفاقية سايكس بيكو
تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين تشرين الثاني 1915 وأيار 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على شكل تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. فتم تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال الخصيب: سوريا و لبنان وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فأمتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. وخرقت بريطانيا الاتفاقية وضمت الموصل الى العراق فيما بعد، بعد ان كانت من حصة الفرنسيين.
كردستان
ظهرت كلمة quot;كردستانquot; كمصطلح جغرافي لأول مرة في القرن الـ12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي، سنجر، القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، وأطلق عليه تسمية كردستان. كانت هذه الولاية تضم الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (مناطق سنا، دينور، همدان، كرمنشاه.. إلخ)، إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاخروس، مثل شهرزور وكويسنجق، وكلمة كردستان غير مستعملة في الخرائط والأطالس الجغرافية. كما أنها لا تستعمل رسمياً إلا في إيران. واستناداً إلى مصادر عربية فإن الكرد سكنوا أرض الشام منذ ألف عام أو أكثر، ويميل أغلب المؤرخين لاعتبار أن الشعب الكردي قد وصل إلى الشرق مثل السلاجقة في القرن العاشر الميلادي، وأنهم اشتهروا بفضل سمعة صلاح الدين الأيوبي الكردي الذى قاد الجيش الاسلامي (كل او معظم قادته وجميع جنده من العرب) ضد الغزاة الصليبيين.
وبحسب المؤرخ الكردي محمد أمين زكي في كتابه quot;خلاصة تاريخ الكرد وكردستانquot; يتألف الشعب الكردي من طبقتين من الشعوب: الطبقة الأولى التي كانت تقطن كردستان منذ فجر التاريخ، ويسميها أمين زكي، شعوب جبال زاخروسquot; وهي برأيه، شعوب quot;لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايريquot; وهي الأصل القديم جدا للشعب الكردي والطبقة الثانية: هي طبقة الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم quot;الميديين والكاردوخيينquot;، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معاً الأمة الكردية. وقد ذكر المؤرخ ماكدويل المختص في تاريخ الكرد، أن كلمة الكرد لا تعني اسماً للعرق بل كان يطلق على المرتزقة البارثيين الساكنين في جبال زاخروس.
وهكذا تم تقسيم هذا الجزء من الشرق الأوسط باتفاق بريطانيا وفرنسا دون أخذ رأى سكان المنطقة فظلمتهم جميعا وأدخلتهم فى حروب متلاحقة فيما بينهم قد تستمر لأجيال طويلة قادمة، واصاب الكرد الغبن الأكبر حيث ان المستعمرين لم يراعوا وجود قومية كردية كبيرة موزعة بين تركيا والعراق وايران وسورية. وتشير بعض الاحصائيات الى ان عدد الكرد فى تركيا 23 مليون وفى العراق 6 ملايين وفى ايران 8 ملايين وفى سوريا 2 مليون. ويقدر عددهم فى العالم 45-50 مليون يشكلون أكبر قومية بلا وطن فى العالم كله.
يؤسفنى كثيرا أن أقولها، ولكنى لا أجد حلا للمشاكل بين العراق والاقليم غير الانفصال، فان الخلافات المفتعلة الحالية بين الكرد والحكومة العراقية تزداد حدة فى كل يوم، واستمرارها سيؤدى حتما الى شر مستطير. ونظرة عميقة واقعية الى الوضع المتأزم فى المنطقة وخاصة بعد نشوب الحرب الأهلية فى سورية، يتضح لنا أن العراق معرض للتقسيم الى ثلاثة أجزاء، جزء تحكمه ايران، وجزء تحكمه تركيا، وجزء تتحكم فيه دول عربية مجاورة برعاية أمريكية، وسيختفى اسم العراق واقليم كردستان العراق معا من على الخريطة. فتركيا وايران لن تسمحا بدولة كردية فى جوارهما فهل يعقل انهما ستوافقان على التنازل عن مساحات شاسعة من اراضيهم للكرد لتأسيس دولتهم التى يتوقون اليها وبذلوا الغالى والنفيس لأجل قيامها؟
رئيس وقادة الاقليم يتصرفون وكأنهم دولة مجاورة للعراق وليسوا كجزء منه كما جاء فى الدستور الذى كانوا هم من ضمن الموقعين عليه. فهم يعارضون تسليح الجيش العراقي، ويمنعون تحركاته فى الاقليم، ويعقدون الاتفاقيات السياسية والتجارية ومنها النفطية بدون الرجوع الى بغداد ويقولون انهم يعملون ضمن الدستور. ولا يكفون عن التهديد بالانفصال عن العراق اذا لم يستجيب الى مطاليبها.
وفى هذه الأوقات الصعبة يقف الجيش العراقي وجيش البيشمركه اليوم وجها لوجه، ويكفى أن يقوم أحمق مغرض من اي من الطرفين باطلاق رصاصة فتتحول المواجهة الى مجزرة وحرب سيتدخل فيها الجميع ولا يعلم مداها الا الله، ولا استبعد نشوب حرب عالمية ثالثة قد تكون فيها نهاية البشرية.
اقول لقادتنا فى العراق :لا تشغلوا انفسكم بالأمانى الكاذبة، فتندموا حيث لا ينفع الندم. لقد عانى شعب العراق بعربه وكرده وباقى قومياته كما لم يعانه شعب من قبل، ولا أجد حلا إلا ببتر الاقليم سلميا عن باقى العراق، واذا ما شاء اخوتنا الأكراد فى مستقبل الأيام العودة الى أحضان الوطن الأم، فسنتلقفهم كما تتلقف الأم وليدها. وعلينا ان نتعلم حل المشاكل فيما بيننا بالحسنى ونصبح جارين متحابين تقوم بيننا العلاقات الطيبة كتلك التى تجمع الدول الاوروبية، ويبقى أهل بغداد يستمتعون بلبن اربيل وكباب السليمانية، وأهل اربيل والسليمانية يستمتعون بتمر البصرة وكباب الفلوجة، ويسود بيننا السلام والوئام. والعاقبة للمتقين.
- آخر تحديث :
التعليقات