يحدثنا التأريخ عن ظهور مغامرين باسم القومية او الدين او الطائفية فى معظم انحاء العالم، وغرضهم هو الحصول على الحكم مثل ما فعل أدولف هتلر عندما رفع شعار (المانيا فوق الجميع) وحاول السيطرة على العالم كله، وانتهى حكمه بتدمير المانيا التى قسمت بين الدول التى احتلتها لأكثر من خمسة عقود. وفى عالمنا العربي ظهر جمال عبد الناصر مناديا بتوحيد الدول العربية باسم القومية العربية، وقلده بذلك صدام حسين، وانتهى عهديهما بتدمير مصر والعراق وضياع فلسطين. وجاء اليوم دور سورية التى رفع (اسداها حافظ وبشار) الشعار البعثي الكاذب (وحدة وحرية واشتراكية) ولن يكون مصيرها أحسن من مصير العراق، الذى ما أن تخلص من حكم البعث بمساعدة الأمريكيين إلا وبدأ النزاع بين زعمائه الجدد على الرئاسة، وتفرق العراقيون بتفرق زعمائهم واشتدت بينهم العداوة والبغضاء التى إن لم تتوقف فورا فستقضى على الجميع. وفي ضوء هذه السياسة تم إصدار العفو العام عن البرزانيين، ودعتهم الدولة للعودة إلى وطنهم وذلك في 3 أيلول 1958، وفي 5 تشرين الأول / أكتوبر 1958 عاد الملا مصطفى البارزاني ومعه شقيقه الشيخ أحمد البارزاني وأولاده وعائلته، حيث استقبلوا استقبالاً حافلاً لهم، و صرفت لهم الحكوةالعراقية رواتب سخية فكان الملا مصطفى يتقاضى راتباً شهريا قدره 500 دينار والشيخ أحمد 150 دينار، وخصصت رواتب لكل بارزاني عائد للعراق تتراوح بين 30 ديناراً إلى 150 دينار علما بأن راتب الزعيم كان 180 دينارا. فى خضم هذه النزاعات برز فى شمال العراق زعيم كردي هو السيد مسعود البارزاني نجل الراحل الملا مصطفى البارزاني الذى كان قد حارب حكام العراق فى كل العهود بهدف يؤدى فى النهاية الى انسلاخ ما يسمى ب(كردستان العراق) عن العراق وقيام دولة للقومية الكردية، وبعد وفاته تزعم مسعود الأكراد، واختلف حينا مع السيد الطالباني فى زمن الحكم البعثي، واستنجد بصدام حسين الذى أرسل قواته واجبرت الطالباني الى اللجوء الى ايران. ولم لا وهو يملك اربعين صوتا فى مجلس البرلمان غالبيتهم من مدينة الثورة البائسة التى يخيم على أهلها الفقر والجهل والمرض، والسيد يعرض عليهم جنة الخلد وما فيها من قصور وحور عين وغلمان مخلدين وانهار من خمر ومن عسل مصفى، فلا يترددون فى انتخاب اتباعه الذين ما ان يدخلوا البرلمان حتى ينسون الآجلة وينغمرون بملذات العاجلة فيقتنون القصور ويكدسون الأموال، وهم يدعون الناس الى ان يخشوشنوا فان الترف يزيل النعم!!
هناك خلافات كثيرة عن أصل الأكراد، وهذا لا يهمنى طالما كان كرد العراق يحملون جنسيته ويعتبرون انفسهم من أهله، أما اذا حاولوا الحاق الضرر به لغرض الانفصال عنه مثلما فعل بعض زعمائهم فهذا غير مقبول. ألا يعرف كرد العراق الأضرار الجسيمة التى جلبها لهم ولبقية الشعب العراقي المغامرون من البارزانيين وأمثالهم فى تمردهم على جميع الحكومات العراقية مذ تأسست الدولة العراقية؟ مأساة حلبجة التى قتل البعثيون فيها أكثر من خمسة آلاف كردي من مجموع ما يزيد على المليون قتيل وتشرد مليون آخر منهم وتفرقوا فى انحاء العالم خسرهم الأكراد بصورة خاصة والعراقيون بصورة عامة، فهل هذا يبرر قيام (الثورات) التى دأب عليها المغامرون وخاصة البارزانيون، وعاملتهم جميع الحكومات بمن فيها البعثيون كما عاملت باقى العراقيين فى العراق كله قبل أن يقوموا برفع السلاح ضدها؟
دعونا نتأمل فى القوانين العراقية التى صدرت فى مختلف الأوقات ووضحت حقوق الأكراد فى العراق:
القانون الأساسي العراقي الصادر في 21 آذار 1925
المادة السادسة: لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وإن اختلفوا في القومية، والدين، واللغة. (الإشارة إلى الاختلاف بالقومية لا تجد له أية إشارة في الدستورين التركي والإيراني).
المادة السادسة عشر: للطوائف المختلفة حق تأسيس المدارس لتعليم أفرادها بلغاتها الخاصة والاحتفاظ بها، على أن يكون ذلك موافقاً للمناهج العامة التي تعين قانوناً.
ضم علم المملكة العراقية الذي أقره القانون الأساسي نجمتين بلون أبيض رمزاً للعرب والأكراد في العراق
وشارك الأكراد بفاعلية في إدارة الدولة طيلة العهد الملكي، وآخر حكومة ملكية فى 13 تموز 1958 كانت برئاسة أحمد مختار بابان الكمردي ووزير داخليته الكردي سعيد قزاز ومحمود بابان الكردي بلا وزارة. وإن المجلس النيابي لم يخلوا من تمثيل الأكراد لمناطقهم في كل دوراته الستة عشر.
إلاّ أن الحركات المسلحة الكردية أنهكت وأضعفت الدولة العراقية الحديثة التي بدأها الشيخ محمود الحفيد ثم الشيخ أحمد البرزاني ثم شقيقه الأصغر الملا مصطفى البرزاني.
عند سقوط النظام الملكي صبيحة 14 تموز 1958، ضم مجلس السيادة الذي كان يتولى منصب رئاسة الجمهورية من بين أعضائه الثلاثة عضواً كردياً وهو العقيد خالد النقشبندي، كما مثل الأكراد وزير واحد وهو بابا علي الشيخ محمود الحفيد من أصل عشرة وزراء تضمهم الوزارة الأولى وتم تعيين ضابط كردي المقدم عبد الفتاح الشالي عضواً في المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب).
الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر فى 27/7/1958 ndash; المادة 3
ـ يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية.
وتم تصميم العلم العراقي للعهد الجمهوري والشعار من قبل الفنان (جواد سليم) منطلقاً من هذا الفهم حيث تم تضمين العلم رمزاً يشير إلى الأكراد وهو الدائرة الصفراء وسط النجمة الثمانية الحمراء والتي أشار قانون العلم إلى أن اللون الأصفر فيه يشير إلى لون راية صلاح الدين الأيوبي، كما تضمن شعار الجمهورية العراقية الخنجر الكردي الى جانب السيف العربي.
وقد حققت الحكومة بعض المنجزات للشعب الكردي، فبالإضافة إلى إقرار شراكة العرب والأكراد في الوطن معترفة بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن الوحدة الوطنية العراقية، تأسست مديرية المعارف الكردية والتدريس باللغة الكردية في مدارس كردستان. كما وأجازت الحزب الديمقراطي الكردستاني في 9 شباط 1960 وصحيفته (خه بات) الناطقة بإسمه قبل ذلك التاريخ وعدد من الصحف الكردية الأخرى. واعترفت بعيد نوروز عيداً قومياً للشعب الكردي.
لكن كل هذا لم ينفع، ولم يجاز إلاّ بالمواجهة ووضع العصي في عجلة الدولة، بل إن البعض شارك في مذبحة الموصل في الأحداث التي عرفت بثورة الشواف في آذار 1959، وبعدها بأربعة أشهر وفي 14 تموز 1959 قاموا بمجازر كركوك.
الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر فى 29 نيسان 1964 المادة 19
ـ العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلاتمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو أي سبب آخر، ويقر هذا الدستورالحقوق القومية للأكراد ضمن الشعب العراقي في وحدة وطنية متآخية.
الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر فى 21 ايلول 1968 المادة الحادية والعشرون
ـ العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق أواللغة أو الدين ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بما فيهم العرب والأكراد ويقرهذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية.
الدستور المؤقت للجمهورية العراقية الصادر في 16 يوليو 1970
المادة 5: ب - يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين، هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية.
المادة 7
أ - اللغة العربية هي اللغة الرسمية
ب - تكون اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكردية
ج - تتمتع المنطقة التي غالبية سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي وفقاً لما يحدده القانون
مشروع الدستور الدائم لجمهورية العراق الصادر في 7 تموز 1990
المادة السادسة: يتكون الشعب العراقي من العرب والأكراد. ويقر الدستور حقوق الأكراد القومية ويضمن الحقوق المشروعة للعراقيين كافة ضمن وحدة الوطن والدولة والمجتمع
المادة السابعة: اللغة العربية هي اللغة الرسمية. وتكون اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في منطقة الحكم الذاتي
المادة الثانية عشر: تتمتع المنطقة التي غالبية سكانها من الأكراد في العراق بالحكم الذاتي بموجب القانون، في إطار وحدة العراق القانونية والسياسية والاقتصادية، ووحدة شعبه.
المادة الثانية والعشرون: ثانياً: يعمل المجتمع على تأكيد قيم التآلف الاجتماعي العليا بما يمنع ترويج الأفكار والمناهج الطائفية، أو العنصرية، أو الإقليمية، أو الشعوبية.
دستور جمهورية العراق تشرين الأول 2005
المادة (3):
العراق بلدٌ متعدد القوميات والاديان والمذاهب، وهو عضوٌ مؤسسٌ وفعالٌ في جامعة الدول العربية وملتزمٌ بميثاقها وجزءٌ من العالم الاسلامي.
المادة (4):
اولاً :ـ اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم ابنائهم باللغة الام كالتركمانية، والسريانية، والارمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية، وفقاً للضوابط التربوية، او بأية لغة اخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة.
منذ قيام المملكة العراقية بعد ان تحرر العراق من الحكم العثماني بدأ بعض الزعماء الأكراد فى شمال العراق بالاشتباكات مع الجيش العراقي الفتي، وأخذوا يبثون الحماس بين الشباب الكرد لاقامة دولة كردية، بالرغم من تعامل الحكومة العراقية معهم لم يكن يختلف عن تعاملهم مع بقية القوميات فى العراق، فقد كان فى الجيش العراقي ضباطا منهم حصلوا على أعلى الرتب، ومنهم وزراء.
بعد سقوط البعث اشترك السيد مسعود بالحكومة الجديدة والتزم الصمت لحين خروج الأميركان من العراق، وقام فى اثناء ذلك بتقوية جيشه وتزويده بالأسلحة الثقيلة والخفيفة التى تركها جيش صدام بعد سقوطه فى كردستان وبدأ يدرب جيشه (البيشمركة) أحدث تدريب ليكون جاهزا ليوم الانفصال واعلان جمهورية كردستان، مستخدما الأموال التى ترده من الحكومة الاتحادية بالاضافة الى ما يصدره من النفط العراقي خفية، وهو يردد من حين لآخر بأنه عراقي وملتزم بالدستور العراقي، لغرض كسب الوقت فقط. وفى كل يوم يمر تزداد قوة جيشه وتتقزم امامها قوة الجيش العراقي.
ولم يكف عن المحاولة بشتى الطرق للحصول على السلاح ومن ضمنه الطائرات الحربية، حيث زار أمريكا وعدة دول اوربية لهذا الغرض، بينما حاول ويحاول جهده عرقلة حصول حكومة بغداد -التى تملك أضعف جيش فى المنطقة- من الحصول على الطائرات والأسلحة الثقيلة متهما اياها بالاعداد لمهاجمة كردستان، وأصبح فى صف الدول المجاورة التى تريد ان يبقى العراق ضعيفا لتحقيق مآربهم، ونجحوا بذلك حتى الآن.
هذا من الناحية العسكرية، أما من الناحية السياسية فقد كان الجو مهيئا للسيد مسعود لاضعاف الحكومة الاتحادية بسبب النزاع بين الزعماء السياسيين على كرسي الرئاسة وانقسموا الى عدة مجموعات متناحرة، بعضها يدعى الدفاع عن الدين والمذهب وبعضها الآخر يتظاهر بالدعوة الى فصل الدين عن الدولة، وكل منهم يتهم الآخر بالعمالة وسرقة أموال البلد، ورئيس الوزراء متشبث بكرسيه بدعوى حصوله عليه نتيجة للانتخابات، ولا يجد الوقت الكافى فى كل هذه الفوضى ان يركز على اعادة إعمار البلد المخرب بسبب محاربة خصومه له ولا يرضون بأقل من سقوطه. فالوزراء المفروضون عليه ولاؤهم لكتلهم وليس للدولة، وكذلك الجيش والشرطة وكافة قوات الأمن، الا ما ندر.
هذه الفوضى شجعت السيد مسعود الذى قرر صب الزيت على النار لاضعاف الحكومة ومن ثم إسقاطها لتحصل فوضى واضطرابات فينتهز الفرصة ويستولى على كل المناطق المختلف عليها ويضمها الى كردستان. فتقرب الى حكام تركية عدوة الأكراد الأولى واجتمع بقادتها ووعدوه خيرا وهم بلا ادنى شك ينوون شرا، واتصل بالدول العربية المناوئة للعراق فزارهم وحصل على مباركتهم. وكان قد اتصل بالجهات المعارضة للحكومة الحالية فدعاهم عدة مرات الى اربيل لتأسيس جبهة قوية لاسقاط الحكومة، وتم له اختراق التحالف الوطني فاستدرج زعيم الكتلة الصدرية واستقبله استقبالا حافلا وفرش له البساط الأحمر وسماه (سماحة السيد) الذى لم يكن يتوقع كل تلك الحفاوة التى يستقبله بها الزعماء فى العراق وخارجه.
ولكي لا يتبادر الى ذهن أحد من أن البارزاني قد أهمل زعماء السنة، قام باستدراج بعض مشايخ الدين السنة الى اربيل وكذلك بعض شيوخ القبائل ومنهم من يطلق على نفسه لقب رئيس عشائر أو أمير عشائر الذى قابله قبل ايام فى اربيل عاصمة اقليم كردستان حاليا والعراق بأكمله مستقبلا، وبعدهم قام النائب السابق السيد مثال الألوسي بزياة مسعود وكال له المديح وشن هجوما عنيفا على الحكومة الاتحادية.
وهكذا أثبت السيد الرئيس مسعود البارزاني مقدرة سياسية عالية تؤهله لأن يكون ليس فقط رئيسا لاقليم كردستان بل رئيسا للعراق كله إن شاء ذلك، فمرحى له، وعين الحسود فيها عود، وأقول له كما يقول البغدادي فى مثل هذه الحالة: عفيه عليك اشلون دبرتها.
فى الثانى من الشهر الجارى كتبت (الحياة) الطبعة السعودية تحت عنوان: العراقية تتهم المالكي بالتصعيد ضد الأكراد للتغطية على الأزمة (كذا؟)، ومما جاء فيه: وقال الزوبعي فى تصريح له الى (الحياة) ان الأزمة بين الاقليم والمركز بدأت تطغى على المشاكل الاخرى وتأخذ ابعادا كبيرة، منها محاولة تشويه سمعة العراقية لعلاقتها وتحالفها مع الأكراد، وأضاف ان (المالكي والتحالف الوطني اخذا يستفيدان من هذه الأزمة من خلال استغلالها اعلاميا واظهار نفسه بأنه هو الحامي لحدود المحافظات، لاسيما التى تمثل قاعدة جماهيرية للعراقية مثل الموصل).
وهكذا أثبت قادة القائمة العراقية وحلفاؤها تهاونهم فى حقوق الشعب العراقي ومحاولاتهم المستميتة اليائسة لاسقاط الحكومة الحالية لربما يستفيدون من الفوضى التى قد تترتب على ذلك فيحصلون على المكاسب دون المبالات بالنتائج.
- آخر تحديث :
التعليقات