الدولة السوفيتية السابقة كانت وراء نشوب حرب حزيران 67 من خلال توريط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فيها بالرغم عنه.
في تلك المرحلة كانت مصر متورطة في مستنقع الحرب في اليمن مع استنزاف في قوتها العسكرية والاقتصادية بالاضافة الى انها كانت في صراع وخلافات مع معظم الانظمة في الدول العربية.

دمشق كانت تحت استيلاء صبية البعث رافعة شعار حرب التحرير الشعبية، على غرار الحرب الفييتنامية، لتحرير فلسطين. الزعران البعثي كان يعلن وبصراحة ان طريق تحرير فلسطين لا بد ان يمر من عمان والرياض اولا، اي القضاء على الانظمة الملكية الرجعية المتخلفة فيها على حد قولهم.

تحرير فلسطين والقاء اسرائيل في البحر في ذلك الزمن كان مجرد شعار للمزايدات العنترية لدى كل الانقلابيين الثورجيين التقدميين من الجزائرالى العراق واليمن وسوريا والسودان ومصر، اي من المحيط الى الخليج.الجميع يكيلون الاتهامات ضد بعضهم بالكذب والنفاق والعمالة والاختباء وراء شعارات التحرير كسلعة كلامية لا علاقة لها بفلسطين على الاطلاق حسب اقوالهم وحربهم الاعلامية الجعجعائية الناجحة فيما بينهم بالعكس من الحرب الحقيقية الفاشلة التي ادت الى هزائمهم المشينة.

اولى الخطوات الى الحرب بدأت بتسريب المخابرات السوفياتية ك ج ب انباء عن ان اسرائيل تحشد قوات ضخممة على الجبهة لمهاجمة سوريا وظهر لاحقا ان النبأ كله كان مجرد اختلاق لا اساس له، اذ لم تكن هناك لاحشود ولا تهديدات البتة.

استغل صبية البعث في دمشق الاجواء المشحونة ضد الوجود الاسرائيلي وشنت ابواقها حربا اعلامية شعواء على ناصر وانهالت عليه بالشتائم والرذالات متهمة اياه وكل العرب بالجبن والخيانة وتدعو ناصر الى عدم ترك دمشق لوحدها امام اسرائيل وامريكا والامبريالية والرجعية العربية...الى آخر ما يمتلئ به القاموس النضالي الكلامي البذيء للبعثيين.
طالبت دمشق ناصر الى اغلاق مضائق تيران وهي عبارة عن جزر وممرات مائية في البحر الاحمر والتي تشكل المنفذ البحري الوحيد لاسرائيل على العالم، اي شريان الحياة للدولة العبرية.

اضطر ناصر الى اغلاق المضائق. اسرائيل اعتبرت تلك الخطوة بمثابة اعلان الحرب عليها. سيناء كانت خالية من الجيش المصري حسب اتفاقات الهدنة السابقة. طلبت مصر من الامم المتحدة سحب قواته من المراقبين الدوليين من سيناء. الحرب صارت في انتظار تعيين ساعة الصفر.

سحبت مصر قواتها المنهوكة من حرب اليمن وارسلتهم على عجل الى سيناء لتلتقط الانفاس في حمأة المعارك الخاطفة وعلى حين غرة.
حتى لحظة اشتعال المعارك لم يكن لدى ناصر اية نية لدخول الحرب وكل تحركاته العسكرية الشكلية و حمم مدافع المرحوم احمد سعيد عبر الاثير في اذاعة صوت العرب لم تكن تتعدى كونها تهديدات وعرض عضلات لاسكات هيئة اركان حرب الاناشيد البعثية الحماسية وبذاءاتها الشتائمية في اذاعة دمشق وردع اسرائيل من شن حرب لم يكن ناصر قد استعد لها اطلاقا او حتى مجرد التفكير فيها.

ناصر كان قد كسب سابقا حرب سيناء سياسيا عام 1956 بالرغم من هزيمته عسكريا امام انكلترا وفرنسا واسرائيل. اعتقد الزعيم العربي ان التاريخ سيعيد نفسه وانه سينتصر دون حرب واراقة دماء ولكنه لم يكن يعلم انه في هذه المرة قد وقع في شرك اتفاق سوفييتي بعثي وربما اسرائيلي تم اعداده باتقان ولا فكاك منه ؟. وهكذا اشتعلت الحرب في 5 حزيران وحدث ما يعرفه الجميع. حينها كنت في التاسعة عشرة من عمري وفي اليوم الثاني لامتحانات الثانوية العامة.

معظم الدول العربية شاركت في تلك الحرب مثل الاردن بجيشه و العراق ببعض القطعات العسكرية وبعضهم بالاذاعات والاناشيد والآخرون بالشيكات المصرفية ومنهم من فتح الخيم على القناة لتقديم القهوة المرة والدق على الربابة واطلاق الرصاص في الهواء واثقين من النصر.لقد جاء النصر ولكن على طريقة الرفاق البعثيين.

ناصر ومصر والملك حسين والاردن ذهبوا ضحايا المؤامرة السوفياتية البعثية واعترفوا بالهزيمة الا quot;سوريا البعث quot; التي اعلنت انتصارها ببيع قطعة من الارض، الجولان، مقابل بقاء quot;النظام الثوري الاشتراكي التقدمي القومي...quot; شوكة في حلق الامبريالية والصهيونية والرجعية...والدليل كان الاصرار على الكفاح اذاعيا بترديد quot;لا صوت يعلو فوق صوت المعركةquot;.

السؤال هو: هل نحن الآن امام نفس السيناريو على ايدي الروس ولكن بتوريط تركيا و رئيس حكومتها السيد طيب اردوغان هذه المرة.ولماذا لا؟
روسيا على رأسها اليوم الرئيس فلاديمير بوتين خريج الاستخبارات السوفيتية الشهيرة ك ج ب وسوريا لاتزال في قبضة البعث وتحكمها عصابات اسوأ من السابق وان حدث تطور في حرب الاناشيد من quot; اضرب لا ترحم اعداءك quot; عام 67 الى quot;سوريا يا حبيبتي quot; اليوم. ظروف احتمال انجرار تركيا واردوغان الى الحرب تشبه الى حد بعيد الظروف التي كانت تتحكم بناصر ومصر ان لم نقل اقوى منها.

هل كان من الممكن ان يتفادى الرئيس ناصر الدخول في الحرب؟ لا بكل تأكيد.... كان الامر مستحيلا...والسبب كان ذلك الدور المتضخم الذي اعطاه ناصر لنفسه، اي قائد الامة العربية واملها في تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية ورئيس اكبر دولة وجيش عربي و لعبه ادوارا عالمية مبهمة مثل زعامة كتلة quot;الحياد الايجابي quot; ومحاربة الغرب وجميع الانظمة العربية.

هل كان لناصر وهو يحمل كل تلك الصفات و الالقاب ان يأخذ دور المتفرج والاخ السوري الاصغر والمزاود يستنجد مستغيثا وهو في براثن العدو الصهيوني؟ ان ذلك كان يعني نهاية مفجعة لناصر وربما احتمال سحله في الشوارع!!.السحل في الشوارع كانت موضة جديدة حينها و ابتكرها ثورجية العراق للانتقام كما حصل لنوري السعيد وكذلك عبد الكريم قاسم في العراق. للانصاف لم يكن لقاسم يد في سحل نوري السعيد، الا ان حثالات البعث انتقمت منه بذلك الاسلوب الخسيس.

هل الدور الآن على تركيا ورئيس حكومتها السيد طيب اردوغان ؟
اذا قمنا بالمقارنة بين المرحوم ناصر واردوغان اليوم سوف يكون الجواب بنعم. فالسيد اردوغان لا يقل عن ناصر في تضخيم الذات والدور، اذا لم نقل انه متقدم على ناصر بخطوات.

اردوغان يعتقد ويكرر باستمرار انه يقود تركيا الدولة الكبرى، و أكبر قوة عسكرية في الناتو وقوة اقتصادية عظمى وقائدة العالم الاسلامي والزعيمة الاقليمية بلا منازع.
اردوغان ذهب الى ابعد من ناصر في هذا المجال وذلك من خلال ترديده في الفترة الاخيرة امام المؤتمرات الحزبية وامام اجهزة الاعلام المرئية والمقروءة ان تركيا لن تقبل ان يقدم نظام حكم في المنطقة الى قتل الابرياء العزل من شعبه وان ذلك عرف وتقليد يشتهر به الاتراك منذ آلاف السنين وانه ملتزم بهذا المبدأ.

اذن زعيم بوزن اردوغان بهذه الصفات ودولة كبرى مثل تركيا بتلك المواصفات كيف يمكن ان تقبل الضيم من دولة قزمة quot;فصعونة quot; مثل سوريا ؟ طبعا لن يسحل الشعب التركي اردوغان ولكنه وحزبه سيخسرون المصداقية والسلطة امام اي تخاذل من استقزاز سوري على الحدود.

طبعا موقف اردوغان هو للاستهلاك المحلي وهي نفس المصيدة التي وقع فيها ناصر وتمكن البعثيون والروس من اصطياده ولكن على يد اسرائيل.
اول خطوة في الاقتراب من حرب متوقعة كان اسقاط الطائرة التركية من الجانب السوري والرد التركي جاء بسرعة وذلك بتبديل قواعد الاشتباك وهي خطوة ضعيفة ان لم نقل تخاذلية وهو تهديد كلامي سمعناه باستمرار منذ انطلاق الانتفاضة السورية.

اي اسفزاز او اشتباك او اعتداء استفزازي مهما كان صغيرا ولو بضع قذاءف مدفعية من قبل سوريا كفيل باشتعال معارك كبيرة وربما حرب بين سوريا وتركيا مع احتمال كبير الى تحولها الى حرب اقليمية.

الخطورة هنا هو ان المبادرة هي بيد النظام السوري وخبرة روسية وربما دعم ايراني وذلك للاسباب التي اتينا على ذكرها كنسخة تكاد تتطابق مع ظروف حرب حزيران 67.

طبيب كردي سوري
Bengi.hajo48mail.com