الزيارة التي قام بها مؤخرآ السيد وزير خارجية تركيا الى إقليم كردستان ومنها تسلل خفية الى محافظة التأميم وإلتقى محافظها ورئيس مجلس المحافظة فيها بدون علم السلطات الإتحادية في بغداد تحمل الكثير من الدلالات والمعاني، فالزيارة تأتي في وقت تشهد المنطقة حالة من الأستقطاب الشديد وتحشيد إعلامي غير مسبوق في ظل تداعيات الأزمة السورية التي باتت تلقي بظلالها شيئآ فشيئآ على كل منطقة الشرق الأوسط الذي يراد له التَبَلور والولادة من جديد حتى لو دفعت شعوب هذا الشرق البائس الملايين من الضحايا، فالزيارة هدفها الأول تحشيد أكراد العراق ودفعهم للتأثير على أكراد سوريا لينخرطوا جديآ في المؤامرة التي تستهدف بلدهم، أما التسلل الى كركوك فهي رسالة تركية مهمة موجهة بالخصوص الى بغداد للضغط عليها لتغيير موقفها من الأزمة السورية، فحواها إن تركيا ممكن أن تعيد النظر بموقفها الرافض للتوسع الكردي في منطقة كركوك وما يسمى بالمناطق الأخرى المتنازع عليها مقابل بعض الإمتيازات للأقلية التركمانية في هذه المدينة، سيما وأن تركيا وبتحريض من بعض الدول العربية وخاصة الخليجية وبإيعاز من الراعي الأمريكي الكبير قد زادت في الفترة الأخيرة من نطاق تعاونها وإبرامها للصفقات مع الإقليم الكردي المتمرد. ومن الملاحظ إن السياسة التركية في الفترة الأخيرة وفي ظل قيادة حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان أخذت تنحى منحى خطيرآ خاصة تدخلاتهم السلبية في شؤون جيرانهم وخاصة في الشأن العراقي والسوري، فهم رأس حربة المشروع الأمريكي في سوريا، وقد جعلوا من تركيا أداة طيعة بأيدي الغرب ليُمَرر من خِلالها مؤامراته ضد المنطقة، ظنآ منهم إن هذه السياسة سوف تُبعِد عنهم ما يجري في محيطهم وتنأى بتركيا من ما هو مرسوم ومخطط له من تفتيت وحروب عرقية وطائفية دامية سوف تطال أغلب دول الشرق الأوسط، وريثة الدولة العثمانية ليست إستثناء أبدآ والسيناريو السوري، والعراقي، واللبناني سوف يزحف إليها عاجلآ أم آجلآ، حيث نسيجها الإجتماعي عبر المتجانس فطوائفها وأقلياتها العرقية تعاني مظلومية تأريخية لا زالت مستمرة. إن وزير خارجية تركيا السيد أحمد داوود أوغلوا ما كان ليجرأ على دخول مدينة كركوك لولا الحماية الكردية التي وِفِرَت له وهذا يؤكد إن السيد مسعود برزاني رئيس الإقليم أراد أن يرمي بتحدٍ آخر في وجه الحكومة المركزية في بغداد عن طريق التجاوز على مناطق ومحافظات غير محسوبة على إقليمه، حيث إعتاد السيد مسعود برزاني على خلق المشاكل والأزمات،وتَوتير الأجواء السياسية في العراق، والمعارضة الدائمة، والخروج عن الإجماع الوطني العراقي حتى ولو كان هذا الإجماع في أبسط صوره، أما تغيير إتجاه بوصلته ناحية تركيا ليستقوي بها على الداخل العراقي وهي العدو اللدود لطموحات الشعب الكردي حيث يعاني أكرادها القتل والتشريد والحرمان من أبسط الحقوق فهذه حالة ليست بجديدة على السيد مسعود ويتذكر الجميع وخاصة خصومه من الأكراد كيف إستعان البرزاني الإبن في تسعينات القرن المنصرم بصدام في خضم الصراع الذي كان محتدمآ للسيطرة على مناطق كردستان العراق،ومن يريد إستقرار العراق لا بد له أن يضع نصب عينه تحجيم نفوذ السيد مسعود الذي بدأ يزج نفسه في المعادلات الإقليمية الكبرى يغامر ليس بمستقبل أكراد العراق فحسب بل بمستقبل العراق كله. والشعب العراقي في حالة هيجان وغضب عارم من هذا الخرق التركي لسيادة العراق ويُطالب بتصعيد الموقف ضد تركيا الى أقصى مدى وعلى كافة المستويات فأوراق الضغط العراقية كثيرة منها السياسية، والإقتصادية، والدبلوماسية، وحتى العسكرية عن طريق دعم مجاهدي حزب العمال الكردستاني التواقين الى الحرية والإنعتاق من الإحتلال التركي،،عندها سوف تفهم تركيا إن رسالتها الموجهة الى بغداد قد رَد عليها العراق برسائل متعددة.
حيدر مفتن جارالله
- آخر تحديث :
التعليقات