مما يؤسف له هو وجود شخصيات عربية وكوردية تتحدث عن القضية الكوردية وكإنها حق خاص لشخص أو لفئة أو لمجموعة تنظيمية، أو كإنها مزاد علني يقتصر على من يفاوض هذا الطرف، أو ذاك الطرف الآخر.

ومما يؤسف له أكثر إن بعض الجهات أيضاً العربية والكوردية تبدي رأيها إرتجالياً وتعسفياُ سواء على مستوى بعض الأفراد أم على مستوى بعض الجماعات دون أن تملك الشجاعة الكافية، والبصيرة التاريخية، والوسائل المعرفية، والرؤيا القانونية لتجشم عناء البحث الحقيقي عن مرتكزات وأبعاد هذه القضية.

ومما يحز في النفس أكثر إن بعض الجهات الكوردية تزعم إنها أكدت لجهة دولية معينة أو لجهة إقليمية معينة إنه ينبغي حل القضية الكوردية ضمن إطار معين، وعندما نسأل هذه الجهة فإنها تؤكد : إنه فعلاً تم طرح معالجة القضية الكوردية ضمن المسائل الوطنية الأخرى، لكن لم يعلن الطرف الكوردي موقفه النهائي الثابت أوتمسكه بحل معين.

ومما يحز في النفس أكثر إن بعض الشخصيات العربية في المعارضة تحاول بأساليب بدائية، إما أن توهم الآخرين بوجود شخصيات كوردية حواليها، وإما أن تسعى إلى إلغاء دور الكوردي في الثورة السورية وكإني بها تقول : إن هذه الثورة هي ثورتنا وسوف نحل القضية الكوردية فيما بعد وعلى طريقتنا الخاصة.

ونضيف مباشرة إن طرح القضية الكوردية بهذه الصورة، أو الحديث عنها كيفما أتفق، وكإن ذلك بديل لحل عام أو كإنه نوع رخيص من التهديد والوعيد من أي طرف كان، هو يضر بالقاعدة السياسية الإجتماعية في علم الثورة بالمنطوق الحديث : الثورة هي ملك للشعوب ليس لإنه مصدر السلطات وإنما لإنه مصدر القوة أيضاً، وليس لإنه مصدر السلطة التشريعية وإنما لإنه أصبح مصدراً للتشريع نفسه.

ومن المحقق إن المسألة، وإن بدت الآن في حوزة بعض الشخصيات، أو في سلة بعض من التنظيمات التي تطرح القضية بإسلوب لايستند إلى حيثيات ذاته الحقيقية، هي أعمق من كل تصور جانبي لإنها وبكل بساطة تخص الوجود القانوني والسياسي والإجتماعي والتاريخي والثقافي لهذا الشعب الذي هو الوحيد من سيقرر نوعية وحدية الحل القادم، سيما إن أدركنا إن الطاقة الشبابية هي المرتكز الوحيد الفعال في تأجيج النشاط الحركي الثوري الحالي والقادم.

لكي تنجلي الصورة برؤية مجسمة ذات طبيعة معرفية دقيقة لامندوحة من تبيين الأعماق التالية :
العمق الأول : إن معادلات الموازنة القادمة في مرحلة ما بعد نظام بشار سوف تختلف ndash; وهاهي قد شرعت بالإختلاف ndash; كلياً وجذرياً عن المعادلات السابقة ليس في طبيعتها أو مضمونها فقط إنما حتى في كيفية تأصيلها.

العمق الثاني : إن من كبرى نتائج تلك المعادلات، هي إن إيجاد حل لأي قضية كانت، سواء أكانت القضية الكوردية أم غيرها، لن يكون منغلقاً ومقتصراً على الأطراف المتفاوضة، كما هي العادة حتى هذه الساعة، إنما ينبغي مشاركة الصاحب الحقيقي لكل قضية، وهذا الصاحب بالنسبة للقضية الكوردية هو الشعب الكوردي والقوى الفعالة فعلاً في ميدان العمل الحركي.

العمق الثالث : وكذلك من كبرى نتائج تلك المعادلات، هي إن التجمعات الداخلية والخارجية التي أستندت في قاعدتها السياسية إلى مرتكزات نظام بشار، لن تكون قادرة على الأستمرار في نفس المنهج دون أن تغير طبيعتها بالذات وتحديداُ. ولاأقصد هنا تغيير معادلات التكتيك فهذه مسألة أولية، إنما القصد الفعلي هو ألتزامها بمنهج جديد وروح جديدة.
العمق الرابع : وكذلك ضمن نتائج الثورة السورية أود أن أضرب هنا مثلاً جلياً للقاصي والداني وهو جماعة الأخوان المسلمون، إن هذه الجماعة لن تكون قادرة لامن قريب ولا من بعيد الدخول في المعادلات السياسية إلا، وشرط إلا، أن تنشيء لنفسها حزباً مدنياً سياسياً تشمل كل أطياف وشرائح المجتمع السوري.

العمق الخامس، الفقرة الأولى : الثورة السورية هي ملك لكل أفراد الشعب السوري حيث إن مفهوم الشعب هنا مرتبط بالدستور والسيادة والدولة، كما إنها ملك للشعبين العربي والكوردي على السواء حيث إن مفهوم الشعب هنا مرتبط بالشأن الأثني الخاص بكل منهما، كما إنها ملك لكل طائفة منضوية تحت هذا المنطوق وذاك المعنى. ( وهذا هو مبدأ توزيعية الثورة ).

العمق الخامس، الفقرة الثانية : ومن نتائج الفقرة السابقة إنه لايحق لآحد، ولا يستطيع أحد التفرد بالسلطة القادمة، ولا بمسألة توزيع الحقوق، ولا بتحديد مصير أبعاد الثورة. ( وهذا هو مبدأ خصوصية الثورة ).

العمق السادس : الحق الكوردي، أرتأينا أن نؤصل هنا لمفهوم الحق لإنه أقوى وأصدق وأدق من مفهوم القضية أو المسألة من جهة أولى، ومن جهة ثانية لإننا إزاء نتائج الثورة، أي إنه هنا يحق للشعب الكوردي، ومن المفروض أن يكون كذلك، أن يأخذ حقه كاملاً ويمارسه كاملاً دون الوقوع في شرط فخ المطالبة وإنتظار الطرف الآخر كي يرد عليه، طبعاً هذا لايلغي مفهوم الحوار وحتى التفاوض وكل ما يتعلق بالتفاهم، لإننا هنا نطرح الموضوع من زاوية المبدأ.
ولكي يكتمل الموضوع من هذه الزاوية تحديداُ لامحيض من التركيز على الأسس التالية:
أولاً : من الزاوية السياسية:
الأساس الأول : إذا كانت الدولة التركية، وبمباركة من الولايات المتحدة، تراقب التطورات في المنطقة الكوردية تحت ذريعة وجود عناصر من حزب العمال الكوردستاني فينبغي عليها أولاً أن تحل القضية الكوردية لديها بالطرق السلمية وبإشراف دولي من الأمم المتحدة.

وفي مطلق الأحوال إن أي تدخل تركي تحت هذا المسوغ، فإن الشعب الكوردي في سوريا سوف يعتبر ذلك ليس عملاً عسكرياً ضد حزب العمال الكوردستاني فحسب بل عملاً عدائياً ضد طموحات وأماني هذا الشعب في ممارسة حقوقه المشروعة بحرية وسلام.

علاوة على ذلك، يحق للشعب الكوردي في سوريا أن يدافع عن حقوق أشقائه في تركيا بكل الوسائل السلمية والقانونية والمشروعة دولياً.
الأساس الثاني : من المؤكد إنه إذا ما هدأت الأحوال، فإن المجال الطبيعي لحزب العمال الكوردستاني وسلاحه هو في تركيا بالمطلق وليس في منطقة كوردستان سوريا.
الأساس الثالث : إن الإتحاد الديمقراطي، ورغم أختلافنا معه من زوايا خاصة، هو تنظيم كوردي سوري يدافع عن القضية الكوردية في هذا المجال، ويمثل شرائح معينة ضمن المجتمع.

الأساس الرابع : من حيث المبدأ، من المفروض على الأخوة العرب تفهم حالة القضية الكوردية في سوريا، وإعتبارها جزءاً بنيوياُ من الحل وشريكاً موضوعياً في تأصيل الديمقراطية، وليس جزءاً سلبياً في المشكلة العامة.
ثانياً : من الزاوية الخاصة:
الأساس الأول : لاأحد من الشعب الكوردي ينادي بإنشاء كيان مستقل، مع العلم إنه ومن الزاوية التاريخية والقانونية ( ولا أقول من الزاوية السياسية والموضوعية ) يحق لهذا الشعب إنشاء كيانه المستقل وهو متطابق مع منطلقات الشريعة الإسلامية والشرائع الوضعية والمواثيق الدولية.
الأساس الثاني : لايوجد أحد من الشعب الكوردي إلا ويلتزم طوعاً وعن قناعة بالحفاظ على حدود الدولة ويعتبر ذلك من المسلمات الأولية، ولا يناقش حتى في جذور هذه المسألة.
الأساس الثالث : لايوجد أحد من الشعب الكوردي إلا ويلتزم بوحدة نسيج المجتمع السوري وشمولية هذه الوحدة ولذلك هو يلغي من ذاكرته المناداة بالكونفيدرالية كي يحافظ على وحدة المجتمع نفسه.

ثالثاً : من الزاوية العامة :
الأساس الأول : ليس من مصلحة الثورة ونتائجها الإسئثار بمبدأ التسلط والسلطة، أوفرض أطروحات ذات معالم خاصة، أو منطلقات نظرية قصيرة المدى، أو الإنحصار في مجال ضيق لرؤية خصائص مجمل الحيثيات الوقائعية، لإن ذلك من شأنه خلق إشكالية كبرى قد تؤدي إلى ظواهر غير محمودة العواقب على الإطلاق.
الأساس الثاني : سوريا هي ملك للجميع، والدولة هي وظائف للكل، والمواطنة هي شرعنة مبدأي الحقوق والواجبات، أي مبدأ المساواة، لكن الخصائص القومية والأراضي التاريخية عليها أن تؤكد ذاتها من خلال بنود معتمدة في دستور البلاد.

رابعاً : من الزاوية القانونية :
تمهيد : على مدار عقود من السنين كانت الأحزاب الكوردية في سوريا تسأل نفسها سؤالاً خاطئاً من الزاوية القانونية، ولقد كان يدور حول مفاد هو : هل نحن شعب أم اقلية.
هذا السؤال أتى بصيغة إما أن نكون شعباً ولسنا عندها أقلية، أم إننا اقلية ولسنا عندها شعباً.

من الزاوية القانونية مفهوم الأقلية ليس هو نقيض منطوق الشعب، إنما هو نقيض الأغلبية أو الأكثرية ضمن سياق نسبوي في مختبر واحد، ولذلك لاعلاقة لمفهوم الشعب بمضمون النسبة ما بين شعبين أو أكثر. ففي فرنسا القديمة التي تشكلت من عدة شعوب متوحدة جغرافياً، كان الشعب الغالي يمثل الأكثرية.

الأساس الأول : بما إن المنطقة الكوردية لم تكن تاريخياً إقليماً سورياً، إنما لحقت بهذه الأخيرة وفقاً لإتفاقية سايكس بيكو وأقتسمت عن الأم بصورة قسرية، فإنه من الزاوية القانونية يحق لهذا الشعب أكثر مما هو معتمد في الحكم الذاتي بكافة أشكاله وأنواعه، وتحت أي صيغة كانت.

الأساس الثاني : بما إن مفهوم القومية مرتبط بالأرومة والأصل الأثني حصرياً، وبما إن مفهوم الأمة مرتبط بمفهوم القومية من زاوية أوبالحاضنة الجغرافية ( فرنسا، المكسيك،الهند..) من زاوية أخرى، وهما كانا ينطبقان على الكورد في سوريا، فلابد من القول من إنهم جزء من شعب تلك القومية أو جزء من شعوب تلك الأمة.
وبما إنه قد دخل تحت سيادة الدولة السورية وهو لاينتسب تاريخياً إلى الشعب السوري الآخر، وبما إنه يملك أراضيه الخاصة فيه، فهو لايمكن إلا أن يكون شعباً مستقلاً، سيما، وهذا جد مهم من الزاوية القانونية، إن سوريا لم تصبح بعد أمة مستقلة.

الأساس الثالث : إن فقهاء القانون يدركون أكثر من غيرهم أنه إذا ما أستبعدنا من جهة مفهومي ( الكيان المستقل التام، والكونفدرالية )، ومن جهة ثانية محتوى إدارة الحكم الذاتي، فإن أفضل العلاقة ما بين الوحدة والمركز هي الفيدرالية لأسباب ثلاثة :
السبب الأول : الحفاظ على وحدة الدولة والسيادة والدستور.
السبب الثاني : الحفاظ على الخصائص القومية للشعب الثاني أو الآخر.
السبب الثالث : حالة إغناء شديدة الخصوصية للمركز وللوحدة الخاصة.