العربي بائس في حياته اليومية، ضعيف في مواطنته،شحيح في ثقافته قليل الوفاء لسجنائه السياسيين ومثلوب في ذاكرته الوطنية.،،،مؤشرات وانطباعات وأرقام كارثية تسجلها المنظمات الدولية والمتابعون لشؤون المنطقة لا يملك المرء الا ان يقف امامها تأملا وتفكرا في دروس قد تصلح ما اعتل من شؤون هذه الامة وما خاب....

تصحر ثقافي قاحل وعزوف جماهيري واسع عن القراءة تضعان العربي في ادنى درجات السلم الثقافي العالمي : في بلاد الغرب يقرأ المواطن 36 ساعة سنويا كمعدل عام وفي منطقتنا يقرأ الموطن 6 دقائق فقط، وينشر الغربيون كتاب لكل خمسة الاف مواطن في العام في الوقت الذي ينشر العرب كتابا واحدا لكل ربع مليون شخص في العام الواحد وفقاً للدراسات المتخصصة في الواقع الثقافي.

في الحزام الخليجي للمنطقة العربية تنحسر اللغة الام تدريجيا امام الانجليزية وفي حزامها المغاربي تتوارى باحتشام العربية امام الفرنسية، وبين الحزامين تتبارى ارقام الامية والفقر والمرض لتقرض حاضر الكيان العربي ومستقبله....

جوائز نوبل للعلوم والثقافة والسلام التي يحصدها علماء العالم، تنزل على علماء العرب كقطرات مطر صيفي بخيل : 5 جوائز للعرب مقابل 845 جائزة لغيرهم من شعوب المعمورة بين عامي 1991 و2011.

والعرب لا يماثلون العالم حتى في ثوراتهم وانتفاضاتهم، فشعوب العالم تثور لتتوحد وتصنع يوماً اخر وتبني مواطنة جديدة وتثور شعوبنا لتحفر الخنادق وتعزز الطائفية وتسحق ما تحقق من وئام اجتماعي كما هو الحال في سوريا اليوم.


تعاسة المواطن العربي الناتجة عن خيباته في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها حاضرة في مواقفه اليومية إزاء نفسه والأحداث التي تمر على مجتمعه...،

في عام ١٩٧٤ زار الباحث الياباني نوبواكي نوتوهارا منطقتنا العربية وتطلع على احوالها ودون الكثير من خصائصها المثيرة ونشرها في كتاب اسماه (العرب من وجهة نظر يابانية، ترجمة منى فياض )....

لم يكن نوتوهارا خلال جولته شغوفا بتضاريس الارض او تقلبات الطقس او طبائع البشر بل دارسا ومدوناً لحالة الانسان العربي وموقعه في المنظومة الاجتماعية ومواطنته.

نقرأ في مدونته : quot; العرب غير سعداء، ويعبر صمتهم عن صرخة تخبر عن نفسها بوضوحquot;..... والخيبة والحيرة حسب رأيه مفردات ألفت البشر وألفوها في هذه المنطقة التي تتسم quot; بغياب العدالة الاجتماعية الواضح للعيان والذي يشكل عاملا حاسما في الفوضى التي تتسم بها تلك المجتمعات.... quot;.
المواطنة في العالم العربي :

المواطنة كما يراها هذا الباحث عليلة في عالمنا العربي الذيquot; تهتم مجتمعاته بفكرة النمط الواحد، على غرار الحاكم الواحد. لذلك يحاول الناس ان يوحدوا اشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم. وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين.

يغيب مفهوم المواطن الفرد لتحل محله فكرة الجماعة المتشابهة المطيعة للنظام السائد. وعندما تغيب استقلالية الفرد وقيمته كانسان يغيب ايضا الوعي بالمسؤولية: عن الممتلكات العامة مثل الحدائق او الشوارع او مناهل المياه ووسائل النقل الحكومية والغابات (باختصار كل ما هو عام) والتي تتعرض للنهب والتحطيم عند كل مناسبة.quot;

الذاكرة الوطنية والنخب:

ويلفت نوتوهارا النظر الى حالة quot;الذاكرة الوطنيةquot; المتميزة بضعفها في هذه البلاد، حيث يرىquot; االناس لا يكترثون او يشعرون بأي مسؤولية تجاه السجناء السياسيين، الافراد الشجعان الذين ضحوا من اجل الشعب، ويتصرفون مع قضية السجين السياسي على انها قضية فردية وعلى اسرة السجين وحدها ان تواجه اعباءها. وهذا برأيه اخطر مظاهر عدم الشعور بالمسؤوليةquot;.

والعرب في رأيه quot;يعيشون فقط بسبب خيبة آمالهم وبسبب الاحساس باللاجدوى او اليأس الكامل، وعدم الايمان بفائدة اي عمل سياسي، وفي هذا العالم يستنتج الفرد افكاره من خارجه، بينما يستنتج الناس في اليابان افكارهم من الوقائع الملموسة التي يعيشونها كل يومquot;.

وفي الوقت الذي يضيف اليابانيون حقائقاً جديدة في كل يوم، فان العالم العربي يكتفي باستعادة الحقائق التي كان قد اكتشفها في الماضي البعيد. والافراد العرب الذين يتعاملون مع الوقائع والحقائق الجديدة يظلون افرادا فقط ولا يشكلون تيارا اجتماعياً يؤثر في حياة الناس.

يذكر نوتوهارا بتجربة بلده التي عرفت ايضا سيطرة العسكر على الامبراطور والشعب وقيادتهم البلاد الى حروب مجنونة ضد الدول المجاورة ادت الى دمار اليابان ولكنها اعطت الشعب الياباني درسا يبين دور القمع في تدمير الثروة الوطنية وقتل الابرياء وانحراف السلطة.

المشاعر وحدها لا تصنع المستقبل:

ويمضي في تدوين وصفة النجاح في بلده quot;لكن اليابانيين وعوا اخطاءهم وعملوا على تصحيحها وتطلب ذلك سنوات طويلة وتضحيات كبيرة، وعوا ان عليهم القيام بالنقد الذاتي قبل كل شيء وبقوة. الانسان بحاجة الى النقد من الخارج ومن الداخل مهما كان موقفه او وظيفته الاجتماعية او الهيئة التي ينتمي اليها، ان غياب النقد يؤدي الى الانحطاط حتى الحضيضquot;.

سؤال طالما تعرض له نوتوهارا خلال جولته العربية : quot; لقد ضربتكم الولايات المتحدة الاميركية بالقنابل الذرية فلماذا تتعاملون معها؟
ويجيب عليه في مدونته : quot; ينتظر العرب موقفا عدائيا عميقا من اليابانيين تجاه الولايات المتحدة الاميركية. ولكن طرح المسألة على هذا النحو لا يؤدي الى شيء، علينا نحن اليابانيين ان نعي اخطاءنا من الحرب العالمية الثانية اولا ثم ان نصحح هذه الاخطاء ثانيا. واخيرا علينا ان نتخلص من الاسباب التي ادت الى القمع في اليابان وخارجها. اذن المشكلة ليست في ان نكره اميركا اولا، المشكلة في ان نعرف دورنا بصورة صحيحة ثم ان نمارس نقدا ذاتيا من دون مجاملة لأنفسنا. اما المشاعر وحدها فهي مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلاquot;.

جاء في مذكرات احد الدبلوماسيين الغربيين الذين عملوا في المنطقة : quot; 3 سنوات قضيتها هناك تعادل عقود من العمل في بلاد الغرب...القدرية تحدد حركة الناس في هذه البقاع من الارض والعقلانية تشح في سياساتها، والاحداث فيها لا يمهد لها المستقبل بل تقيدها قراءة التاريخ....quot;

لسنا وحدنا في حالة الشدة والضيق فقد عاشت امم كثيرة قبلنا البؤس والصراعات الدينية ولكنها في نهاية الامر تلمست سبيلها نحو النهضة واثبتت ان التغيير ليس حلماً عسير المنال...فهذا البلد الاسيوي quot;ماليزياquot; الذي لا تختلف كثيرا مساحته وعدد سكانه عن مساحة العراق وسكانه وتعددت الديانات فيه لتصل 18 عرف ايضا الفقر وتدافع الارادات وكثرة المصائب ولكنه بفضل قياداته ونخبه استطاع توحيد الرؤى وتصديق النوايا فنهض بشعبه وولج الى الحداثة والرفاهية ليبلغ دخل الفرد السنوي فيه 16 الف دولار بدلا من 100 دولار قبل اكثر من 3 عقود، وتضاعف احتياطيه من النقد مرات عدة ليصل 98 مليار دولارا مقارنة ب 3 مليارات في بداية نهضته.

الفقر الثقافي والمادي وانعدام الحريات والنقد الذاتي وضعف المواطنة وغياب البوصلة الاجتماعية وتواري العقلانية والبحث عن الخصوصيات الحافرة للخنادق، صفات ليست غريبة عن النخب وصناع القرار في العالم العربي، ولسنا بحاجة الى من يدل عليها او يؤشرها بقدر حاجتنا الى وقفة شاملة ونقد مجرد من الانانيات وتخطيط استراتيجي معمق يضع المشاكل والتحديات في سلة واحدة ويرسم الاهداف القريبة والبعيدة وينطلق في التنفيذ بأجواء الثقة والامل بمستقبل افضل للأجيال القادمة.

الجماعات والشعوب والامم تتغير وتتطور سوءاً وحسناً، عسراً ويسراً كالأفراد، وثبوتها على حسن الحراك ويسره يتطلب شجاعة وثبوتا في العزم وارادة جمعية في التغيير تصنعها النخب كما صنعها مهاتير ورفاقه من رواد النهضة الماليزية وترجموا من خلالها بوفاء قول الله عز وجل quot; إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ quot;..

[email protected]