عندما يُصبح إقليم كردستان الدولة وبغداد أقليمها الفدرالي فلابد أن نستخلص وجود خلل أجتماعي سكاني قومي مقبول للبعض قبل أن نسوق الأسباب الحقيقية للخلل السياسي والدستوري الأساسي.

والوضح للعيان ألآن أن العملية السياسية بعد 2003 أفرزت سلوكية معينة لقادة المعارضة الذين وفرت الولايات المتحدة لهم الفرصة لأدارة شؤون بلد تعداد سكانه 30 مليون نسمة من مختلف القوميات والطوائف المذهبية. وتبنى بعض القادة بأيمان وصدق مبدأ العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد ودعوات لأصلاح النظام وفق أسس صحيحة، بينما تبنى قادة آخرون أيمان معوج متمم لعقلية النظام القديم وثقافته بدعوات تؤمن (بوطنية الصراع القومي المسلح) وحمل السلاح وتعميم ثقافة العنف، وأماط بعضهم اللثام عن نوايا دفع مصالح العراق الحيوية الى الهاوية في أعمال لاتدل على نوايا عراقية حسنة وشاركوا في الأرهاب المادي والفكري وعارضوا بطرق ألارهاب أية أجتماعات مثمرة للسير بنظام تقدمي جديد للعراق وسببوا بأفعالهم وتصرفاتهم خلل من الصعوبة أصلاحه.

وشارك العديد بالتوسط في عملية الأصلاح وقدم الأمريكيون الوساطة والأستشارة الى مختلف الكتل وساهم بايدن نائب الرئيس الأمريكي و آخرون من الطالباني والجعفري والحكيم والنجيفي بتقديم توصيات وأوراق عمل وطروحات للتغلب على مقاطعة الكتل بعضها البعض والخروج السريع من المأزق الذي تفجر عبرالسنوات بمطالبات أبتزازية لا أول لها ولاآخر وهي بمجملها أِسهام في أفساد للمجتمع الموحد وتقييد طموح أجيال قادمة بحياة السلم والتآخي ومايصبون أليه من أستقرار.

الخلل في التركيبة السياسية في العراق يتعدى الفهم العام للديمقراطية والفدرالية والدستور ويتجاوز فوضى شؤون الدفاع والخارجية والمالية والأمن القومي ( مع أنها مسؤولية مُخصصة تحديداً بصلاحيات للسلطة المركزية التنفيذية مع حق هذه السلطة في التنسيق مع الأقاليم ودراسة حاجاتها، كما يتجاوز الخلل والفوضى تقسيم وأقتطاع أراضي الدولة ترضية لطموح العشائر والأقطاع حيث يجري التفاوض على أساس مالي تجاري Deals amp; Steals. ولاتشمل هذه المفاوضات الخلل والشلل في المشاريع الخدمية للمواطنين.

النغمة البارعة التي تستخدمها صحافة السلطة الأتحادية وسلطة الأقليم وأطراف أخرى تسعى الى تخدير المواطن هي ( العراق بلد غني يمتلك ثروات كبيرة وجهود الحكومة تتركز على استثمار هذه الثروات بما يحقق له افضل العوائد واعلى مستويات الاداء وتحقيق الرخاء الاقتصادي للشعب).

وبعد فشل كل الجهود لأصلاح الخلل أعلاه والمتضمن أيضاً ( تفسيرات وتعديلات دستورية، محاربة الارهاب الخارجي، حل مليشيات الكتل ومنع عسكرة المجتمع، القضاء على الفساد المالي والتهريب وتوقيع عقود نفطية بطريقة عشائرية مضرة بمصالح الدولة ) دخلَ لعبة الأصلاح والتوفيق بالمفاوضات برهم صالح نائب الطالباني رئيس الجمهورية والرجل الثاني في قيادة الحزب الوطني الكردستاني. وجاء دوره ومحاولاته الحالية لخبرته بطريقة تفكير المالكي وحزب الدعوة وعملية الأفساد الأداري التي يتبعها البارزاني ومناصريه لعرقلة عمل الحكومة الأتحادية بدءاً من أجتماعات أربيل.

ويبدو أن برهم صالح في وضعية مريحة وادراك جيد للمسؤولية التي على عاتقه وحرص مُميز ومعرفة بالعواقب الوخيمة التي تنتظر الدولة الفتية أذا أستمر التعنت الأعمى وتراكمت المشاحنات بشأن ( المناطق المتنازع عليها في كركوك، ديالى، ومحافظة الموصل) التي وصلت الى حد النداء لتوسط اميركي لأبعاد اللواء 37 و38 للجيش العراقي عن قوات اللواء الثامن من البيشمركة الكردية المتمركزة في مناطق قريبة من الحدود السورية و التي كادت ان تفجر نزاعا مسلحا، لو لم يتم سحب قوات الطرفين يوم 28 تموز يوليو من الشهر الماضي الى مواقع مؤقتة.

وكان مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي قد اكد في نفس اليوم quot; أن نشر قوات على الحدود المشتركة مع سوريا لا يستهدف إقليم كردستان، وانما الحفاظ على سيادة البلاد وحماية الحدود، وهما مسؤولية الحكومة الاتحادية حصرياً، داعيا سلطات الإقليم إلى ضرورة احترام النظام والقانونquot;. اضافة الى ذلك فأنه ستتاح الفرصة لبرهم صالح لأيجاد حل لعقود النفط التي تبرمها اربيل مع شركات التنقيب والاستثمار العالمية دون أستشارة وزارة النفط العراقية و قانون النفط والغاز المعطل حتى الآن عن التشريع في مجلس النواب بسبب الخلافات بين الكتل السياسية وكذلك الموازنة التكميلية للاقليم كجزء من الموازنة العامة للبلاد.

لقد أصبح الحد من جنون الارهاب الفكري والمادي ووقف أثاره السيئة عملُ ُ في غاية الصعوبة في عراق مناهج الأضطراب القومي العنصري والنفسي الذي سبق عام 2003 وبعده الذي أوصلَ مجموعات وأحزاب الى جنون العظمة والأبهة والأعتقاد بأن الله أختارهم (أو هكذا يعتقدون) بتكليف أِلهي لخدمة الوطن الحزين. هذا التكليف الأنتخابي منه والأنتخابي المُزور أفرز شخصيات هجينية تستمد سلطتها وجبروتها من عصابات أجرامية غلّبت( بالشدة) لغة القتل والعنف والجريمة على لغة الحوار والأصلاح والمشاركة. وقد شمل هذا الخلل وزيادة الأرباك والفوضى في التطبيق المتعمد، أستضافة البارزاني للمعارض السوري الكردي عبد الباسط سيدا الى أربيل. وبمفارقة لاتدل على حكمة، أعتبار وجود عراقيين في الأقليم الكردي quot; ضيوف quot; أو كما تعتبرهم قيادات كردية حالة أنسانية بل و(صدقة ونعمة) تُغدق عليهم كلاجئين في الأقليم. كما تُميزُ أدارة قوات الأسايش الكردية مسؤولية السيطرة على مناطق دون تنسيق مسبق مع ألوية الجيش العراقي. والمعنى الأعم والأشمل لهذا الخلل هو خطورة العمل به وفق هذا التمييز العنصري القومي.

كثيرون هم المثقفون من خدم المنظومة العشائرية في الأقليم وثقافة الطاعة والسجود لأخطاء وهفوات قادتهم. وفي المقابل تطغي الأفكار الفرعونية المستبدة لرئيس أي كتلة على أعضاء في المجلس النيابي ويُحرك رئيس الكتلة النيابية أتباعه وعبيده وخدمه كقطع الشطرنج، لارأي لهم، الى أن يثور العبد على سيده كما حصل في المجالس النيابية في مصر.

أما تقسيم آرث الدولة العثمانية فأنه يعاد توزيعه من جديد بأذن من الأدارة الأمريكية ومصالحها في المنطقة. وماكان لوزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلوا ليجرأ بالهبوط بطائرة في أربيل ودون معرفة الحكومة المركزية ووزارة الخارجية في بغداد لولا الخلل والفوضى في عمل ينافي التقاليد، وموافقات شخصية على تجوله ودخوله مدينة كركوك المتنازع عليها بالحماية الكردية من إقليم كردستان و تسلله دون خفية الى محافظة التأميم وإلتقاء محافظها ورئيس مجلس المحافظة فيها بدون علم السلطات الإتحادية في بغداد وهي أشارة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني لحالة الأستقطاب والتحالف الجديد التي تشهدها المنطقة. يرى المالكي على ضرورة انعزال العراق عن الفتنة الطائفية من خلال الإيمان بأن ابناءه متساوون وحقوقهم مضمونة من دون تمييز طائفي أو عرقي لأن الاضطراب إذا تفجر في بلد سيؤثر على البلدان الآخرى quot;ولا نريد للعراق أن يكون بلدًا يغلي بالطائفيةquot;. وأن quot; جميع الدول لن تكون بمأمن عما يحصل هناك، لذلك يجب تغليب لغة الحوار وايقاف تسليح جميع الاطراف ووضع آلية للحوار لتأسيس حكومة شراكة تمثل كل أطياف الشعب السوريquot;.

اني على تمام الأتفاق مع المراقبين للسياسة التركية التي أتخذت أستمرارية عنصرية لتركيا العثمانية الأستعمارية تحت قيادة حزب العدالة والتنمية برئاسة أوردغان وتدخلاته الأستعلائية السلبية بدول المنطقة وخاصة العراق وسوريا وتمريره للمشاريع الأمريكية وجعله تركيا أداة القوة العسكرية بأيدي الغرب بتسهيل عملية تأجير القواعد الجوية للولايات المتحدة للتأثير على قوميات دول المنطقة والحصول على العملة الصعبة والقروض والمساعدات المالية.


باحث وكاتب سياسي