الجزائري الرجل المخضرم الاخضر الابراهيمي البديل المبعث من الامم المتحدة الى سورية، هل هو رجل كما تصفه بعض الاوساط خلق لحل الازمات والعواصف السياسية والتعقيدات الشائكة في دول تستعصي فيها الحلول السياسية لكثرة الجيوب الطائفية والعرقية المتناحرة فيما بينها؟ ام انه العكس تماماً، رجل خلق لزيادة شحن الازمات وتأجيج التعرات الطائفية في هذه الدول؟ الاوساط العراقية تتهم هذا الرجل بانه يملك خلفية ذات نزعات وميول طائفية ويستند العراقيون على بعض الحقائق والشواهد التي تدينه هو والحاكم المدني بول بريمر بإعبارهما أول من وضعا الاسسس الاولى للمحاصصة الطائفية والعرقية وانهما وراء أنين كل الجراحات العراقية المثخنة وآلآخذة بالتزايد عمقاً.
يقال عن الاخضر الابراهيمي انه اعترف واعتذر في جلسة حوار عقدت في افتتاح لمؤتمر الديمقراطية في دبي عام 2006عن أخطاء الممحاصصة الطائفية التي وقع فيها اثناء تشكيل مجلس الحكم العراقي.
يتهمه العراقيون ايضاً بأنه المدافع الاقوى لحزب البعث العراقي وعن صدام حسين كما انه رفض مرارا فكرة إجتثاث البعث.وانه من يدعو الى تهميش الشيعة حسب مايذكر عنه مثال الالوسي لكن من جهة اخرى يتهم الابراهيمي رجال السياسة الجدد في العراق بأنهم لايمكن العمل معهم وقال انه لم ينجح في العراق اطلاقا لأن هناك من وصفهم بالفاسدين الذين دخلوا العملية السياسية وهم لايستحقونها ).
في حوار اعلامي معه يذكر معناته في العراق ويقول ان كل فئة وكتلة كانت تضع فيتو على الاخرى في التعيينات والمناصب الوزارية ثم يؤكد :( انني لم أحقق اي نجاح في العراق وانني تعبت ولن اقوم بهذا الدور مرة اخرى ) بمعنى ان لسان حاله كان يريد ان يقول ( قومي رؤسlsquo; كلهم ارأيت مزرعة البصل؟). لست مدافعة عن الابراهيمي لكن مايجري على الواقع يثبت ذلك، فليس الابراهيمي من تعب منهم بل كافة الشعب العراقي سنّة وشيعة اصابهم الملل والتعب، فالتوقعات تشير إن العملية السياسية مرشحه بالانهيار الكامل خاصة في حال سقوط النظام الحاكم في دمشق. فلن يلمس المواطن العراقي حتى بعد اكثر من عشر سنين الحس الوطني لهولاء الساسة , السياسة في منظورهم هي القتال على المال والسلطة فقط وليذهب المواطن العراقي هو وتأملاته وحاجاته الضرورية الى الجحيم. لانريد ان نطيل في هذا السياق ففي القلب مرارة.و اعود الى الاخضر الابراهيمي.
لم يأت الاتهام بحق هذا الرجل من قبل العراقيين وحدهم فقط فهناك اوساط عربية كبيرة اخرى لبنانية وفلسطينية تتفق مع هذا الرأي وتقول إنه يملك توجهات خليجية وانه ( سعودي الهوى) حتى راح البعض يحاول نصحه دون ان بعر لها اهتمام بعدم قبوله بهذه المهمة الخطرة جداً في سورية وان يكون حذراً وان لايقع في الفخ مرّة اخرى بعد ان وقع فيه بالعراق احتراماً لسنّه الكبير وحفاضاُ للارض السورية بل ولللأمة العربية من تجزئتها وتفتيتها، خاصة وان من اختاره خلفاٌ لكوفي عنان ( الرجل الذي رفض ان يكون مسيّرا للقوى الامريكية والاسراشيلية ) هي وزارة الخارجية الامريكية وهذا يكفي في المعنى والنوايا المطلوبة منه في كيفية الاداء. كوفي عنان جرى اجتثاثه امريكياً لانه اراد ان يكون الحل السوري بمشاركة جميع المحاور الدولية المتورطة في المشهد السوري ولايمكن اهمال الطرف الايراني الفاعل القوي في ساحة القتال السورية كما هي باقي الاطراف الاقليمية و الخليجية إضافة الى انه اراد ان تمتثل لآراءه وقراراته بوقفف اطلاق النار ورمي السلاح كلّا من الدولة والمعارضة الممدودة بالمال والسلاح والتسهيلات اللوجستية. أدرك عنان ان الحرب التي تدور في سورية هي حرب باالوكالة و انها حرب القوى الكبرى المنتفعة. وقودها وأدواتها الشعب السوري البريء والامة العربية المنهكة والمنكل بها في التاريخ المعاصر.
إزدادت هجمات التنكيل لها منذ إعلان الحرب على الارهاب وظهورمصطلح محاور الشر لعام 2001 والمجيء بشرق أوسط جديد. أو بالاحرى جرى الاعداد لهذا السيناريومباشرة بعد سقوط الشاه.القوى الامريكية والاسرائيلية تسعى منذ ذلك الوقت الى محاولة تفتيث جسد هذه الامة والعمل على تحويلها الى كيانات هزيلة.
كوفي عنان اراد ان يكشف ويعالج مسببات الجرح السوري الكبير وادرك ان هذا الجرح لايندمل مالم يضع يده في اعماق كل المسببات المحيطة به والمشاركة في دماءه المنسابة.
الابراهيمي متهم بتوريطه في بلدان يسهل عليها الاختراق الطائفي والعرقي ومشارك قوي بإشعال نار الفتنة الطائفية فيها وبالذات في هذا الزمن المريض رغم ان كل الازمنة العربية للعصر الحديث التي مرّت بها هذه الامة مصابة بداء مرض الاختراق.
البعض يعتقد ان الرجل الذي اختيربديلاُ عن كوفي عنان قد لاتؤهله صفاته ان يقول كلمته المطلوبة للتاريخ كما قالها سلفه الذي استقال لانه ميّز بين الحق والباطل.
المؤشرا ت تشير ان معظم الطرق غير معبدة امام مهمة المتعوث الجديد في سورية والمحاطة بأشواك كبيرة لذا ليس بمقدوره اجتيازها بنجاح كما أن فشله الذريع في العراق و افغانستان وبإعترافه شخصيا هي احدى المؤشرات الرئيسية التي تشير الى ان مساعيه قد لاتتكلل خواتمها بالنجاح إن لم تتجه نحو التصعيد وإزدياد رقعة الحرب الاهلية.
في المشكلة اللبنانية لعام 1989 أستطاع الابراهيمي ان يحدث ثقباً في الجدار الاسمنتي اللبناني كما صرّح في احدى الحوارات الاعلامية وقال ان هذا الثقب وبحسب رأيه فتح عليه كوة الأمل واستطاع ان يكون وقتها عرّاب اتفاق اللجنة الثلاثية المكونة من المغرب وتونس والسعودية لإجتماع الطائف وان يحل جزء من المشكلة اللبنانية وليس كلّها وبمباركة امريكية. انه حقق بعض النجاحات في لبنان لكنها لم تكن نجاحات تمت بجهوده الفردية بل لان الارادة الدولية والخليجية والعربية الاخرى وقتها كلها كانت متفقة على عدم تجزءة لبنان لذا استطاع الابراهيمي حينها من حلحلة المشكلة اللبنانية ولو بالجزء اليسير. ففي ذلك الوقت لم يكن الملف النووي الايراني موجوداً أصلاً حتى يكون في سلّم الاولويات الامريكية والاسرائيلية كما هو الحال الان. فإيران كانت لتّوّها قد خرجت من حربٍ طاحنة تدمرت فيها القدرات البشرية والمادية لكلا البلدين العراق وايران، إضافة الى وجود نظام عراقي بعثي صارم يحكم بالحديد والنار في ذلك الوقت و بقائد يعمل بعيون امريكية بعلمه أو غير علمه تسلّطت قوته ليس على رقاب الشعب العراقي فحسب بل وعلى رقاب الدول الخليجية ايضاً والتي لم يكن لها وزن في صناعة القرارحينها كما هي الان. كما انّ الدول الخليجية كانت منشغلة بمحاولات استرداد مستحقاتها المالية التي دعمت بها صدام حسين، كلها عوامل ادت ال تسهيل مهمة الاخضر الابراهيمي في لبنان ولو بثمار قليلة. اماّ الان فليس بمقدوره ان يحل عقدة واحدة من الخيوط الشائكة والمعقدة من المشكلة السورية فالمخطط الامريكي الاسرائيلي وبمعونة بعض الاطراف المحيطة ماضِ على تحقيق خارطة جغرافية هزيلة للعرب وللشرق الاوسط لاتشمل سورية فقط وانما ابتدءت من العراق وتقسيمه كيانات ثم مرورا بسورية الان ولبنان ووصولاً الى ايران والنيل من ملفها النووي.
انّ ماصرح به مبعوث الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي قبل ايام ان سورية تشهد حرباً اهلية ليس خطئاَ وليس جزافاً. نعم انها تشهد حرباً اهلية شرسة وقذرة ومن لايعترف بذلك فإنه لايريد ان يواجه الحقيقة المرّة أو انه عامل عليها بدقة متناهية و يريد عن عمد ان تمتد آثارها الخطرة الى كل من لبنان والعراق ومن المؤكد انها ستتسع الى دول الخليج العربي بل العالم العربي والاسلامي بأسره كما ان ماصدر من الخارجية السورية كرد معاكس بأن ماتشهده سورية من حرب اهلية هو مجاف للحقيقة وان مايجري في سورية هي فقط جرائم ارهابية تنفذها عصابات تكفيرية مدعومة بالمال والسلاح والمأوى من قبل دول الجوارهي ايضاً الحقيقة بعينها ويجب الاعتراف بها فهناك من يراهن على هذه الجماعات والعصابات التكفيرية ويحاول على تغذيتها بقوّة.
المتورطون بهذا السيناريو السوري المسلمون منهم و الاعراب والمحلييون اصحاب الارض المحروقة سورية الجميلة، لابد لهم من الوقوف لحظة ضمير حيّ تتجرد منهم كل المصالح الفئوية والطائفية والعرقية و ليشهد عليهم التاريخ بكل حساباته, لمصلحة من تتم عملية تدمير سورية والدول المجاورة الاخرى؟ ومن المستفيد؟ هل الدين الاسلامي سيكون هو الاقوى من كل المنتفعين الكبار؟ هل ستكون الامة العربية هي الاقوى وصاحبة القرار الدولي عوضاً عن القرارات الامريكية والاسرائيلية؟ لو اندمرت سورية او لبنان او العراق المنهار اصلاً بحرب لايعرف مداها الاّ الله؟ من الخاسر الاول؟ أرضاً و اقتصاداً وبشراً؟ وإذا كان بالضرورة ازالة البعث السوري أو بشار الاسد هل الحرب الاهلية والعرقية والطائفية هي امثل الحلول.؟ وهل فعلاً إستعصت ادمغة الامة الاسلامية والعربية من كامل مفكريها وسياسيها عن إيجاد حلولٍ أخرى لهذه المشكلة؟
نظام الاسد نظام لايصلح ان يكون ممثلاً للشعب السوري خاصة بعد مرور 40 عاماً وبعد حصول الثورات العربية لربيعها فلا لابد من احداث التغيير , لكن في نفس الوقت هنا تستوقفني نصيحة اومقولة السيد حسن نصر الله عندما نصح المعارضة العراقية عام 2003 وقبل دخول القوات الامريكية بعدم قبول المحتل وكوارثه المتلاحقة على الشعب والامة كخيار لللتخلص من الطاغية صدام.ونصحهم ان يبحث العراقيون عن حلول داخلية بحتة. رغم ان السيد نصر الله يعلم ان صدام كان من اعتى الطغاة على شعبه وجيرانه. وقتها لن تلقى هذه النصيحة آذاناً عراقية صاغية بل كان نصيبها من النقد مامتلئت منها الاذان. وهذا هو العراق اليوم يأكل الحصاد من المحتل ومن طائفية الاخضر الابراهيمي والاجندة الامريكية متمثلة في بريمرو التدخلات الدولية المجاورة من كل حدبٍ وصوب إضافة الى حب المال والسلطة من قبل السياسين العراقيين الجدد متجردين من احساس حب الوطن.
اذا كان يريد الاخضر الابراهيمي ان يدخله التاريخ في صفحاته المشرقة كما حصل لسلفه وان يكفّر عن اخطاءه الجسيمة التي لاتغتفرفي العراق.عليه ان يسير عل خطى سلفه كوفي عنان الذي اعتبرالمهمة التي كلّف فيها في سورية هي أمانه في رقبته وعندما ادرك انه غير قادرعلى حملها وسط الضغوطات الدولية قرر الاعتذار والاستقالة خيراً له من الذل والخنوع. كوفي عنان كان لا يريد ان يضع فيتو عل أي طرف على حساب أخر متورط في خراب سورية. فعلى الاخضر الابراهيمي أماّ ان يسير على نفس منوال سلفه أو ان يقتنع و يجلب الى طاولة المحادثات المبادرة المصرية المقترحة من قبل الرئيس المنتخب محمد مرسي لمعالجة المشكلة السورية المعقدة وذلك بتشكيل لجنة رباعية تضم كل من مصر والسعودية وتركية وايران بحيث تكون مصر كدولة غير منحازة الى باقي اطراف النزاع الثلاث الباقية و المتورطة في الدم السوري من المال والسلاح والتسهيل اللجستي شاءت هذه الدول أم أبت.
الكثير ممن يعتقد ان المبادرة المصرية هي افضل ماظهرت من حلول ومبادرات سابقة التي همّشت وابعدت الطرف الايراني لذا كان نصيب جميعها الفشل ,وهي جديرة بأن تحضى الان بإهتمام وتفكير الاخضر الابراهيمي لحقن الدم السوري وتجنيب الامة العربية والاسلامية من كوارث وخيمة. وإلاّ سوف لن يغفر التاريخ لا للأبراهيمي ولاللطراف المعنية الاخرى انصياعهم لأصحاب المشاريع المدمرة وغرس السهام المسمومة.
وإذا كانت مبادرة الملك عبد الله في السعودية بفتح مركز اسلامي للتقريب بين المذاهب مبادرة جاءت في الوقت الحق فلتكن هذه المبادرة انطلاقة جادّة وجديدة لحل المشكلة السورية تحقن من خلالها دماء المسلمين.
- آخر تحديث :
التعليقات