يكاد لايختلف أثنان أن البيئة السياسية والحروب والصراع الداخلي بما فيها بشاعة الأرهاب الفكري حيّدَ الحالة التي أثرت على طبيعة أرض العراق وأدت الى أنتشار التسمم الكيمياوي والبايولوجي في مدنه وقراه وصحاريه ومجاري أنهاره واهواره المنتشرة حول حوض الرافدين. وجاء تلوث البيئة بنفايات اليورونيوم وأشعته القاتلة متمماً للتسمم والتدهور الصحي العام الذي لا تتحدث عنه الحكومات وتخفي جوانبه القاتلة الهيئات الرسمية الطبية العراقية.

جهات علمية ndash; طبية، بيئية، بايولوجية ومنظمات حقوق الأنسان الدولية - أدانت المأساة الأنسانية التي يعيشها العراق، ليس أقلها أستخدام أسلحة كيمياوية ونفايا اليورونيم المخصب Depleted Uranium على أرضه وترك عملية تنظيفه للأخرين. ورفعت مذكرات وتوصيات عديدة لرفع أثار هذا العمل الشرير بأنتهاء عمليات القتال وشرور الحروب يومها. فما الذي تم ؟

قبل حملة الأنفال 1988 أستخدمَ البعث الأسلحة الكيماوية ضد سكان القرى والمدن الكردية وحلبجة واحدة منها ليكون العراق أول دولة تستخدم غازات السارين والخردل منذ شهر نيسان / أبريل عام 1987 وأدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين حيث يعتقد أن خمسة آلاف من المدنيين قتلوا في حملة قصف جوية استخدمت فيها غازات الخردل والسارين والتابون ولفي إكس.

والبداية التاريخية الموثقة لتسمم البيئة في العراق تعكس صورة وحشية ثانية خلال حرب تحرير الكويت عام 1991.فالتحشد الأمريكي في السعودية لأخراج القوات العراقية من الكويت في بداية حرب الخليج الثانية أضاف مأساة جديدة بأستعمال بقايا أوساخ اليورونيوم في حشو قذائف صاروخية وقنابل ضد الدروع العراقية داخل العراق. وقد قامت الطائرات الأمريكية في مدى 6 أسابيع من بداية ليلة 17 كانون الثاني يناير 1991 بضرب مخابئ الأسلحة البايولوجية في مايقرب من 22 ألف طلعة جوية أستهدفت كما حدد الفريق شوارزكوف هدفها quot; تدمير 50 % أو أكبر عدد ممكن من الدبابات العراقية وناقلات الجنود والمدفعيةquot; وقوله quot; وكان علينا أن نخرج ببعض الوسائل لتعويض فارق تفوق العراق علينا في عدد الدبابات والمدفعية التي يملكها quot;.

التسمم والتشوه جاء كنتيجة أستخدام القوات العراقية والأمريكية الغازات الكيمياوية السامة ونفايا اليورونيم المخصب Depleted Uranium في حملة الأنفال القذرة ضد الأكراد و شيعة العراق في الجنوب والأهوار وتركت مخلفاتها في البيئة الصحراوية. وجاء أستعمال صنف الدروع والمدفعية والطائرات الأمريكية لليورونوم المنضب ضد المدرعات والمدفعية العراقية متمماً لجعل العراق ميدان كامل لتلوث البيئة بمساحة شاسعة للتسمم من نفايات لم يتم معالجتها لحد اليوم.

تمتلكُ وزارة البيئة ووزارة الصحة العراقية تقارير دولية وعينات مختبرية و طبية عن استمرار تعرض عراقيين الى سموم وانتشار هذه المواد المشعة السامة في البلاد. ويُعتقد أن الوزارتين لاتنسق أعمالها بالسرعة المطلوبة لأرسال فرق طبية وبيولوجية عراقية ودولية وتتوقف عند الأستشارة ولاتتحرك الى العمل الميداني للمعالجة لأفتقارها الى المعرفة. وتُشير التقديرات إلى أرقام مذهلة في حقيقة أن أكثر من 14% من السكان معرضون للموت بالتسمم البطئ وقد يتصاعد الرقم بأستمرار الأهمال وعدم تنظيف وتعقيم المناطق الموبوئة التي ظلت متروكة لأكثر من 20 سنة.

أسوق من المصادر المستقلة المثال التالي الذي يخص المستشفى العام في الفلوجة في أيلول 2009 الذي يوضح أن نسبة الوفيات في الأيام السبعة الأولى كانت 24 % من مجموع 170 ولادة وأن 75% منها تم تصنيفها بيانياً من مشوهي الولادة. Hospital
و In September 2009، Fallujah General Hospital، Iraq، had 170 new born babies، 24% of whom were dead within the first seven days، a staggering 75% of the dead babies were classified as deformed. 75% of the
أوصلتني طبيبة عراقية مختصة ب Microbiology and immunology تعيش وتعمل خارج العراق حالياً الى قناعة تتعلق بواجب الهيئات الصحية العراقية لمعالجة نفايا اليورونيم المخصب Depleted Uranium المنتشر في العراق نظراً لأهمال الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق ومؤسساته الطبية في وضع خطط عملية لتنظيف البيئة الموبوئة والتغاضي عن خطورة النفايا على السكان.

الكتورة ليلى..... طبيبة عراقية أبدت قلقها التام بشأن نفايا اليورونيم المخصب Depleted Uranium والبيئة الصحية وشيوع الأمراض عموماً والتشوه الحاصل في الولادات والأطفال المشوهين الذي أشارت أليه الدكتورة سميرة العاني طبيبة أطفال بعد أستخدام القوات الأمريكية قذائف صاروخية حارقة سامة مضادة للدروع ومحرمة دوليا ضد القوات العراقية Depleted Uranium في عام 1991 وعام 2003.

اليورنيوم عنصر مادي تستخدمه الدول لتطوير صناعة القنابل النووية بدرجة حرارة معينة. وبخلط مادة اليورانيوم بمواد معدنية وتنضيبها وتخصيبها بدرجة حرارة مختلفة تنتج مادة مشعة قوية قاتلة وسامة radiological ونفاياتها تُستخدم كعتاد وذخيرة في الجيش الأمريكي في حشو قنابل وقذائف لها مفعول سام مُدمر وهائل التأثير.
والدراسات التي أجرتها منظمات دولية تكشف إن أوكسيد اليورونيوم والغبار الناتج من أستعمال هذه القذائف مختلف جداً عن أوكسيد اليورانيوم الناتج بدرجة حرارة اعتيادية أثناء التعدين والفرز. فقذيفة اليورانيوم المنضب هدفاً صلباً تتفجر بأصابتها هدفاً وتنتج لهبا وشعاعاً متوهجا وغباراً معدني غير منظور aerosol. وأستخلصت الدراسات التي أجريت بعد 8 سنوات من حرب الخليج أن غبار اليورانيوم المنضب ينتشر على أرض العراق من شماله الى جنوبه وقابل للاستنشاق. ذلك أن جُسيم اليورانيوم المنضب بحجم الفايروس تقريباً، وقادر على اختراق الرئة والانتقال إلى بقية أنحاء الجسم. ويمكن أن تصل ذرات الجسيمات إلى أهداف حساسة: الأنسجة اللمفاوية، الطحال، القلب.. ولها القدرة على اختراق مركز نظام الخلايا العصبية.

وتشير تقارير الخبراء quot;إن التعرض لمعدن ثقيل كاليورانيوم وكميات قليلة من اليورانيوم المنضب، حيث جسيماته بالغة الصغر، تكون سامّة جداً وتسبب السرطان ومخاطر على الذريّة/ النسل. كذلك اعترف معهد بحوث الإشعاع البيولوجي لقوات الجيش الأمريكي من أن اليورانيوم المنضب يمكن أن يسبب السرطان و فقدان مناعة النسيج الخلوي، أمراض فقدان المناعة الذاتية، أمراض المفاصل، الدورة الدموية، والنظام العصبي... فقدان الهيكل الجيني لوظيفته هو الأكثر إضراراً للقلب، الكلية، المخ، الكبد، والهيكل العظمي في هذا النظام،quot; كما أن فقدان مناعة النسيج الخلوي يعرض العضو الحي للفايروس، البكتريا، وغزو فطريات البلازما مرتبطاً بمختلف الأمراض.

أفاضت الدكتورة ليلى في الحديث عن تسمم البيئة وأبدت رأيها بما رافق هذا التسمم في العقدين الأخيرين من تسمم فكري أيضاً الأمر الذي سبّبَ أحدى دوافع هجرتها من دولة لاتراعى حالات السكان ولا تبذل الجهود القياسية لتجنيبهم الأوبئة والأمراض والسموم المنتشرة. وهو أمر تهمله الأدارات الحكومية في العراق وتعرقل مهنة تقديم خدمات طبية سريعة عن جهل تام للأحتياجات، ولاتلتفت الى مساعدة الفرق الطبية المجهزة بالمعدات الحديثة ووسائل نقل المصابين من الأماكن الموبوئة الى أماكن صحية سليمة. وأضافت بالأمثلة القاطعة بأن المليشيات واللصوص الذين تعج بهم قواطع الطرقات وأدارات المستشفيات الحكومية والأهلية هم أعباء أخرى لخوف الفرق الطبية التنقل بوجودهم ومايمثلوه من عدم أمان في حالة أختطافهم أوعرقلة عملهم خلال المناسبات الدينية وأغلاق منافذ العبور والتنقل. وتقول نصاً (ان ما يجري في العراق بعد 2003 حالة لاتوصف من الجهل والتخلف وأستمرار العنف الطائفي ولا اتوقع ان تقوم قائمة للعراق الا اذا حدثت معجزة ونحن لسنا في عصر المعجزات. فأنا أصف مايحصل في بغداد لاني عشت فيها لحين مغادرتي في منتصف عام 2006 ).

خلط الدين بالعلم بمقولة quot;دع الخلق للخالقquot; تعني أننا نامل بمعجزة من الله لان ما يحدث في العراق والوطن العربي عموماً لايستطيع اي انسان ان يعالجه.

باحث وكاتب سياسي