الصراع السني السلفي والشيعي العلوي، الوتر الذي لعبت عليه السلطة السورية على مدى عقود، يعد اليوم من أخطر المفاهيم التي تبث في جسد الثورة السورية، والتربة التي مهددت لمجموعات في التغلغل ضمن هذا الجسد المثخن بالجراح. الوقوف في وجه أئمة ولاية الفقيه وديماغوجيتهم المذهبية التي يسخرونها لمصالحهم السياسية، وتعرية مواقفهم السافرة ضد الثورة وفضح مساندتهم لطاغية سوريا لا يسمح لمجموعات لأي كان، سلفية أو بعثية، أن تجعلها راية لكتائب تعد نفسها من تنظيم الجيش السوري الحر لتسمي نفسها باسماء طغاة ملأوا صفحات تاريخ الشرق بالمجازر والجرائم والفساد كالطاغية صدام حسين والحجاج بن يوسف الثقفي وغيرهما. لا شك أن الثورة السورية وعلى مدى سنة ونصف من عمرها أخترقت من قبل تيارات متعددة تحاول أن تستغلها لبلوغ أهدافها الذاتية، ومن بين هؤلاء البعث العراقي والجهاديين السلفيين والمستغلين للصراع الطائفي الذي بدأ يظهر بشكل فاضح اليوم في ساحات سوريا.

إذا كانت هذه المجموعات تعتبر الصراع طائفياً تيمناً بالسلطة السورية وأئمة ولاية الفقيه والذين يدعمونهم، ويثار على أنه بين السنة والشيعة، وهم لايزالون يتشربون من منابعها، أو يعودون بخيالهم إلى تاريخ حادثة سقيفة بني ساعدة ومعركة الجمل وبدايات الخلافة الأموية والإمام علي بن ابي طالب وما بعده، الحوادث التي اخرجت الإسلام من منابعها الروحانية إلى صراع سياسي على استلام السلطة بامتياز، فأن هذه الثورة براء من هكذا صراع ومن هذه الصفحات التاريخية المشوهة والمليئة بالاجرام والفساد، الثورة تتجرد من هذه المنابع وهذه الخلفيات الثقافية الجامدة. إنها ثورة قامت وستستمر على النظام الفاسد، وعلى الطائفية وخالقيها ومشيعيها، ومحرضيها.

د. محمود عباس

التيارات المعارضة، الإسلامية السلفية، والذين يمجدون مؤسسي البعث والمقبور صدام الحسين، والذين يلتقون معهم في المفاهيم الفاسدة، عليهم أن يقبلوا بتمجيد المجرم حافظ الأسد، ويتقبلوا حكم الطاغية أبنه وعائلته، مثلهم مثل حكم صدام حسين في العراق! توجهات فكرية فاسدة ظهرت في بدايات الثورة في بعض المواقع الالكترونية وكتبت بعض المقالات فيها، إنها دعاية لثقافة من فكر موبوء، برزت بشكل واضح قبل سنة في أروقة التيارات الإسلامية السياسية ومؤتمراتهم، وعلى صفحة غرفة البالتوك quot; سورية، حرية وعدالة quot; التي يديرها المعارض الدمث الخلق، وصاحب الكلام الثوري القيم السيد quot; ساجد quot; لكن الفكرة كررت ومررت وهي الآن تمرر بشكل عملي وعلى ساحات الوطن السوري تحت أجندات مذهبية صرفة لا علاقة للثورة بها، يصبغون الشهادة على الطاغية quot; صدام حسين quot; والبعض من رموز البعث العراقي والذين سجلهم لا تشرف أية أمة في التاريخ quot; يمجدون فقط لأنهم وقفوا في وجه أئمة أيران ومدهم الشيعي، منطق خاطئ بل وفاسد في بنيانه، الاستناد على تاريخ طاغية لأنه صارع طاغية آخر يكنون له العداء الديني أستهتار بقيم الثورة ومدارك الشعب السوري.

تغلغل البعث السوري والعراقي في الثورة السورية من عدة أبواب، شكلوا مع السلطة السورية معارضة الداخل والتي سميت بهيئة التنسيق الوطنية، والتي تطالب باسقاط النظام الأمني، وفي الحقيقة يطالبون بتغيير السلطة الأمنية لا السياسية. الأفظع هي المجموعات التي تقاتل السلطة تحت اسم الجيش السوري الحر، والذين سيجرفون بالشعب السوري في القادم من الزمن إلى صراع داخل الثورة نفسها، بين فصائل البعث المتخفي والتيارات الاسلامية كالسلفيين او الذين يندرجون تحت مفاهيم الاسلام الليبرالي، وهذا ما تظهره الكتائب المتنوعة في الثورة المسلحة، وهي التي كانت قد دفعت بهم السلطة، لتغيير مسار الثورة السلمية إلى صراع مسلح، وتجرف بعدها إلى صراع اقليمي، بنيانه مذهبي طائفي، كان ائمة ولاية الفقيه يعملون عليها منذ عقود.

الشهادة حكم إلهي، لا قدرة لفكر الإنسان بالنطق فيه، درجات الشهادة التي يتلاعب بها مجموعات حسب الرغبات والغايات الذاتية تجاوز على الفكر الإلهي وأحكامه، فكل من اصبغ على اشخاص أو طغاة صفة الشهادة بعد الوحي الذي أنزل على نبيه، يخالفون الله في أبعاده الخارجة عن مدارك الانسان، المجموعات المذهبية هم أول من يتجاوزون أحكامه، موازين العدالة الإلهية لا تقارن بموازين الإنسان مثلما لا يتوازن الفكر والقدرات. نبتعد عن ما وراء الفكر، ونبحث عن الحاضر الجاري، عن القيم الانسانية التي أزيلت من قبل طغاة، نحكم بقدرات فكر الانسان على الاجرام الذي طال كل بيت في سوريا، ليستمر دكتاتور في السلطة، والفساد الذي تغلغل في كل زوايا الوطن، عن الفقر والبطالة والضياع الثقافي الممنهج الذي نشر بين الشعب ليبقيه في عوز دائم لعطاءات السلطة الشمولية، نحكم بقدراتنا ورؤية الشعب على ما تؤول إليه هذه الأمة، ونقدر اولئك الذين سقطوا في ساحات الوغى ضد هؤلاء الطغاة وحكمهم، لكن لن يعطى هذه الاحكام القوة لمجموعات أن يصبغوا صفة الشهادة على اشخاص غرقوا في الاجرام والفساد كصدام حسين والذين اتبعوه من الحكام المتآلهين، بؤس من وازن بين مقاتل ثوري صارع الطاغية بشار الأسد و والده والمجرمين الذين سبقوهم بدءاً من صدام وحتى علي عبدالله صالح و وهؤلاء المجرمين الذي دمروا الشعب والوطن على مدى عقود، بؤس من أضفى صبغة الشهادة على صدام حسين والحكام الطغاة.

المستبدون فاسدون أي كانت مشاربهم وألوانهم، بدءاً من فراعنة مصر القديمة، أو الحديث الذي أنخلع، إلى الحجاج بن الثقفي إلى الخميني، مروراً بصدام حسين وحافظ الأسد وأعمام بشار الأسد أمثال القذافي ومبارك وصالح وغيرهم، جميعهم ملعونون في سجلات الإنسانية، لا شهادة على هؤلاء من قبل أي من الديانات. وإن كان هناك من يسترحم على quot; صدام حسينquot; ويعتبره من الشهداء، فليكن مرجعه القرآن، ويأخذ العبرة من يوم آمن فرعون برب موسى، وماذا كان رد الملاك جبريل عليه!؟ شهادة quot; صدام حسينquot; في لحظة الرعب، عند رؤية حبل المشنقة وهي تلف حول رقبته هي نفسها شهادة فرعون برب موسى.

الثورة السورية تبحث في أزقة الوطن لإزالة البعث وطغاته، ولن تقبل بتنصيب أو تبديل طغاة آخرين من البعث كرموز صدام حتى ولو اسمياً أو رمزياً مكان الراحل حافظ الأسد أو أبنائه بشار الأسد وماهر! لا مكان للبعث وثقافته الفاسدة ولا لطغاته ومجرميه في وطن الثورة. الثورة السورية أنبثقت من رحم معظم اطياف الشعب لاسقاط النظام بكل أوبئته، وهي تضع اعتبارات لقيم جميع الطوائف والاثنيات المكونة لسوريا كوطن للكل، وكل من يخل بهذه الثقافة الآتية يمهد بشكل أو آخر لوضع طاغية وفساد جديد مكان طغات آل الأسد وفساد البعث.


الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]