فاجئنا المالكي رئيس وزراء العراق قبل ايام باكتشاف عظيم خلال كلمة القاها في مدينة النجف المقدسة امام جمع من مناصريه، فقد اعلن عن ان المنطقة تعيش ازمة خطيرة جذورها طائفية وان العراقيين اسقطوها.

يبدو ان المالكي لم يدرك خطرسياسته الطائفية التي احرقت العراق ومازالت تحرقه الا بعد ان امتد الصراع الطائفي الى خارج العراق واصبح خطرا حقيقيا يهدد امن ومستقبل جميع دول المنطقة. والطريف ان المالكي يحذر من الطائفية ويلقي باللائمة على الاخرين.

الطائفية تتمثل بمجموعة بشرية ليس بالضرورة ان تكون متجانسة عرقيا، تحمل نفس الافكار والمعتقدات الدينية او الاجتماعية وربما تتميز بزيها وسلوكياتها عن غيرها من الطوائف.

بهذا المعنى هي ليست عيبا او جرما اوتهمة، بل حتى ان الاهتمام بتحقيق مصالح الطائفة وضمان حقوقها يعد امرا طبيعا طالما ان افراد الطائفة لايمارسون اعمالا تسيء الى غيرهم او تلحق ضررا بهم.

التنوع الديني والطائفي والاجتماعي سنة من سنن الله (هو الذي جعلكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم، ( والنبي عليه الصلاة والسلام اشار الى اهمية التنوع بقوله (اختلاف امتي رحمة).

الطائفية السياسية التي لم يتطرق لها المالكي في كلمته لانها تدينه هو وكثير من الشخصيات العراقية التي عادت الى العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري، هي التي اججت الحرب الاهلية التي راح ضحيتها مئات الالاف من العراقيين الابرياء الذين لاناقة لهم بها ولاجمل.

مهند السامرائي

كانت مفردات الاكثرية الشيعية والاقلية السنية ومسؤولية طائفة بعينها عن الحاق الظلم بطائفة اخرى والتسبب بقتل ابناءها، هي الاوتار التي عزف عليها المالكي وغيره من قادة الطائفية السياسية للحصول على العصبية، لانهم لايملكون القاعدة الشعبية التي تؤهلهم للزعامة السياسية.

لقد عودنا المالكي على مواقفه وخطبه الانفعالية غير المحسوبة والمفصلة حسب المناسبات، فهو لايملك رؤية واضحة او مشروعا سياسيا وطنيا. كلمته حول الطائفية لاتخرج عن هذا السياق، فهي تأتي في اطار الاستعدادات لخوض انتخابات مجالس المحافظات التي تعد مؤشرا لمدى قوة وشعبية المالكي الطامح لولاية ثالثة وربما ابدية بعد ان نجح في الفترة الماضية بحصر جميع الصلاحيات بيده وفرض هيمنته على جميع مؤسسات الدولة والهيئات المستقلة وتحجيم خصومه السياسيين والتخلص من بعضهم وتسخير موارد الدولة لارضاء طموحاته الشخصية.

لقد حاول المالكي الظهور بمظهر الزعيم الوطني الحريص على وحدة العراق ونسيجه الاجتماعي والديني، الا انه بدى كمن يعلن النصر الطائفي بين انصاره ويكرس زعامته الطائفية.

لقد اخطأ المكان والزمان...
كان الاجدر به من باب اضفاء ولو قدر بسيط من المصداقية على ادعاءاته الوطنية ان يتوجه الى الشارع السني لالقاء كلمته حول نبذ الطائفية وتخلص العراقيين من فتنها. السنة المهمشون، الخائفون من الاحتقان الطائفي الرهيب الذي تمر به المنطقة، الخائفون من المجهول وان يدفعوا ثمن اخطاء وجرائم الاخرين كما دفعوا ثمن جرائم نظام صدام ومن بعدها جرائم القاعدة الارهابي والجماعات المسلحة التي فرضت على المناطق السنية والصقت بالشارع السني عنوة وبهتانا، السنة لاغيرهم هم اولى بسماع خطاب حكومي وطني متوازن لنزع مخاوفهم.

اما الزمان، فقد جاءت ادعاءات المالكي الوطنية وسط اتهامات امريكية له بدعم نظام بشار المجرم والسماح لايران باستخدام اجواء العراق لنقل السلاح ومقاتلي الحرس الثوري الايراني الى سوريا دعما للنظام السوري الارهابي، جاءت ايضا بعد ايام من التخلص من خصمه السياسي السني طارق الهاشمي عبر امر قضائي صادر بتوجيه منه (اي المالكي( في الوقت الذي يمتنع فيه المالكي عن تقديم اي مجرم من طائفته للقضاء.

التحليل السياسي ليس مهنته كما هي السياسة، لذلك فشل في التمييز بين الطائفية المذهبية والطائفية السياسية، الطائفية المذهبية مترسخة في المجتمع العراقي وفي ثقافة العراقيين ولايمكن اسقاطها اما ما يسقط ويرمى خلف الظهر فهي الطائفية السياسية ومروجيها.