عندما إندلعت الإنتفاضة الشعبية بسوريا كنت من متابعيها منذ اللحظة الأولى. فقد كنت كغيري نتوقع ونترقب تفجر إنتفاضة الشعب السوري بوجه الطغيان والإستيداد الأسدي الذي دام لما يقرب من أربعين سنة، جثم خلالها هذا النظام البعثي صنو النظام الدكتاتوري الذي حكم العراق على صدور السوريين بمختلف مكوناتهم،وكان الأكراد هم الأكثر تضررا من سياسات ذلك النظام المستبد،حيث حرموا من أبسط حقوقهم القومية المشروعة بما فيها حق التكلم بلغتهم الأم، ناهيك عن تجريدهم من الجنسية السورية والذي يعني تجريدهم حتى من حق المواطنة في بلدهم.
منذ بداية الإنتفاضة كنت وسط الحدث بحكم عملي الصحفي،وكونت علاقات جيدة مع معظم القيادات الكردية في داخل وخارج سوريا، وكنت على تواصل دائم معهم أحاول أن أنقل صوتهم الى العالم،وأسعى جاهدا الى تعريف الرأي العام العالمي بمحنتهم مع نظام إستبدادي قمعي مارس ضدهم سياسات عنصرية حاقدة ويتنكر لأبسط حقوقهم الإنسانية.
شيرزاد شيخاني |
ولطالما سألت العديد من القيادات الكردية عن أسباب عدم تفجير الإنتفاضة الشعبية في مناطقهم فيما عدا بعض التظاهرات الإحتجاجية التي خرجت في عدد من المدن الكردية وبأوقات متباعدة، فكنت أستمع منهم الى ردود كانت الى حد ما في بداية الثورة السورية منطقية ومقنعة، حينما كانوا يصارحونني بأنهم يخافون من أن يلجأ النظام البعثي في سوريا الى إنتقام شديد ضدهم، وأن يعيد إرتكاب نفس الجرائم التي سبق للنظام البعثي العراقي بقيادة صدام حسين أن إرتكبها ضد الشعب الكردي بالعراق والتي وصلت الى حد جرائم الإبادة البشرية وعمليات الأنفال والقصف الكيمياوي.وكانوا يرددون على مسامعي دائما بأنهم خبروا الأساليب القمعية والإنتقامية لهذا النظام قبل سنوات من تفجر الثورة الحالية عندما قاموا بانتفاضة عام 2004 وواجهوا منه إنتقاما شديدا أودى بحياة العشرات منهم.
ويجب أن أشير بهذا المقام الى أن العديد من القيادات الكردية كانوا في بداية الإنتفاضة الشعبية في سوريا متهمون بمهادنة النظام، بل أن عددا منهم قد زار الرئيس بشار الأسد، ولا نعدم أن يكونوا قد قدموا له تطمينات بعدم تحريك الشارع الكردي ضده في تلك الفترة، وهكذا كان.
عندما بدأت الثورة بدرعا وإنتشر لهيبها الى بقية المدن السورية، كانت أعداد الضحايا ضئيلة قياسا الى أعدادها اليوم، وكانت هناك توقعات لدى الكثير من القيادات الكردية في ذلك الوقت بأن يضطر النظام الحاكم بدمشق لإجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة جماهيريا، وكنت أسمع مثل هذا الرأي من العديد من القيادات الكردية الذبن كان أكثرهم يعلقون الآمال على تلك الإصلاحات التي بدت فيما بعد بأنها وعود كاذبة أطلقها النظام البعثي من أجل كسب المزيد من الوقت،وهنا تحولت الإنتفاضة السلمية للشعب السوري الى مواجهة عسكرية أخذ الجيش السوري الحر المبادرة العسكرية بوجه النظام القمعي الذي لا يعرف غير لغة الحرب والقتل، وتوالت الأيام وأعداد الضحايا تزداد يوما بعد يوم، حتى فاقت خمسين ألفا ويزيدون، والأكراد ساكتون ومتفرجون على هذا القتل اليومي الممنهج الذي لم يستثن الطفل والمرأة والشيخ العاجز.
حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني هو الحزب الكردي الوحيد الذي يمتلك السلاح، وهناك الآلاف من مقاتليه نلقوا تدريبات عسكرية في جبال قنديل منذ سنوات طويلة بهدف إنشاء كردستان الكبرى، وأصبح هؤلاء المسلحين جاهزين للقتال على عكس الكثيرين من الشباب السوري الذي ينضم الى الجيش السوري الحر وهو لا يتملك أية خبرة قتالية،وتدريب وتجهيز هذا العدد الكبير من مقاتلي الحزب المدججين بمختلف أنواع الأسلحة كان الهدف منه بالأساس هو اعدادهم لإعلان الثورة ضد النظام البعثي الحاكم بسوريا لإنتزاع الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي،وشرعية حمل السلاح إنما يستمده أي شعب عندما تصادر منه الحريات والحقوق الإنسانية، والشعب الكردي بسوريا صودرت منه حتى حق التحدث بلغته الأم، وأنتزعت منه الجنسية، وعومل أفراده كغرباء ومهاجرين من قبل النظام العنصري الحاكم بسوريا، فمتى سيستخدم هذا الحزب سلاحه ضد هذا النظام الذي جرد شعبه من كافة حقوقه الإنسانية؟.
الثورة الشعبية قائمة حاليا بسوريا،وهي تتلقى الدعم والمساندة الدولية بشكل لم يحدث في تاريخ الثورات الشعبية،فلماذا لا يتحرك المقاتلون الأكراد لتحرير مناطقهم وفتح جبهة جديدة ضد النظام ليخففوا على إخوانهم الآخرين الضغط العسكري الهائل الذي يستخدمه النظام القمعي على بقية المدن السورية، ويمطر شعبه يوميا بقنابل الطائرات والراجمات والمدافع، فمتى سيهب الأكراد لنصرة إخوانهم الاخرين، إذا لم يكن اليوم فلا فرصة بالغد أبدا.
الأرض لها قيمة عليا،ومن يستولي عليها تكون له الغلبة والكلمة الأقوى،ولذلك كانت الإمبراطوريات وعبر سني التاريخ تسعى لتوسيع رقعتها بالإستيلاء على الأراضي لتقوية نفوذها وتوسيع سلطانها،ولتكن لها الكلمة العليا عند الحرب والسلم، فبأي وجه وبأي حق سيواجه الأكراد بقية الأطياف السورية عندما يحررون بلادهم من رجس النظام البعثي؟. وهل يتصور الأكراد بأن هذا النظام ستكون له فرصة باقية ليستعيد حكمه على البلد الذي حوله الى دمار وخراب؟. حتى أصدقائه وحلفاؤه المقربون باتوا اليوم ينفضون أياديهم عن هذا النظام الدموي المستبد، فماذا ينتظر الأكراد لينزلوا الى ساحة المنازلة الأخيرة ضد النظام قبل فوت الأوان؟.
إن التخاذل الكردي الذي وصل بقناعتي الى حد تشوش الرؤية عند القيادات الكردية،والسياسة الحمقاء التي تنتهجها تلك القيادات لمهادنة النظام حتى اللحظة الأخيرة ستلحق أفدح الأضرار بالشعب الكردي في المستقبل القريب والبعيد أيضا، فهذه القيادات ومعها المجلس الوطني الكردي بجلالة قدره لا يتخاذلون عن تلبية نداء الواجب الوطني بفتح جبهة ضد النظام القاتل، بل انهم يمنعون حتى إنتشار قوات الجيش الحر في المناطق الكردية مما يطيل من عمر النظام الدموي ويوفر له المزيد من الوقت لقتل وإبادة الشعب السوري،وقد لا يتحرجون غدا عندما تتحرر سوريا من الطغيان البعثي أن يذهبوا الى دمشق ويطالبوا الحكم الجديد بالفدرالية بل وحتى بحق تقرير المصير؟!. فبأي وجه حق يطالبون بحقوق لم يقدموا عشر معشار التضحيات التي يقدمها الشعب السوري اليوم بمختلف مكوناته وتراق أنهار من دماء أبنائه على دروب الحرية والخلاص من الدكتاتورية؟!.
نحن في كردستان العراق واجهنا الأنظمة العراقية لأكثر من ثمانية عقود، قدمنا خلالها تضحيات جسيمة،وتعرضنا الى حرب إبادة حقيقية على أيدي النظام البعثي السابق، خسرنا من كل عائلة أبا أو زوجا أو أخا، فكانت المسيرة طويلة وطريق النضال معبدا بالدم الكردي، فلم ترعبنا الآلة العسكرية الهائلة لأحد أكثر الأنظمة الدكتاتورية حقدا على الكرد، حتى فجرنا إنتفاضتنا المجيدة، وبنينا كردستاننا على أنقاض الخراب والدمار البعثي، وساهمنا أخيرا بإزاحة النظام الدموي عن حكم العراق،فذهبنا مرفوعي الرأس الى بغداد،نصيح في برلمانه المنتخب بأعلى صوتنا، ونتشارك الحكم مع من ناضلوا معنا في خنادق القتال،لنا ما لهم وعلينا ما عليهم في بناء المستقبل الديمقراطي بعيدا عن الدكتاتورية، فبأي وجه سوف يلاقي أكراد سوريا وقياداتهم السياسية الجيش الحر المنتصر الزاحف نحو دمشق بعون الله؟؟؟؟..
وفي الختام يحلو تذكر قول أمير الشعراء:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
التعليقات