خلال الازمة السورية، كثيرا ما تردد الحكومة الروسية ان الحل يأتي من الشعب السوري وهو الذي يقرر مصير رئيس النظام بشار الاسد، والصين على نفس المسار كثيرا ما تردد ان الحل يأتي من داخل سوريا ولا فرق بين الضحية والجلاد، ولكن المشكلة ان هاتين الدولتين المارقتين حصرتا الجماهير السورية الثائرة بين مطرقة الاصرار على بقاء النظام ومسند العنف الدموي باستخدام الاسلحة العسكرية الثقيلة من المدافع والدبابات والطائرات، وايران تؤكد نهارا وجهارا ان الدفاع عن نظام دمشق المستبد واجب طائفي مقدس، والمالكي في العراق يؤكد ان ما يجري في سوريا حرب طائفي ضد الشعية.

وممثل الامم المتحدة والجامعة العربية ابراهيم الاخضيري يرسم صورة قاتمة ومأساوية جدا عن الوضع الانساني في سوريا الثائرة بوجه نظامها ورئيسها، مبينا ان حصيلة الخسائر البشرية هائلة، والدمار وصل الى نسب كارثية، والالام كبيرة جدا، وان دعم الاسرة الدولية امر لا بد منه وملح جدا، ومحذرا من ان الوضع لم يكف عن التدهور، وبالرغم من زيارته الى دمشق ولقائه برئيس النظام يبدو انه لم يفلح في الاقناع بوقف العنف وسحب القوات الامنية والعسكرية من المدن لضمان حماية المدنيين.

د. جرجيس كوليزاده
وبالرغم من تكليف الاخضير الابراهيمي، الا ان ما تشهده الساحة السورية من قتل يومي بالعشرات والمئات مازال مستمرا ومتواصلا في المدن الثائرة، حلب ودرعا وريف دمشق وادلب وغيرها، ومعدل قتل مائة شخص يوميا وعلى طوال اكثر من ثمانية عشر شهرا بين شهيد وقتيل وجريح من قبل طرفي الصراع الشعب الثائر والمعارضة المسلحة والنظام، لاشك ان هذا الرقم يمكن اعتباره حماما دمويا بمستوى جريمة الابادة الجماعية، ويمكن احتسابه ضمن الجرائم البشعة ضد الانسانية لاحتوائه على كل مظاهر العنف الدامي، والمؤلم ان هذا القتل متواصل في كل يوم منذ اكثر من سنة ونصف، ومجلس الامن ما زال مراوحا في مكانه بفعل الموقف اللاانساني لكل من روسيا والصين، والموقف الطائفي المقزز لايران، والموقف المخجل للمالكي في بغداد، ويبدو ان هذا القتل اليومي الجماعي تحول الى شهية يومية للدولتين ولنظام الملالي في طهران وللمالكي وتحالفه الشيعي، لطحن السوريين وسحقهم بقنابل الطائرات والدبابات والمدافع، وفي نهاية الأمر لم تخجل ايران من الاعتراف بان افرادا وجماعات من فيلق القدس تتواجد في سوريا ولبنان للدفاع عن نظام بشار الاسد كواجب ديني طائفي مقدس.

الحالة السورية تشهد هذا القتل الجماعي اليومي، والعالم الذي نعيشه تحول الى مقبرة لا حياة ولا نبض انساني فيه، وما نجد فيه من صامت كامل امام المذبحة المتواصلة كل يوم في سوريا بات علامة فارقة مميزة لواقعنا المعاصر، فنجد العرب لهم اقوال ولكن لا افعال لهم، ونجد العجم والفرس في دفاع مستميت عن حرب طائفي للدفاع عن الشيعة، ونجد الترك يحاول بشتى الوسائل اغتنام الفرصة لقيادة المنطقة من جديد اشتياقا لدولته العثمانية الخائبة، ونجد الافرنج اقتناص الفرصة للعودة كقطب دولي في المنطقة، والكرد يقف على الحياد مع مساندة الثوار قلبا ودعاءا، وهناك من يعمل لسلخ الجثة السورية المطروحة للذبح بفعل الاعمال القمعية للنظام.

وفوق هذا، يقف الجميع من الدول الغنية والفقيرة متفرجا وكأن المشهد حلبة لمصارعة الثيران وكأن هنالك اتفاق ضمني بين الجميع لمنح رخصة اقليمية ودولية لحاكم دمشق المستبد للقتل اليومي الجماعي مع وقف تنفيذ حكم انهيار النظام، ولهذا بات أغلب اعضاء المجتمع الدولي يرقدون في سبات عميق ولا يعرفون بما يجري على ارض تدير على رحاها صراعا طائفيا اقليميا ومذابح وجرائم لابادة البشر، ويبدو ان هذا المجتمع بات يتهرب وبدون خجل من المسؤولية الاخلاقية والانسانية لوقف النزيف المتواصل لحصد الارواح الانسانية وقتل المدنيين الابرياء، والمستنتج من مواقف روسيا والصين كدول كبرى داعمة وحامية لنظام مستبد ومرفوض من شعبه، انها تشترك في اغتصاب الحل الاممي عن السوريين، وسد الطريق امام المجتمع الدولي لايجاد حل لانقاذ الشعب وحماية المدنيين.

والمشكلة ان المحكمة الجنائية للامم المتحدة ما زالت غير فاعلة بالرغم من الدلائل المرئية وغير المرئية والاعترافات والادلة المتوفرة لديها، ومازال تكليف مجلس الامن لها غائبا لاصدار اي امر بالمتابعة والتحقيق في الاعمال الاجرامية للنظام السوري ضد شعبه الثائر، وفي وقت يسمح لبشار بامتلاك منظومة اجرامية كاملة عسكريا وامنيا لقتل وابادة المدنيين تطحن الصغير والكبير بالمئات في كل يوم تغيب عنه شمس الحرية.

ولهذا، وبعد ان اغتصبت روسيا والصين الحل الاممي عن السوريين، وبعد ان وضعت ايران كل ثقلها لوقف سقوط النظام، وبعد ان قدم المالكي كل اشكال التعاون المالي والسياسي لاسباب طائفية، لابد من الضغط والتشديد على المحكمة الجنائية الدولية للتحرك والتدخل بقوة لاجراء تحقيق فوري في الجرائم والابادة التي يرتكبها النظام في دمشق بغية تحريك المجتمع الدولي ودفعه لاتخاذ موقف حاسم من ما يجري في سوريا، ولحماية المدنيين من العنف الدموي للنظام باسرع ما يمكن، وانقاذ الشعب السوري من هول ما يتعرض له من حرب ابادة يومية وعلى مرأى من عيون المجتمع الدولي.

[email protected]