اليوم هي القارعة.
واليوم هي الواقعة.
والأجهزة الأمنية الأردنية، تعلَّمت الكثير من quot;الدرس المصريquot;، بحيث لا جمال، ولا بغال، ولا خيول، ضد الشعب المتظاهر، المطالب بالإصلاح والحرية، لكي لا يُقال quot;موقعة جملquot; جديدة يرتكبها النظام الأردني.
فهل كان النظام الأردني وأجهزته الأمنية، أكثر ذكاء، وحصافة، وحنكة، من النظام المصري البائد، الذي أوقع نفسه في quot;معركة الجملquot;؟

أنباء واقعة عمّان
قالت أنباء عمان السابقة، أن الأجواء السياسية والإعلامية، بدت في العاصمة الأردنية، ملبدة بغيوم القلق والارتياب، وسط تهديدات متبادلة بين تيار المعارضة وتيار الموالاة ، وبصورة غير مسبوقة، في تاريخ البلاد.
وبدأ تيار الموالاة الممثل لتجمعات في أوساط العشائر والمحافظات في جملة (مناكفة) لوجستية وميدانية، لم يسبق للواقع الأردني أن تعامل معه، في إطار حملة ضغط شديدة على المتظاهرين، لدفعهم للتراجع عن مسيرة ضخمة، يُفترض ان تنادي بالإصلاح السياسي.
ودخلquot; تيار الموالاةquot; بمناكفة من الواضح أنها مدعومة من السلطات الرسمية، التي تحاول منع مسيرة (إنقاذ الوطن) بأي ثمن، حيث أصدر تجمعاً باسم quot;شباب الولاء للوطنquot; بياناً أعلن فيه بأن عشرات الحافلات (113 حافلة) ستنقل اعتباراً من مساء الخميس الماضي، مئات الأردنيين للمبيت في quot;ساحة النخيلquot; التي قرر المتظاهرون التظاهر فيها اليوم الجمعة، في لغة تحد واضحة غير مسبوقة، لم تعلق عليها السلطات رسمياً.
وقال بيان الموالاة، أن اللجان التنظيمية ستعد ساحة النخيل للمبيت بالنسبة لمن يؤيدون النظام، حيث ستقام في الساحة غرفة عمليات وتوزع 20 ألف نسخة من قميص عليه صورة الملك.

ولكن، وتحاشياً لفضيحة جديدة
ولكن القرار اتُخذ في الدولة الأردنية (الأمن العام، والمخابرات، والديوان) بعدم مجابهة المعارضة بالمولاة، وأُلغيت كافة إجراءات المولاة وقال المتحدث باسم الحكومة، أن الحكومة لا quot;تتنازلquot; لمقارعة حزب سياسي!!

لماذا المظاهرات الآن؟
على الأردنيين الأحرار المتظاهرين اليوم، أن يدركوا أنهم يتظاهرون ليس من أجل وضع الأردن السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، المزري الآن فقط، ولكنهم يتظاهرون ليذكِّروا من نسي أو تناسى، أو غفل أو تغافل عن حقائق تاريخية سابقة. وبأن هذه النضال، امتداد لنضال بدأ عام 1921، ولن ينتهي إلا بسقوط النظام الفاسد، كغيره من الأنظمة العربية الفاسدة، التي سقطت، والتي تنتظر السقوط!
- فهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن القبائل الثائرة عام 1923 ضد الاحتلال البريطاني، التي اقتربت من عمان، ما زال أبناؤها وأحفادها يثورون ضد الاحتلال الجديد المتمثل بالفاسدين، والناهبين، والمقامرين.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن المعاهدة البريطانية- الهاشمية عام 1928، والتي استبدلت الآن بالمعاهدة السرية الأمريكية ndash; الهاشمية، ستتم مقاومتها. وها هو quot;حزب الشعبquot; الأردني، الذي يتظاهر اليوم الصدى القوي لـ quot;حزب الشعبquot; الذي تأسس عام 1927 برئاسة ناجي باشا.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن تعديل الدستور الحالي، الذي هو نسخة من دستور 1928(أول دستور أردني) الذي عزز سلطة الملك والفاسدين السياسيين والمقامرين الذين سرقوا البلد. ومن هنا يطالب المتظاهرون اليوم بتعديل هذا الدستور.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن الضرائب الحالية فاقت كثيراً نسبة 76% من دخل الدولة المسروقة على موائد القمار، التي كانت مقررة عام 1939/1940.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن دستور 1946 الذي أعطى الملك المؤسس سلطة مطلقة، لم يعد قائماً. فالأردن الآن ليس أردن أربعينات القرن الماضي. وإنما هو أردن quot;الربيع العربيquot;، الذي تأخر عن موعده، لظروف معروفة. وها هو الآن يأتي متدفقاً، طلقاً، مزهراً، بدحنونه.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن بنضالات شعبية عام 1950، ضد قيود الرقابة على الصحافة، وأن أحرف جريدة quot;الميثاقquot; المعارضة، التي صدرت عام 1950 ، ما زالت تنير طريق الحرية والديمقراطية.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن الدستور الحالي هو نسخة من دستور 1952 الذي صان مصالح البلاط، والديوان، ورجال الحكومات المتعاقبة (أكثر من 80 رئيس حكومة).
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بالمظاهرات التي عمَّت الأردن عام 1954، والتي اعقبها إعلان حالة الطواريء (التي يمكن أن تعلن الآن في الأردن)
وأن عام 1957 يمكن أن يعود بكل سهولة، ما دام النظام هو نفسه لم يتغير. ففي ذلك العام أُعلنت حالة الطواريء، ومُنع التجول في البلاد، ونزل الجيش الى الشوارع، وأُغلقت الحدود، وحُلت كافة الأحزاب السياسية، وروابط الطلاب والنساء وسائر المنظمات التقدمية، وفُرضت الرقابة على الصحافة، ومُنع صدور صحف جديدة، وأُعتقل آلاف السياسيين (1600) وأُرسلوا الى(الجفر)، وهرب الى خارج الأردن أكثر من 250 مهاجراً سياسياً.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بالجوع، والفقر، والجهل، والفساد، ومال الشعب المسروق والمهدور على الطاولات الخضراء، وأراضيه المسروقة، تحت عباءة التنمية الكذابة.
- وهم يتظاهرون اليوم، ليذكِّروا الأردن، بأن الأردن تحكمه أجهزة الأمن والمخابرات البوليسية وأن القشرة الديمقراطية التي يتحدثون عنها ما هي إلا طلاء (برَّاني) لتنك صدئ.
- وأخيراً، هم يتظاهرون اليوم، ليذكروا الأردن، وليقولوا للعالم بأن هذه التظاهرات ليست بدعة جديدة ولكنها تاريخ ممتد من النضال الشعبي منذ عام 1921 حتى الآن.

السلام عليكم.