كان يا ما كان، بهذه العبارة كانت امهاتنا وجداتنا تفتتح بها قصة قبل النوم، فيسرح خيالنا ليصنع لنا عالما طفوليا جميلا ندخله من دون ثمن، ونعيش تفاصيله من دون ان نحط على ارض الواقع، وهذا امر جميل واساس برئ، الغريب هو ان ( كان يا ما كان ) تكبر معنا ونصغر معها، هذا هو الامر غير الطبيعي بل والمزعج، لاننا الى الان ونحن نرضع من ثدي (كان يا ما كان ) ونسرح بخيالنا الى مضارب التأريخ ونعيش فيها وننفعل بتدحرج الاحداث على بساط الخيال فنركض وراءها كما الاطفال حين يسابقون ظلهم او يقفزون في الفراغ ليلمسوا القمر او يلعقوا قرص الشمس.

قبل ايام شاهدت الفيلم الخيالي الشهير (ليلة في المتحف) Night At The Museum)) من اخراجShawn Levy) ). الفيلم يتحدث عن معاناة بطل الفلم الذي كان الحارس الليلي في متحف كبير، تبدأ المعاناة حين يعبث هذا الحارس بالمكرفون الخاص باصدار التعليمات والبلاغات في المتحف ويستعمل خلال وجود الزائرين.

اثناء لعبه بالمكرفون صار يسمع اصواتا تنطلق من احدى القاعات، فظن ان زميله في الحراسة يمازحه، ولكنه حين وصل الى هناك رأى ان كل شئ في المتحف صار حياً ويتحرك بكل نشاط وحيوية فالديناصورات راحت تطارده وتماثيل الشخصيات صارت تتحدث معه، وقواد الجيوش جعلوا من صالات المتحف ساحات قتال، وهكذا عادت الحياة لكل تلك الجمادات، وصاحبنا الحارس الليلي صار جزأ من الملحمة بل تمزق بين فصولها وفقد اعصابه واقترب من حافة الجنون. اكتفي بهذا القدر من الفلم لاعود الى موضع الشاهد وهو (كان يا ما كان)، ارى اننا اصبحنا كحارس المتحف الذي تحول التأريخ بين يديه حياً نابضاً بديناصوراته التي تطارده وتماثيله الخرساء الباردة التي صارت تصارعه، الكثير منا يعيش في متحف التأريخ ويضخ الحياة بكل حجر ومدر وينبش القبور ليحاكم اصحابها على دَين ndash; بفتح الدال- لأجداده يوم كانت العملة (المقايضة)، والسرعة الخارقة، (جواد جامح)، والقادرين على (فك الأبجدية) اقل بكثير من الحائزين على جائزة (نوبل) اليوم، واكثر مولدات الطاقة هي التمر للجسد والزيت للسراج، واعلى بناء هي المعلقات السبع او العشر. اقول صرنا نصارع اوهاما ونقاتل اشباحاً، واكثر الافعال نشاطا في عالمنا هو الفعل الناقص (كان) به نستعين وعلى هديه نسير، وترحيل مشاكلنا الى خارج الزمن والواقع لنريح انفسنا عناء البحث عن الحلول الناجعة لها.