يقول الكاتب و الضابط الروسي كارل فورن كلوزفيتزquot;الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرىquot; و إن كنت لا أتوافق مع هذه الرؤية كليا بل أؤيد المرحوم الياس مرقص على أن الحرب هي نكوص عن السياسة و تراجع إلى ما هو قبل إنساني. فالسياسة فعل مدني متطور أما الحرب فهي فعل همجي‫.‬

إلا أننا نعيش اليوم في سوريا حالة ما قبل إنسانية بامتياز لذلك سأرضى بهذه المقولة و أطالب أن تكون الحرب امتدادا للسياسة كأضعف الإيمان، و لكن هل يمكن اعتبار ذلك صحيحا في ما تشهده سوريا، و هل يمكن اعتبار سوريا اليوم تعيش حالة حرب على أسس سياسية ؟

ربما و لكن حتما ليس من منظور و أسلوب عمل النظام السوري و إدارته للحرب، فالحرب الامتداد للسياسة هي حالة شديدة العنف من الحوار لإحداث تغيير في موازين القوى و إجبار الخصم على القبول بشروط تفاوض تحقق للطرف المنتصر مزيدا من المكاسب عند وقف النزاع و من البديهي في هذه الحالة أن تدخل في حسابات كل طرف محارب ظروف الطرف الآخر و احتمالات ردود فعله سواء المباشرة منها أو غير المباشرة، فليست الغاية هي فناء الخصم و إنما إضعافه و إجباره على الدخول في مسالك تزيد من التضييق عليه و في هذه الحال لا بد من التفكير دوما بهذه المسالك و المحافظة على إمكانية تراجع الخصم و عدم إغلاق جميع الآفاق و الطرق أمامه لأن الننتيجة ليست بالضرورة أن تكون خضوعه و إنما سيزيد احتمال انحرافه إلى مسالك و آليات غير متوقعة، فسياسة التخويف عن طريق القتل مثلا تكون مرعبة و quot;مجدية إلى حدود معينةquot; لكنها تفقد جدواها عندما يصل الخصم إلى حالة قبول الموت فكيف إذا وصل إلى التعامل معه بالأهازيج. فالحال هذه لن يعود الموت مخيفا بل على العكس يتحول إلى مطلب و هو ما يجعل الصراع يتحول حتما من حالة الحرب إلى حالة صراع إرهابي طرفه الأول إرهاب منظم و منهجي و طرفه الآخر إرهاب ناتج عن ردود فعل، و سيؤدي إلى تحويل المقاتلين إلى قنابل موقوتة لا يمكن التعامل معها أو التنبؤ بسلوكياتها أو السيطرة عليها.

ما يؤكد هذه الرؤية في الحالة السورية أن سياسة الحرب التي اعتمدها النظام منذ سنة و ثمانية أشهر لم تؤد إطلاقا إلى تخفيض المطالب لدى الخصم quot;الشعب صاحب الحقوق و الشرعية في الحالة السوريةquot; إنما أدت إلى العكس تماما أي إلى ارتفاع مستوى المطالب و زيادة مستوى العنف فتحولت الثورة السلمية إلى ثورة تعتمد اعتمادا رئيسيا على الجناح المسلح منها و بدأ يتراجع الوجه المدني الديمقراطي للحراك الثوري و الذي يمثل وجه سوريا الطبيعي ليحل محله الوجه الديني المتشدد و هي الحالة المنطقية و المتوقعة التي سترافق أي ازدياد في مستوى العنف.

إذن لم يتعامل النظام حتى الان مع الثورة السورية على أنها حالة حرب بمفهومها كامتداد للسياسة و إنما كان و ما زال يتعامل مع الشعب السوري بمنطق و أسلوب انتقامي و قتل لأجل القتل معتمدا على الإعدامات الميدانية التي أصبحت أكثر من مجرد حالات موثقة بل تعدتها لتكون سلوكيات منهجية إضافة للمجازر التي ترتكب بشكل دوري و في كافة أنحاء البلاد و كأن النظام قد فقد أي منطق في الحرب و تحول إلى آلة قتل و تدمير لا أكثرصماء بعيدة عن أي شكل من أشكال الحسابات السياسية.

ما تحدثنا عنه لن يؤدي فقط إلى ازدياد مستوى العنف لدى المجتمع و زيادة حضور الجناح المسلح للثورة فقط لكنه في الوقت ذاته سيجعل إمكانية التوصل إلى حل سياسي شبه معدومة و هو ما يدخل كل من النظام و المعارضة السياسية في مأزق لا يمكن الخروج منه بحل سياسي فحتى لو فرضنا قبول المعارضة اليوم بكافة شروط النظام فلن تكون هناك أية نتيجة حقيقية ملموسة في الشارع إذ إن العنف وصل إلى المستوى الذي فصل ما بين الشارع المنتفض و خصوصا الذراع المسلح منه و ما بين السياسي و تحول الصراع إلى صراع على البقاء ما بين النظام و الشعب و بما أن الشعب لا يمكن أن يفنى فهذا يجعل سقوط النظام و فناءه حتميا و عليه فإما أن يكون النظام السوري يتمتع بمستوى من البلادة و الغرور و الغباء يجعله جاهلا بهذه الحقيقة أو أنه مدرك تماما لهذه الحقيقة و يقوم بكل ما يقوم به من باب الانتقام المسبق.


عضو في المنبر السوري الديمقراطي