التغيير نحو الأفضل من المفروض أن يكون مبتغى للدول ، المؤسسات والأفراد على حد سواء وإلا فكيف سيكون هناك أملا بالتطور من مستوى الى آخر. تبني الشعارات البراقة حول النمو ، التقدم والانتقال الى حياة أكثر حداثة جاري على قدم وساق على الأصعدة الرسمية. السكان يتطلعون الى جني ثمار التطور العلمي الذي هو في المحصلة من نتاج البشر ولأجلهم ، الا أن هذه التطلعات عندما تدنو من ملامسة التركيبة السياسية لبعض الأنظمة و تشرع في طرق أبواب حكامها تتحول عندئذ الى لعنة ، خيانة ، خطر ، وباء ومؤامرة محاكة بأيدي خفية ضدهم وبالتالي لابد من القضاء عليها. الاستئثار بالسلطة والمحافظة على الموروثات القديمة تعدّ لديهم من الثوابت الملازمة للحكم و يجب العمل بها الى ما لانهاية.

عملية الصراع بين القديم التقليدي والجديد القادم قد بدأ فعلا مع أول خطوة في مجال التقدم التكنولوجي الذي مهد لوضع اللبنة الأولى للعولمة. الآن هناك من يسير مع التيار ، البعض يلهث للحاق بركب التطور الجاري ، آخرون يراوحون مكانهم ، كما أن هناك من يسير عكس التيار ويحارب كل جديد لا يلائم مزاجه المتعنت.

العديد من المسارات لا تجري على سوية واحدة أو ربما لا ترقى بعضها الى مصاف الأخرى فإذا نظرنا على سبيل المثال الى الثورة المعلوماتية ووسائل التواصل العلمية،الالكترونية والاجتماعية فلاشك بأنها عبرت جميع القيود والحدود دون حاجة لتأشيرة دخول. هذه الثورة التي ألغت الحدود والمسافات تفرض أيضا الكثير من الضوابط والأنظمة الجديدة التي لابد أن تدخل في مختلف مضامير الحياة كما يجب ازالة البعض الاخر منها ،التي أضحت جزءا من الماضي والتي لا تتناسب مع التطور السريع الذي يحدث عالميا. هذا التحول السريع يتطلب أيضا نمطا جديدا من التفكير.

فرمز حسين

في مقالة سابقة كنت قد كتبت ملخصا عن مقالة للبروفسور السويدي ليف لوفين والتي كانت حول الديمقراطية العالمية وكتابه بعنوان عام 2119 هو عام الديمقراطية، الذي سوف يصدر في الشتاء المقبل. فيما يلي ملخصا عن مقالة أخرى له حول الموضوع نفسه نشر في صحيفة داغنز نيهيتر السويدية.
يقول لوفين:
يتأثر العالم جميعا بمن سيحكم أمريكا ،هل يعني هذا أن يكون للسويديين مثلا حق التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ هذا التساؤل ليس للدعابة بل أنه سؤال يناقش بكامل الجدية ضمن بحوث العلوم السياسية الدولية.

التصويت تماشيا مع نسبة التأثر بالقرار يطلق كمبدأ جديد أفضل من حق التصويت العام الذي فيه الكثير من الثغرات. هذه الأفكار يتم بحثها حتى من هؤلاء المحافظين أتباع جون ستيوارت( فيلسوف بريطاني 1806-187) وصولا الى روبرت دال (بروفسور أمريكي معاصر في العلوم السياسية). أليس من الأفضل أن يكون هؤلاء العاملين في مجال السياسة والأكثر إطلاعا على خفاياها أن يتمتعوا بنفوذ أكبر. أليس من حق هؤلاء الذين على دراية وخبرة في مشكلة معينة أن يكون لهم القول الفصل.

قبل كل شيء حق التصويت العام مؤطر ضمن حدود الأمة أو الدولة بينما التصويت عبر مبدأ التأثر يتجاوز تلك الحدود. ولذلك ينظر الى مبدأ التأثر على أنه الأكثر تناسبا في دنيا العولمة. الأنهار لا تتوقف عن الجريان ، الرياح لا تكف عن الهبوب ، التحويلات المالية تنفذ ، الأوبئة والأمراض المعدية لا تنتهي عند حدود الدول. التلوث بصورة أو بأخرى ينتقل من بلد الى أخر.
ا
هناك اقتراحات محددة حول كيفية صياغة مبدأ التأثر ، ربما الدول تستطيع معا ادخال ممثليات متبادلة عنهم يقول بروفسور العلوم السياسية الأمريكي فيليب شميتر ، الدول تستطيع بكل بساطة أن تحجز عددا من المقاعد في البرلمان للدول الجارة لها أو تلك الأكثر تأثرا. هناك مثالا يشار اليه غالبا وهي أن دانمارك لعل من حقها أن تبدي رأيها في القبول أو الرفض فيما اذا قررت السويد اقامة مفاعل نووي بالقرب من حدودها.

اقتراح اخر ينادي بإدخال نوع ضبابي من المواطنة يقول العالم السياسي دانييل أرشيبوجي بحيث يعكس العلاقة بوضوح تدريجي من كثير ، قليل أو عدم التأثر بالقرارات الصادرة من برلمان دولة أخرى. مثل هذا التحديد شبيه بحقوق الانتخابات التي منحت خلال فترة السبعينيات على سبيل المثال للأجانب الموجودين في السويد ، أي حقهم في التصويت على مستوى مجالس البلديات والمحافظات ولكن ليس حق التصويت للبرلمان.

يمكن العمل أيضا على اقامة هيئة بمستويات متعددة كما يرى البريطاني دافيد هيلد، تعالج القضايا التي تؤثر على السكان في المحيط القريب والأمور التي لها تأثير في محيطات أبعد ويتم تحويل قرار البت في المسائل الأخيرة الى جهاز أو تنظيم دولي. اليوم هناك الكثير من القضايا يتم تحويلها الى منظمة دولية مثل الاتحاد الأوروبي. هذا التدويل يجعلنا مرة أخرى أن نفكر في أمر التمثيل الديمقراطي. يستخلص لوفين مقالته بأنه مهما كان الحافز براقا وجذابا لذوق المثقف عند التفكير بمبادئ تمثيلية أخرى غير حق التصويت العام فأنه يرى سلبياته ويردف قائلا: على الأمريكيين اختيار رئيسهم بأنفسهم نحن سنحاول التأثير على قراراته السياسية من خلال حشد الرأي العام، عن طريق ممثلينا المنتخبين ومن خلال المنظمات الدولية. يضيف لوفين : في كتابي القادم أتلاعب بمنظور مائتي عام ابتداء من معاهدة فرساي للسلام عام 1919 هذا يعني أننا الآن في منتصف الطريق.

في هذا السياق وبالتفكير في الوضع المأساوي لأهلنا في سورية وكثرة اللغط الدائر حول الـتأثيرات التي قد تتركها على دول مجاورة وأخرى غير مجاورة ، لو جرى التصويت عبر مبدأ التأثر فكم من الدول كانت ستفوز بحقها في التصويت على الرئيس السوري؟ وماهية النتائج التي كانت ستخلف!؟
من ناحية أخرى:
ماذا فعل الرأي العام المحتشد للمواطنين السوريين المنكوبين؟
ما هي الحلول التي تم تقدميها من قبل الساسة الدوليين المنتخبين بشأن المأساة السورية؟
ماذا قدمت المنظمات الدولية للشعب السوري؟


مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]