لا يمكن بحال من الأحوال فصل الحادث الجوي الذي أرغمت فيه مقاتلات حربية تركية طائرة مدنية سورية على تغيير مسار رحلتها من موسكو إلى سوريا والهبوط في أنقرة، عن سلسلة التداعيات والتصعيد العسكري بين البلدين، بعد سقوط العديد من لقذائف على القرى التركية، واستصدار حكومة أردوغان لتفويض وضوء أخضر من البرلمان الذي يهيمن عليه حزبه، لشن أي عمل عسكري يرتأيه لحماية الأمن القومي التركي وأراضيه.

ولكن.. ما الذي جعل المؤشر التركي الذي اتصف بضبط النفس إزاء تصرفات أكثر استدعاء للتحرك (كحادثة إسقاط طيارة تركية في البحر المتوسط ومقتل طيارين أتراك) ينفلت من عقاله ويرتفع فجأة في ظل احتدام المعارك والصراع في سوريا؟
بعض أنصار نظرية المؤامرة رأوا في التحول التركي دليلاً جديداً ويومياً على الانتصارات العسكرية quot;الساحقةquot; التي يحققها الجيش العربي السوري في quot;أم المعاركquot; معركة حلب، والتي سبق أن تعهد مسؤول عسكري سوري أن يتم حسم أمرها خلال عشرة أيام من تاريخ بداية الحشد العسكري عليها قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر، وها نحن نودع ما يزيد عن 90 يوماً تقريباً، ولم تزل المعارك محتدمة، وخطوط الإمداد العسكرية تتقطع أوصالها، رغم ما قيل وتم تسريبه من قبل بعض الصحف اللبنانية الموالية عن حشد آلاف الجنود والعديد من القطع العسكرية إلى حلب، لحسم المعركة خلال ساعات قليلة!؟
ما يميز الأزمة السورية (وهي لا تخلو عن مزايا مدهشة يسطرها الشعب السوري كل يوم) أن الاشتباك الجاري والمعارك المحتدمة لم تنجح حتى الآن في شطر المجتمع السوري طائفياً أو عنصرياً أو حتى مذهبياً على الرغم من توفر كافة معطيات ذلك، وفي مقدمته التحريض الطائفي والمذهبي المخيف من قبل قنوات إعلامية جارة وقريبة، لجعل الاصطفاف في سوريا يتمحور حول ثورة سنية في مواجهة الأقلية العلوية الحاكمة، فلا يزال الفصل والاصطفاف داخل المجتمع السوري قائم بين مؤيد ومعارض للنظام، بل إن نزيف الدم الجارف في كل المدن السورية لم يوقع البلاد والعباد (وإن شاء الله لا يحدث ذلك) في نقص وحاجة إلى كميات من أصناف الدم للجرحى، بسبب مسألة التكافل والتضامن المنتشرة بين السوريين، فتجد الواحد منهم قد تبرع بدمه أكثر من مرة وخلال فترة زمنية وجيزة.
قد يكون قرب موعد الانتخابات الأمريكية، وبالتالي تزايد الضغط على حلفاء النظام السوري في روسيا لجهة قرب تحرر الولايات المتحدة من عبء الانتخابات الرئاسية عاملاً مساعداً في تطوير الأمور والأحداث، فعامل الوقت لم يعد مساعداً في إدارة الأزمة السورية، التي طالت أكثر من المقبول إلا بالنسبة لم لا يريد الخير والقوة للشعب السوري.
لا ينقطع الحديث بين السوريين سواء كانوا داخل مدنهم، أو مهجرين نازحين في مدن وبيوت أخرى، أو لاجئين في بلدان الجوار، عن أجواء الحرب التي يرون أنها quot;وشيكةquot; وquot;حتميةquot; بصرف النظر عن أسبابها وعوامل اندلاعها والمتسبب بها والأهداف من ورائها، بيد أن معظم السوريين يرون في الحرب مع الجارة الكبرى تركيا quot;مخرجاًquot; لما باتوا يقاسونه من ويلات وأزمات معيشية لا تطاق، وهم بذلك يتمثلون المقولة التي تجعل من الحرب وسيلة أخرى من وسائل التفاوض السياسي والحوار الذي انقطعت أوداجه قبل أن يبدأ، فرغم الخلافات السياسية بين السوريين، لكن الأمل في تغيير الواقع ومعطيات القوى العسكرية على الأرض، سواء كانت في صالح أحد الطرفين أو الآخر، الأمل بتغيير الواقع المزري والمأساوي هو الوحيد الذي يمكن أن ضمد جراحات السوريين الذين عجز العالم برمته عن إيجاد حل لأزمته المستفحلة والتي يخشى أن تصبح مزمنة!؟
كاتب وباحث