قد يكون العنوان المتقدم quot;رومانسياًquot; أو quot;حالماًquot; بالنسبة لكثير من المحللين السياسيين والمحايدين ممن لا ينتسبون إلى حركة فتح أو حركة حماس، وquot;مستفزاًquot; وquot;مثيراًquot; بالنسبة لأنصار الحركتين الأكبر والأكثر استقطاباً في الساحة السياسية الفلسطينية، لكن تداعيات الربيع العربي أو ما يحرص البعض من نقاده على تسميته quot;بالعاصفة الإسلاميةquot; قد جعلت من هذا الأمر quot;فرضيةquot; قابلة للنقاش والجدل في ظل التطورات الأخيرة.
زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى دول الثورات العربية في المغرب العربي الكبير (تونس ومن ثم ليبيا)، ومغازلته لأنظمة الحكم المتشكلة من رحم الثورات العربية، والتي هيمن quot;الإسلاميونquot; على نتائجها وانتخاباتها التشريعية النزيهة، توضح حجم المخاوف العباسية المتعاظمة من انعكاس فوز quot;الإسلاميينquot; في بلدان الربيع العربي على موقع حركة حماس، الممثل الإخواني للتيارات الإسلامية في فلسطين، في منظومة العمل السياسي الفلسطيني، لا سيما بعد أن نزعت حركة حماس إلى ترتيب أوراق بيتها الداخلي، وشروعها في انتخابات شاملة لقياداتها، في استباق منها، على ما يبدو، لقادمات الأيام ومستقبل التطورات التي تتكثف أخيراً بشكل مشابه للحالة التي تم تتويج أبو عمار ومعه حركة فتح على رأس المنظومة الفلسطينية السياسية، ومنظمة التحرير بالذات، في إحدى مؤتمرات القمة العربية، وبدعم ومباركة رسميين استمدت من الميل والتأييد العاطفي الشعبي آنذاك لحركات التحرر الوطني المسلح.
رفض محمود عباس اعتبار أن صعود الإسلاميين إلى الحكم في الدول العربية التي شهدت ثورات سيؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية، وتأكيده أن نتيجة الثورات العربية ستكون حتماً في صالح القضية الفلسطينية؛ quot;لأن فلسطين في قلب كل الشعوب العربيةquot;، لا تعكس مخاوف الرجل من أن تكون نهاية الربيع العربي تبدلاً في هرم السياسة الفلسطينية، وتتويجاً لحركة حماس في موقع حركة فتح في منظمة التحرير الفلسطينية، بمباركة عربية رسمية لا يمكنها إغفال المزاج الشعبي العربي المتعاطف مع الحركات الإسلامية.
لكن حالة quot;الغزل العباسيquot; لحكومتي البلدين (تونس وليبيا)، ومحاولة مد جسور الثقة معهما، رغم تأييد السلطة الفلسطينية لثورات البلدين وعدم ترددها في ذلك، ما لبثت أن وقعت في فخ quot;مداهنةquot; quot;إسرائيلquot; ونصب الأفخاخ لحركة حماس، بعد أن تم توجيه سؤال عن قبوله لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة مسلحة، إذ قال قبل مغادرته تونس إلى ليبيا في مؤتمر صحفي: quot;لا نقبل في هذا الوقت بانتفاضة مسلحة، ونؤيد المقاومة السلمية الشعبيةquot;، نافياً أن تكون حركة حماس قد دعت إلى انتفاضة فلسطينية مسلحة، وقال إنها تعني بدعوتها تلك المقاومة الشعبية السلمية.
عباس لفت إلى أن حركة حماس سبق لها ان quot;طالبت كل التنظيمات والفصائل الفلسطينية بضبط النفس والتهدئة في التعاطي مع إسرائيلquot;، وبعدم إطلاق الصواريخ quot;إلى درجة أنها تصطدم في بعض الأحيان مع هذه التنظيمات، وهو أمر حقيقي ولا غبار عليه، والموقف واحد ونحن وإياهم مع التهدئة ومع المقاومة الشعبية السلمية لا أكثر ولاأقلquot;.
وفي محاولة لاستثمار زيارته إلى تونس، رحب عباس بالإتصالات بين التونسيين وحركة حماس لإزالة أي نوع من العقبات في طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية، قائلا إن quot;تونس لها وزن وثقل يمكنها من دعم ملف المصالحةquot;، بحكم العلاقات التاريخية والمعين المشترك بين حركة النهضة الحاكمة في تونس وحركة حماس.
مشكلة المشهد السياسي الفلسطيني أنه دائماً ما ينتظر التحولات في المواقع والملفات الأخرى ليتأثر بها سلباً أو إيجاباً، في الوقت الذي من المفترض فيه أن تكون فلسطين رافعة العمل العربي والإسلامي، وأن يكون الاقتراب من ملفها بوصلة قياس لمدى صوابية أي حكومة أو نظام سياسي، بدل أن تكون فلسطين quot;مطيةquot; أو quot;ذريعةquot; لتبرير أي ممارسات سياسية باسم الدفاع عن فلسطين والفلسطينيين، وإلى أن يتخلص الفلسطينيون من هذه الحال، فإن المرجح أن يتم الانتقال quot;السلسquot; للمواقع في المشهد السياسي الفلسطيني، بناء على التحولات الجارية في المنطقة العربية، والتي باتت مهيئة لاستقبال quot;زمن الإسلاميينquot;، إلى أن يخلق الله أمراً كان مفعولاً...


... كاتب وباحث
[email protected]