مع احتدام التنافس بين التيارات السياسية في مصر بعد انتهاء المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية، واتضاح صورة النتائج التي تشير إلى اكتساح رموز التيار الإسلامي، سواء كان إخوانياً أم سلفياً أم غير ذلك، لصناديق الاقتراع، يبدو التفكير بمستقبل العلاقة مع الآخر وبالذات الغرب والكيان الإسرائيلي مهيمناً على فكر التيارات الإسلامية التي لطالما جاهرت بالعداء للكيان الإسرائيلي، وجاهر جزء منها بالعداء لكل الغرب بوصفه الغرب المتصهين الصليبي على حد تعبير بعض التيارات الإسلامية المتشددة.
بداية الغزل من قبل كلا الطرفين بدأ مع نهاية المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، وتسريب الصحف الإسرائيلية لمواقف رجالات من الإخوان المسلمين يتضح منها موافقة الحركة مبدئياً على الالتزام باتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الإسرائيلي في حل فوزهم بالانتخابات وتعهدهم بذلك للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سرعان ما نفاه قيادات الإخوان على الملأ.
الناطق باسم حزب النور السلفي المصري، يسري حماد، أعلن صراحة لوسائل الإعلام ألا مانع لدى الحزب من الحوار مع quot;إسرائيلquot;، في حين رد أعضاء الهيئة العليا، أن هذا ليس رأياً نهائياً، وأن الأمر quot;محل مراجعةquot;. وقال حماد إن حديث السفير الإسرائيلي في القاهرة، يعقوب اميتاي، عن حوار مع حزبه quot;أمر متوقعquot; في ظل ما سماه ارتفاع نسبة تمثيل حزبه في الانتخابات البرلمانية، التي ستشكل برلمان الثورة.
لكن الناطق باسم حزب النور الذي فاجأ المراقبين بنتائجه خلال المرحلتين الماضيتين سارع إلى الاستدراك بأن أي حوارات مع quot;إسرائيلquot; ستتم في ظل إشراف وزارة الخارجية المصرية، وأنه لن يقبل حزبه على أي حوارات سرية، كاشفاً أنه حتى الآن لم يحدث أي اتصالات مع الإسرائيليين، وأن الأمر يتوقف على التصريحات الإعلامية من الجانب الإسرائيلي. وتعليقاً منه على موقف جماعة الإخوان الرافض لأي حوارات مع الإسرائيليين، قال حماد إن quot;الحوار في حد ذاته يجب ألا يكون مرفوضاً، خصوصاً من جانب أي قوى سياسية ارتضت العمل القيام بعمل سياسي، وكلام الإخوان، مع تقديرنا له، لا يتماشى مع الحقائق على أرض الواقع التي تدعو للحوار الذي لا يقوم على إملاءاتquot;.
تصريحان الناطق باسم حزب النور السلفي أثارت الجدل داخل حزبه وأنصاره، وبدا عليها قلة الخبرة السياسية في هذا التوقيت بالذات، الذي تسعى فيه الأحزاب المصرية إلى استمالة الناخب المصري، فأكد عضو الهيئة العليا لحزب النور، محمد سعيد، أن الهيئة العليا للحزب في حال انعقاد دائم حتى تتم مناقشة التصريحات المنسوبة لحماد، واصفاً إياها بأنها تصريحات محل مراجعة ولا تعكس موقف الحزب. وأضاف أن الحزب بصدد إصدار قرار فيما يتعلق بهذه التصريحات لتوضيح موقف الحزب من قضية العلاقة مع quot;إسرائيلquot; وإمكانية التحاور مع ديبلوماسيين إسرائيليين من عدمه، وإعلان ذلك في بيان رسمي باسم الحزب، متبرئاً من تصريحات الناطق باسم حزبه في الوقت الراهن، ومعتبراً أنها لا تمثل وجهة نظر حزب النور.
الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان وعضو مكتب الإرشاد، محمود غزلان، نفى من جهته ما نشرته صحيفة quot;معاريفquot; الإسرائيلية عن أن quot;إسرائيلquot; تجري اتصالات بالجماعة لإقامة حوار معها، وقال غزلان إن quot;الإخوان يرفضون تماماً أي لقاءات أو حوارات أو تواصل مع الكيان الصهيوني وهم يعلمون ذلك جيداً، وأن نشر مثل هذه التقارير في هذا الوقت من قبل الصهاينة إنما الغرض منه التشويه المتعمد لصورة الإخوان، ومحاولة التشويش على مواقفهم الواضحة في رفضهم القاطع للوجود الصهيوني على أرض فلسطين، ويؤكدون على مطالبهم الثابتة بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وعلى دعمهم للمقاومة الوطنية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي الغادرquot;.
الصحف المصرية بدورها دخلت على خط التسريبات عن الأحزاب الإسلامية، فنقلت عن السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة، إسحاق ليفانون، أن الخارجية الإسرائيلية منعته من إجراء اتصالات مع جماعة quot;الإخوانquot; التي وصفها بأنها quot;أقل تطرفاً مما تعتقد إسرائيلquot;. وقال ليفانون لصحيفة معاريف، إنه أرسل توصية إلى الخارجية الإسرائيلية، عقب اندلاع ثورة 25 يناير، طالباً الموافقة على أن يبدأ محادثات مع الإخوان، لكن الوزارة رفضت. وشدد السفير الإسرائيلي السابق على ضرورة عدم تجاهل الإخوان، مؤكدا أنهم quot;براجماتيونquot;، وليسوا متطرفين. الأمر الذي استدعى تأكيد جماعة quot;الإخوانquot; رفضها الحوار مع quot;إسرائيلquot;، على لسان نائب المرشد العام للجماعة، د. رشاد البيومي، إذ لا يمكن من وجهة نظره أبداً quot;أن نتحاور مع إسرائيل، فهى دولة إجرام واحتلالquot;.
من وجهة نظري المتواضعة، لا يمكن لأي تيار أو فريق أو حزب سياسي مصري أن يتسلم زمام الأمور من المجلس العسكري الأعلى في مصر دون أن يتلقى ضمانات، ولو غير معلنة، بالحفاظ على ما قام به النظام السابق، خصوصاً في الوقت الراهن الذي يتسم بالاضطراب الأمني والاقتصادي، وعليه، فإن مغازلة الإسرائيليين للأحزاب والحركات الإسلامية، لا العكس، الغاية منه تأمين الهدوء على حدود فلسطين الجنوبية، وبالذات في شبه جزيرة سيناء المحتقنة أصلاً، وبرأيي أن أي حزب أو تيار سياسي لن يكون قادراً في هذه المرحلة السياسية الحرجة والدقيقة على إعادة بناء تحالفات وعلاقات مصر الخارجية، وسوف يركز على الملفات الداخلية والاقتصادية بالذات، ويبقى، في ظل المعطيات المتقدمة، أن محاولات الإعلان الإسرائيلية عن وجود تفاهمات مع القوى الإسلامية الفائزة في الانتخابات الأخيرة الغاية منها تقليل نسب فوز الإسلاميين بمقاعد الانتخابات الحالية لا أكثر، دون أن يكون لها أي بعد أو تأثير سياسي على صيغة العلاقة القائمة بين الكيان الإسرائيلي ومصر.

كاتب وباحث
[email protected]