لا يبدو أن الجدل والسجال حول نتائج ومآلات التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، سوف ينتهي عما قريب أو في المدى المنظور مع تسرب أنباء عن محاولات للالتفاف على الطلب المقدم من قبل القوى الكبرى، واستنزافه في ردهات الدراسة والتمحيص وإعادة النظر قبل أن يتم التصويت عليه، أو بالأصح، قبل أن يتم تقديم quot;عرضquot; جديد لاستئناف المفاوضات وضمان عودة المفاوض الفلسطيني إلى طاولتها.
حتى الجدل داخل الكيان الإسرائيلي لا يبدو أن قد يحسم أو تتضح معالمه مع وجود صراع بدت معالمه تتكشف بين قوى اليمين الإسرائيلي الممثلة في الحكومة بزعامة وزير الخارجية ليبرمان، وبين قادة الجيش الذين طالهم السجال والنقاش.
فبينما لم يخف وزير الخارجية الإسرائيلي (ليبرمان) موقفه من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأعلن في أحاديث إعلامية مختلفة من أنه إذا لم يتخذ بنيامين نتنياهو خطوات عقابية شديدة ضد السلطة الفلسطينية في أعقاب توجهها إلى الأمم المتحدة، فإن الائتلاف سيتفكك، يتردد كبار قادة الجيش في اتخاذ الموقف ذاته، بل إنهم يطالبون نتنياهو بإحداث تغيير جذري في سياسته تجاه عملية السلام والموقف الإسرائيلي الرافض لمشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.
ليبرمان المعروف بخلفيته وتوجهه السياسي، طالب أن تستخدم quot;إسرائيلquot; كل quot;صندوق الأدواتquot; التي تحت تصرفها كي تعاقب السلطة، ومنها إلغاء اتفاقات أوسلو التي وقعت بين quot;إسرائيلquot; والسلطة، وضم الكتل الاستيطانية إلى الكيان، فضلاً عن تجميد أموال الجمارك وضريبة القيمة المضافة التي تجبيها quot;إسرائيلquot; نيابة عن الفلسطينيين، وإلغاء بطاقات العبور لكبار مسؤولي السلطة من وإلى الضفة، وتشجيع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة على تحفيز أصدقاء quot;إسرائيلquot; في الكونغرس لاتخاذ قرار بوقف المساعدات السنوية الأمريكية للسلطة، التي تصل إلى نصف مليار دولار.
القيادة الأمنية للأذرع المختلفة داخل الكيان أعربت في المداولات المغلقة عن معارضتها القاطعة للخطوات العقابية المقترحة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، والإدارة الأمريكية هي الأخرى تنظر إلى مثل هذه التطورات بعين الخطورة الشديدة. قادة الجيش وقوى الأمن دعوا نتنياهو للمبادرة باعتراف إسرائيلي رسمي بالدولة الفلسطينية قبل أي دولة أخرى، أو الخروج بمبادرة سياسية إسرائيلية تقلب الأمور رأساً على عقب في الأمم المتحدة وفي المنطقة.
وكان في مقدمة هؤلاء رئيس أركان الجيش الأسبق، الجنرال أمنون لفكين شاحك، الذي صرح بأن مصلحة quot;إسرائيلquot; تقتضي توجهاً عكسياً لتوجه الحكومة اليوم، وأن سياسة نتنياهو تقود ليس فقط إلى عزلة سياسية دولية، بل إلى انتشار الحقد والكراهية في العالم، وتلحق ضرراً بعلاقات إسرائيل بأقرب أصدقائها في العالم.
فيما دعا العميد احتياط رون بن يشاي، الناطق الرسمي الأسبق باسم الجيش الإسرائيلي، إلى تعامل إيجابي مع مشروع أبو مازن للاعتراف بالدولة الفلسطينية، معتبراً إياه laquo;خطوة كاسرة للجليد، من شأنها أن تخدم مستقبلاً النضال الفلسطيني ولكنها ستخدم وبشكل مفاجئ إسرائيل والولايات المتحدة على المدى البعيد، رغم اهتزاز صورتيهما في المدى القصيرraquo;. ودعا بن يشاي حكومة quot;إسرائيلquot; للخروج من الخندق والتحلي بشجاعة للخروج من الطريق المسدود والعزلة السياسية.
جلعاد شير، الذي شغل سابقاً منصب مدير مكتب رئيس الحكومة ورئيس طاقم المفاوضات، دعم اعترافاً إسرائيلياً بالدولة الفلسطينية قد يعيد المكانة العالية لإسرائيل في العالم. ودعا إلى توجه إسرائيلي جديد، يسعى أولاً إلى ربط خطوة الفلسطينيين أحادية الجانب بالقرارات الدولية التي تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وفي مقدمتها قرار التقسيم 181 الذي استند إليه إعلان استقلال quot;إسرائيلquot;، وثانياً اعتبار إعلان الجمعية العامة عن الدولة الفلسطينية فترة اختبار لأدائها ونياتها، يتوجب على الأمم المتحدة خلالها مراقبة سلطة القانون، وحقوق الإنسان، والمساواة، ونيات السلام فيها، واحترامها للمواثيق والأسس والمعاهدات التي على أساسها تستكمل المفاوضات حول الحل النهائي.
وانضم الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات العامة (الشاباك) عامي أيالون إلى الجوقة، فدعا نتنياهو إلى أن يفاجئ العالم ويصوت في الأمم المتحدة لصالح الاقتراح بقبول فلسطين عضواً كاملاً في المنظمة الدولية. وأضاف أيالون أن على القادة السياسيين الإسرائيليين أن يكفوا عن خداع المستوطنين اليهود وأن يقولوا لهم الحقيقة المرّة، أن مشروعهم الاستيطاني وصل إلى نهايته. فحدود الدولة الفلسطينية سوف تمر بشكل أو بآخر على الخط الأخضر (حدود 1967)، مع بعض التعديلات الطفيفة. وهذا يعني أن عليهم أن يعودوا إلى quot;إسرائيلquot; ويهجروا المستوطنات.
حتى رئيسة حزب كاديما المعارض، تسيبي ليفني، اعتبرت أن الغباء الدبلوماسي الذي يميز الحكومة الإسرائيلية الحالية يؤدي إلى حشر الولايات المتحدة في الزاوية. وطالبت بالمبادرة فوراً للعودة إلى العملية السياسية التي حاول بنيامين نتنياهو منعها، ووصفت ليفني وضع quot;إسرائيلquot; اليوم بأنه شبيه بالوضع laquo;عشية يوم الغفرانraquo;، وذلك في إشارة إلى اليوم الأول من حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
هو سجال لن ينتهي حتى مع اتضاح النتيجة النهائية للتوجه إلى الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بدولة فلسطينية، خذلتها القوى الكبرى الراعية لعملية السلام، أو ما تبقى منها، وبات الجميع يعلم صعوبة النزول من على أعلى الشجرة بالنسبة لمن تسلقها ضارباً بعرض الحائط جميع التحذيرات والتخويفات.. وحتى التهديدات.


.....كاتب وباحث
[email protected]