عنوان الكتاب: ولاة وأولياء.. السلطة والمتصوفة في إسلام العصر الوسيط.
تأليف: د.محمد حلمي عبد الوهاب.
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر - بيروت2009.
الصفحات: 450 صفحة
.


لطالما اتهم المتصوفة والفكر الصوفي بكونه قاعدة اجتماعية صالحة لقبول أي نظام سياسي مهما بلغ عنفه أو تسلطه ضد مجتمعه، وهو أمر طرح أسئلة كثيرة عن سر اعتماد كثير من الدول الإسلامية عبر التاريخ على رجالات متصوفة لتثبيت حكمهم كما يقولون، لكن بالمقابل، هناك من يرى أن كثيراً من الثورات العربية والإسلامية الحديثة ضد الاستعمار انطلقت من زوايا المتصوفة وتلقت الدعم من رجالاتها وشيوخها، كالشيخ عمر المختار والأمير عبد القادر الجزائري.
يرى المؤلف في كتاب laquo;ولاة وأولياء.. السلطة والمتصوفة في إسلام العصر الوسيطraquo;، أن التصوف يصلح ليكون قاعدة مشروع سياسي مجتمعي. وأنه في أضعف الاحتمالات، يمكن أن يشكل إطاراً عاماً لمشروع سياسي ناجع، كونه ينتج قيماً ذات مدلولات سياسية بيّنة، يأخذ بعضها معنى سياسياً محضاً، أو ينطوي في جانبه الفلسفي واللغوي العام، على جوانب تمس ظاهرة السلطة، وتبرز في هذا المجال مقومات الإمامة في الولاية الصوفية وعناصرها الرئيسة، المتمثلة في العصمة والشفاعة والكرامة.
كما يبين ماهية التركيبة البنيوية للتصوف، والتي تفضي إلى تأسيس مشروع مجتمعي سياسي نموذجي، بفعل تأسيه لقيم أخلاقية- سياسية، كالتسامح والانفتاح والانخراط والمشاركة ومقاومة التسلط، وترسيخه لقيمة حيوية في حياة المجتمع، تتجسد فيما يمكن تسميته القيم المتعارضة أو المتضادة.
توفر اللغة الصوفية في رمزيتها قوة حضور التمسك والتعاون ووحدة الهدف والمصير والانتماء للجماعة داخل مجتمع المتصوفة، كما أنها تُعزز من انتشار قيم التسلط داخل الجماعة، إذ تحتكر مجموعة ما القدرة على فك شيفراتها، وتحوز هي فقط صلاحيات تأويلها. ومن ثم يكون بمقدورها أن تقود الأغلبية، وذلك من الذين تسهم محدودية معرفتهم في تقليص درجة حريتهم في التساؤل والنقاش والمعرفة.
يضم الكتاب أربعة أقسام وأبواب رئيسة، تحاول توصيف جوهر التصوف، وهي: الولاية، العصمة، الكرامة، الشفاعة. ويناقش بتوسع، مفهوم السلطة عند المتصوفة، استناداً إلى مناهج حداثية، محللًا علاقة السلطة بالمتصوفة. ويشدد المؤلف في قراءته لموقف المتصوفة من السلطة، على أن الاتجاه الغالب لدى المتصوفة هو معارضة السلطة على تنوعها، فالزهد فيما لدى السلطان من مال وجاه، يجعل المتصوف أكثر قوة في مواجهته وأعلى قدرة في التمرد عليه، ولذا-برأيه- كان رفض رشوة السلطان مقابل التخلي عن قضايا الجماهير أو مباركة التصرفات السلطوية ضد مصلحة الأمة، خياراً استراتيجياً لمعظم المتصوفة.
ويرى الباحث أن هذا يقودنا للقول إن اهتمام المتصوفة بالسياسة، لم يكن اهتماماً سياسياً أو تاريخياً فحسب، وإنما كان، اهتماماً صوفياً ينبع من مقام laquo;التقوىraquo; ويدور حول معاني العظة والاعتبار بالمعنى الصوفي، ففي الوقت الذي تلهج فيه العامة بحديث ساستها بغية laquo;الحظوةraquo;، يولع المتصوفة بحديث الأمراء والجبابرة ليقفوا على تصاريف قدرة الله فيهم، وينبع اهتمامهم هذا من قاعدة إيمانهم بمسؤولية الإنسان وواجبه تجاه مجتمعه ووطنه وأمته.
وعليه، من البديهي ملاحظة معارضة المتصوفة واقع الظلم الذي يتكشف لهم بعين البصيرة، إضافة لالتزامهم بالحق والعدل والصدق، وهذا تماماً كالقطب الذي يرى بنور الله ويتصرف وفق إرادته، ويعد هذا امتداداً لموقف بعض الصحابة والتابعين الذين اعتزلوا الساحة السياسية، معلنين رفضهم القاطع الدخول في سجالات سياسية ذات صبغة دينية، فالمتصوف يرفض سلطة الدين وقد وظفت في خدمة السلاطين، ويسعى جاهداً للاستقلال عن السلطة السياسية بارتفاعه المحايد عن هوى المتصارعين على السلطة، خاصة بعد ما ثبت لهم أن الأمة ماضية في طريقها للتضحية بالشريعة لصالح السياسة. وكان موقف المتصوفة شديداً تجاه فقهاء السلطة الذين تحالفوا مع ممثلي السلطة السياسية مؤسسين لأقوى أنواع التسلط والقهر والاستبداد.
الكتاب يعيد تقييم الكثير من الأفكار والمقولات الشائعة عن الفكر الصوفي ورجالات التصوف، ويميل إلى تأييد فكرة أن رجال المتصوفة ما كانوا ألعوبة في أيدي الأنظمة الحاكمة بقدر ما كانوا ضمانة لحفظ الدين من لعب الساسة به واستغلاله، وهو ما يسوق العديد من الأدلة والبراهين عليه.

هشام منور...كاتب وباحث
[email protected]