تعتبر قضية العلاقة مع الآخر، من القضايا التي حظيت بإهتمام بالغ من لدن المثقفين و المفكرين، ونحسب أن حركات الإسلام السياسي لا تزال أمام اختبار حقيقي حول هذه المسألة، لا سيما على المستوى العملي؛ أي الاندماج الواقعي للمخالف دينيا في حزب سياسي إسلامي يتبنى من حيث المبدأ عدم الإعتراض المباشر عن المواطن غير المسلم للمشاركة في الحزب. هذا الإشكال له ثقل تاريخي ولا يزال حاضرا حتى الآن عند بعض التيارات الإسلامية.
فما المقصود بالآخر؟
الآخر المخالف سياسيا أو دينيا أو هما معا، والمخالف السياسي قد يكون ضمن ذات المرجعية، لكن لا يتقاطع مع منهج الآخر وسلوكه السياسي، وقد يكون ذا مرجعية مغايرة. وكيفما كان الحال، فهو مخالف ومغاير للآخر، أما المخالف دينيا الذي يختلف مع الآخرين من حيث الديانة، قد يكون أحدهما مسلم، والآخر مسيحي أو بوذي... والآخر عموما هو الذي يخالفك توجهاتك وخياراتك وقناعاتك سواءا كان ضمن نفس الدائرة المرجعية أو خارجها، أو ليس خاضعا لأية دائرة مرجعية أو مذهبية أو طائفية أو قومية معينة.
كثر الحديث في الوقت الراهن عن هذا الموضوع تحت شعارات احترام الآخر، quot;حق الآخرquot; quot;اكتشاف الآخرquot;، quot;الإعتراف بالآخرquot;، quot;فهم الآخرquot;... وقد أنجزت أبحاثا شغلت حيزا كبيرا من اهتمامات الفكر الإسلامي المعاصر، لذلك عدت بنظرنا إشكالية؛ لارتباطها الوثيق بمنهجية التفكير الإسلامي، ولعجز العقل السياسي الإسلامي في الجواب على موضوعة quot;المواطنةquot; خاصة في البلدان العربية والإسلامية ذات تعددية ثقافية ودينية، ومن الأسباب التي جعلت مفهوم quot;المواطنةquot; من المفاهيم الأكثر تداولا والتباسا في الساحة السياسية الإسلامية، وذلك نتيجة العنف المذهبي والطائفي والتعصب الذي يزداد كلما انعدمت فرص التواصل والتعايش وتصحيح النظرة إلى الآخر، فضلا عن غياب المثال الواقعي في تاريخ المسلمين، اللهم إذا استثنينا بعض الفترات الزاهرة للمسلمين، وقد شكلت وثيقة المدينة نموذجا للتسامح والعيش المشترك.
ماهية العلاقة بين الهوية الدينية والهوية الوطنية؟ وهل المخالف في الدين شريك حقيقي في الوطن؟
ثمة جانب مهم من هذه التحولات والإنتقالات في الذهنية الجماعية للإسلاميين السياسيين قد يكون لطبيعة السياسة المتسمة بالتغيير عاملا أساسيا. وقد يكون لضغط الواقع وإكراهات الخارج أيضا عاملا مهما، بيد أن اللافت للنظر أن حركة الإسلام السياسي المعاصر، كلما اقتربت من سدة الحكم أو امتلكت السلطة أو انخرطت بكثافة في المؤسسات القائمة، خرجت من رحمها جماعات سياسية إسلامية راديكالية متشددة.
ترى ما هي الأسباب التي تجعل هذه الظاهرة في ازدياد؟ هل يرجع إلى أزمة النسق الفكري لمنظومة الإسلام المعتدل أو الدين السياسي المعتدل؟ أم لغياب المثال أو النموذج المناسب للتطبيق؟.
يظهر بين التطور نحو الأمام والإرتداد إلى الوراء تلك الفجوة التي تعبر عن عمق الأزمة الراهنة في الفكر السياسي الإسلامي الحائر بين فقه سياسي معاصر، وفقه سياسي شرعي، بين خط يتزحزح نحو مزيد من المرونة والانفتاح والتسامح، وخط رجعي ارتدادي انحداري.
لا تستطيع الحركات الإسلامية السياسية quot;المعتدلةquot; أو ما يعرف quot;بتيار الوسطيةquot; أن تتعايش مع الحركات السلفية الجهادية، فما بالك بغيرها من المنظمات التي تمتح من مرجعية مخالفة لها.
وكيف آل الأمر بالعقل quot;الإسلاميquot; وضميره المؤسس على التفتح على الآخر/الغير، أن ينغلق على نفسه، في بعض القضايا والمسائل الهامة في حياة الإنسان؟
ثمة تجليات لهذا الانغلاق؛ يتمظهر في أخلاقيات الحوار، فالأصولي في حواره مع العلماني، لا يناقشان بعمق وموضوعية، وغالبا ما يجنحان للرد على بعضهما بالشعارات، والنبش في سجلاتهم الماضية..بعيدا عن توظيف آليات الاستدلال المعروفة، وبعيدا عن مقارعة الفكرة بالفكرة، فالاصوليون فيما بينهم ليسوا في منأى عن هذا السلوك، فالمخالف لديهم يعتبر مخلا بتعاليم الشرع، ويتعرض لحصار شديد وتشويه لسمعته عن طريق النبش في ماضيه، وتاريخه، ويزداد الأمر سوءا حين يصبح منافسا سياسيا.
لا شك أن جذور الظاهرة تكمن في محتوى المادة التربوية التي شكلت تنشئته السياسية، مما يفصح عن حقيقة تعامله مع هذا الآخر المخالف، التي ينبغي أن تتسم بالشفقة والمودة والعطف، والتحرر من سجن الماضي، والإعراض عن الحكم على الآخرين؛ لأن الأصولي الحزبي يطمح أن تكون حياته غير متشابهة مع حياة غيره؛ لأن ما يؤمن به يخلق لديه جوا عاطفيا نحو الآراء والأشياء، ومن هنا عبر القرآن عن الصلة بين الآلهة والأتباع بالحب حين قال quot;ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا للهquot; البقرة165. وفي آية أخرى:quot; لا يتخذ بعضنا بعضا أرباباquot; ظاهرة الأرباب تتجسد في تصارع الفصائل الاسلامية فيما بينها لا سيما إذا كانت واحدة مشاركة والاخرى مقاطعة، حتى داخل الفصيل السياسي الواحد تجد تنازع على المواقع، بين القيادات الذي بدوره يجر إلى تصارع بين قواعد غالبا لا تفهم لعبة الكبار والمصالح والطموحات التي تحركهم، وهي التي لا تزال مأسورة بصورة الزعيم والبطل الملهم..
التعليقات