مع اقتراب موعد انطلاق قوافل الحرية غلى شطآن غزة لإنهاء حصار طال أمده، على الرغم من فتح معبر رفح المتقطع، لا يزال الحديث عن المعاناة الإنسانية التي خلفها الحصار على حياة الغزيين مثار حديث ونقاشات كثير من الذين نجحوا في كسر الحصار سابقاً وشسجلوا ملاحظاتهم وانطباعاتهم عن مشاهداتهم وجولاتهم ضمن حدود القطاع الذي لا يزال محاصراً.
يروي كتابquot;أسطول الحرية.. ذكريات- خواطر- أحداثquot; من تأليفسالم الفلاحات،قصة أسطول الحرية من زاوية نظر مؤلفه باعتباره أحد المشاركين فيه، بعين الأديب الناقد، والمراقب غير المحايد في ملحمة عايشها العالم أجمع، ينسج الكاتب خيوط الحكاية دون أن يورط نفسه بتحويله سيرته إلى محور الاحداث، بل يصنع الحكاية بروحية الراوي الذي يحيط بالأحداث ويمنح الأبطال حقهم من الأحداث والبطولة، وإن بقيت زاوية نظره هي محور الرواية.
تبدأ الحكاية بتحضيرات السفر لصاحبه، وكيف عبّر لقائد مجموعة الأردنيين في الرحلة وهو المهندس وائل السقا، نقيب المهندسين السابق، عن رغبة أخ له في السفر، فكاد يفشل لأن العدد قد اكتمل، لكن معرفة السقا بأن الراغب في المشاركة هو سالم الفلاحات (المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن) نفسه جعله يتجاوز التعليمات تبعاً لمكانة الرجل المعنوية وأهمية وجوده في الرحلة.
الجزء الثاني من الكتاب يتعلق بمذكرات الشيخ على متن السفينة، وفيه تتبدى بعض فصول الرحلة والمشاركين فيها من شتى الجنسيات وكرم الأتراك وخدمتهم الطيبة والمتفانية للجميع. وفي هذا الجزء نتلمس روعة العواطف الجياشة حيال فلسطين، نعثر على الشيخ رائد صلاح بكل روعته وحضوره، كما نعثر على المطران كبوتشي بهيبة حضوره أيضاً، ونعثر على نواب وناشطين من مختلف الجنسيات.
يتابع الكتاب تفاصيل المعركة التي تمت بين المحتلين وبين أبطال السفينة، ونعثر على قدر استثنائي من البطولة عند رجال السفينة، بينما نعثر على قدر أكبر بكثير من الجبن والذعر لدى الطرف الآخر، ففي الجزء الأول من المعركة، حاول الصهاينة استغلال قيام الركاب بأداء صلاة الفجر للقيام بعملية الاقتحام، لكنهم لم يدركوا أن رجال القافلة كانوا يتوقعون ذلك، بعد ذلك يأتي دور الاقتحام حيث ينزل أربعة من الكوماندوز من مروحية، فكان الأتراك لهم بالمرصاد، حيث أوسعوهم ضرباً واعتقلوهم في أسفل السفينة، في هذه المعركة التي يضعها الكاتب تحت عنوان quot;أسطورة زائفةquot;، نعثر على حقيقة الجندي الصهيوني، وفي سياق آخر يصف المعركة مع إحدى المروحيات، حين ألقت الحبال لينزل عليها رجال الكوماندوز، فما كان من الأتراك إلا أن أمسكوا بالحبال وربطوها في السفينة، ولم يعد بوسع الطائرة أن تغادر، لكنهم تركوها خشية أن تقع على الباخرة بمن فيها.
بعد ذلك يصف وقائع استسلام الباخرة وطريقة تعامل الجنود الصهاينة مع ركابها، ويفرد صفحات لشهداء المعركة الذين يفاجأ القارئ بأن أكثرهم من الأتراك الأكراد، يختتم الكتاب بالحديث عن الاعتقال في السجن والترحيل من بعد ذلك، ورفض الوفد الأردني توقيع تعهد بعدم العودة إلى فلسطين، ومن ثم خضوع الصهاينة للشرط.
رحلة أسطو الحرية مثلت على مدى عام من التفاعل الإعلامي والشعبي رمزاً للتلاحم بين شعوب المنطقة، ونجحت في تسليط الضوء على مأساة قطاع غزة بأكمله، ونزعت الشرعية عن ممارسات كيان لم يعرف يوماً الالتزام بالشرعية الدولية، وهو ما يطرح تساؤلات حول الغاية المرجوة من توجيه أسطول الحرية لهذا العام في ظل إصرار الأتراك على عدم مشاركة سفينة مافي مرمرة في الرحلة الجديدة، ومحاولة الصهاينة التركيز على المشاكل الداخلية للدول العربية وما يجري من ثورات لتشتيت الجهود وإفشال رحلة الأسطول.


كاتب وباحث
[email protected]