حتى لا يقال: إن الكاتب كادر من كوادر الإخوان المسلمين في مصر أو أحد فروعها التنظيمية في العالم العربي، فإني أوضح بداية أنني لم ولن أنتمي إلى أي فرع سياسي أو تنظيمي لأي حركة سياسية، إسلامية أو غير إسلامية، مع احترامي الشديد لجميع منتسبيها، انطلاقاً من من قناعتي الراسخة أن الانتماء الحزبي أو الفصائلي أو السياسي يحجّم من حرية قلمي ومساحة قناعاتي ومبادئي، وقدرتي على النقد واجتراح المواقف المنحازة إلى مصالح الأمة لا إلى فئة من منها.
ما يدفعني إلى دفع ثمن هذا الإعلان الصريح مقاربتي التالية مما يحدث من حراكات في العالم العربي، فالنخب السياسية والثقافية العربية تعلم يقيناً مدى جنايتها على التيار الإسلامي بوصفه أحد مكونات المشهد الثقافي والسياسي في العالم العربي، ويحظى بشعبية جارفة على المستوى الشعبي (وربما كانت شعبيته من جنت عليه)، فمعظم التيارات الثقافية والسياسية نالت حظها بدرجات متفاوتة من الحكم والوصول إلى السلطة وتطبيق مشروعها الفكري والسياسي، وإلزام الناس، في كثير من الأحيان، به. لكن النموذج الإسلامي في العالم العربي لم يتمكن من الحصول على فرصة موازية أو مناسبة، باستثناء ما حصل مع حركة حماس وحصارها في غزة، وتجربة الإسلاميين القصيرة في السودان.
بالمقابل، لدينا في العالم الإسلامي الأرحب تجارب لحركات وتيارات إسلامية نجحت في الوصول إلى الحكم وتطبيق شيء من برنامجها السياسي قبل أن يجهض، والنموذجان الأكثر حضوراً هما النموذج الطالباني في أفغانستان، والنموذج التركي. النموذج الطالباني لم يكن جذاباً أو مغرياً بطبيعة الحال، ولعل الرغبة الغربية في تشويه صورة الإسلاميين من خلال تسليط الضوء على ممارسات الحركة الأكثر تشدداً إسلامياً ثم شن حرب بالتحالف مع بقية دول الناتو على نظام طالبان، أسهم في تهشيم صورة النموذج. أما النموذج التركي، فهو إلى الآن وعلى العكس من جميع المحاولات السابقة يكتسب شعبية ومشروعية من خلال استمداده للشرعية من صناديق الاقتراع، ومحاصرته للعسكر في ثكناتهم، وجذوره الإسلامية المحافظة غير الخافية على أحد.
في مصر، لا تزال جدلية العسكر والتيارات التي صعنت الثورة قائمة، ورغم تأخر جماعة الإخوان المسلمين عن اللحاق بركب الثائرين إلى ما قبل سقوط النظام بأيام معدودة، إلا أن شعبية التيار الإخواني رغم انكساراته وتشظيه إلى عدة أحزاب، تظل قائمة ومهيمنة على المشهد السياسي في مصر، الأمر الذي يسترعي انتباه واهتمام كل من المجلس العسكري والولايات المتحدة على حد سواء.
لكن الفزع الأمريكي من الاجتياح الإخواني المحتمل لصناديق الاقتراع المقبلة بحكم كونهم القوة الأكثر تنظيماً على مستوى الشارع لم يمنع مراكز صنع القرار من محاولة quot;إيهامquot; الرأي العام المصري بضعف حجمه وقوتهم الانتخابية. فعلى عكس ما يتداول فى وسائل الإعلام المصرية مؤخراً من أن جماعة الإخوان المسلمين مرشحة لحصد أغلبية الأصوات فى الانتخابات البرلمانية القادمة؛ أظهر استطلاع رأي أمريكي أن 27% فقط من المصريين يعتبرون فوز الجماعة بالأغلبية فى البرلمان القادم quot;شيء جيدquot; بالنسبة للتطور الديمقراطي فى مصر، بينما اعتبر 35% ممن شاركوا فى الاستطلاع أن فوز الإخوان أمر سلبي وسيئquot;، فيما أبدى 17% فقط تأييدهم لحزب العدالة والحرية المنبثق عن الإخوان.
وقامت مؤسسة دوجلاس سوشن وثورة ستاتس بإجراء الاستطلاع لحساب مجلة نيوزويك، وقد شمل الاستطلاع على 1008 مواطن مصري تم اختيارهم بصورة عشوائية من 19 محافظة مصرية فى الفترة من 24 يونيو إلى 4 يوليو، وتناول الاستطلاع آراء المصريين فى مجموعة متنوعة من القضايا المتنوعة بدءاً من العلاقات مع quot;إسرائيلquot; وحتى اختيار الرئيس القادم للبلاد. وقد ذكر الاستطلاع أن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين حصل على تأييد 17% فقط من المجموعة التى شملها الاستطلاع. كما ذكر الاستطلاع أن 11% من العينة أيدت حزب الوفد الليبرالي وكذلك الحزب الوطني، بينما حصل حزب quot;المصريين الأحرارquot; على 7% وحصلت باقى الأحزاب على 5% أو أقل.
وفيما يخص مرشحي الرئاسة، حصل عمرو موسى على أعلى نسبة تأييد حيث عبر 47% من العينة عن تصويتهم لصالحه، بينما حصل الدكتور محمد البرادعي على 17% وعبد المنعم أبو الفتوح على 16%. وفيما يخص علاقات مصر الخارجية، ذكر أقل من ربع العينة المستطلعة أن البلاد التي أبدت اهتماماً بالثورة المصرية وأحداثها كانت بالترتيب الولايات المتحدة ثم السعودية ثم تركيا ثم قطر ثم إيران. وأكد الاستطلاع زيادة العداء تجاه quot;إسرائيلquot;، حيث ذكر 70% من العينة أنهم يريدون تعديل أو إلغاء اتفاق كامب ديفيد.
البعض يرى أن ما يسميه quot;فقاعة الإخوانquot; سوف تتلاشى تدريجياً مع دخول مصر عصر الديمقراطية وتساقط الأقعنة السياسية، وتراجع تعاطف الناس مع محنة الجماعة عبر السنين، لكن الواقع والمنطق يؤيد أن الاتجاه الغالب يؤيد التيارالإسلامي حالياً، وأن صناديق الاقتراع سوف تفرز برلماناً ميهمناً عليه من قبلهم، وهو ما يخيف الجميع في مصر ودفع المجلس العسكري إلى بحث خطة إقرار مبادئ دستورية دون استفتاء لتقييد حجم النصر الإخواني المقبل، لكن الأهم أن يقتنع بقية النخب من التيارات السياسية الأخرى بحق التيار الإسلامي في العالم العربي في الحصول على فرصة كاملة وتقديم مشروعه للناس، دون أن يتم إجهاضه من الداخل أو الخارج، كما حدث مع النموذج السوداني الذي لم يكتب له أن يعمر طويلاً.
....كاتب وباحث
التعليقات