شاع في الأيام القليلة الماضية، حديث على شكل quot;شائعاتquot;، حرص مرددوها على طرحها في كل محفل ومنبر إعلامي، حول وجود جملة من التسويات التي آذنت بقرب انتهاء الحالة الرومانسية، التي عاشتها الشعوب العربية، وquot;دغدغةquot; شعورها النهضوي، واللعب على وتر الانتفاض من تحت ركام الذل والخنوع الذي هيمن عليها، منذ قيام الدولة الوطنية عقب الاستقلال عن الاستعمار القديم.
تسويات بالجملة يمكن تلمسها، رغم بقائها إلى الآن طور التكهنات الإعلامية، لكن الحدس السياسي لا يكاد يخطئها، وهي تدور حول قيام الدولتين الأكثر نفوذاً على مستوى العالم (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا) بالتفاوض على طاولة حل جميع أزمات المنطقة العربية، دفعة واحدة، بما يضمن مصالح كلا القوتين، واستقرار الأوضاع في المنطقة، وتأمين أمن الكيان الإسرائيلي، بطبيعة الحال.
ما دفع القوتين الكبريين إلى الجلوس والتفاوض أخيراً، نداء وجهه رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو حول وقوف الغرب، ووجود quot;إسرائيلquot; معه في الموقع الخطأ من التاريخ، فيما يتعلق بمجريات الأمور في الشرق الأوسط، حيث تثور الأرض من تحت أقدام quot;إسرائيلquot;، بعد انفراط الحدود الغربية مع مصر، وقرب استيلاء الإخوان على مقاليد الحكم، واهتزاز الحدود الشمالية، مع تطورات الأزمة السورية، بصرف النظر عن الموقف منها، فإن وجود أزمة بحد ذاته مثار إرباك للكيان الإسرائيلي في ظل عدم صحوته بعد من ارتباك الأوضاع في مصر، يضاف إلى ذلك وصول الحراك الشعبي العربي إلى الأردن، واهتزاز الحدود الشرقية، فضلاً عن الحدود مع لبنان والتي لا تقل سوءاً، بالنسبة لإسرائيل، عن بقية أطراف الحدود الأخرى.
سلة التسويات التي من المفترض أن يساوم الأمريكان الروس، أو العكس لا فرق، عليها، تتضمن القبول بما تم إنجازه من ثورات عربية، وتأمين عنصر الأمن بالنسبة لإسرائيل، فيما وقع منها (مصر وتونس)، والاكتفاء بما جرى، وتثبيت الأوضاع على ما هي عليه، لالتقاط الأنفاس واقتناص العبر ومراقبة الأوضاع بعد ما جرى حتى الآن.
ففي مصر، تبدو الأمور على أفضل ما يرام مع التوافق الخفي بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين على إدارة البلاد، مع تأمين مكانة ودور العسكر في مستقبل حكم مصر، وتسريب تقارير عن موافقة الإخوان المسلمين على الإبقاء على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، في الوقت الحالي، لكن السؤال يظل: وهل كان في وسع أي فريق سياسي أن يقوم بنقض هذه الاتفاقية مباشرة فيما لو تسلم الحكم؟ والدليل على هذا التوافق، ما صرح به إعلامياً أحد قادة حزب الحرية والعدالة الإخواني، وعلى نحو غريب، بعيد انسحاب الإخوان من المجلس الاستشاري، من أن المجلس الاستشاري quot;مهمquot; وله quot;دور كبيرquot;، وأنه لا يقلل من شأنه ومكانته انسحاب الإخوان منه!؟ فكيف يعترف الحزب الإخواني بأهمية مجلس.. وينسحب منه؟!
أما في المغرب، فقد تم إيصال الإسلاميين إلى الحكم في بلد كان يناكف مسؤوله، كبقية البلدان، باختلاف أوضاعه عن أوضاع جيرانه الثائرين، ودون أي قطرة دم، نظراً لوضع المغرب الجيوسياسي القريب من أوروبا، وتأثيره على ملف الهجرة غير الشرعية، فتشارك الإسلاميون مع بقية أطياف السياسة في تشكيل الحكومة المقبلة. وفي تونس، مهد الثورة ومفجرتها، شابه الوضع فيها الوضع في المغرب، نظراً لبعدها الجغرافي عن مركز الزلزال الحقيقي المتخوف منه، فلسطين المحتلة، ورغبة الغرب في تقييم قدرة الإسلاميين على إدارة البلاد وحكم العباد، فإن نجحوا في ممارسة الديمقراطية وتأمين مصالح الغرب، فبها ونعمت، دون أن ننسى أن قراراتهم مغطاة شعبياً، وإن فشلوا، تم إحراق شعاراتهم واستبدالهم بتيار جديد جاهز ولا ينتظر كثيراً!؟
في الملف النووي الإيراني، أثار إسقاط طائرة التجسس دون طيار حساسية كبيرة لدى الغرب والولايات المتحدة، وبدا وكأن الخوف من حرب غير محسوبة أو معلومة النتائج مهيمناً على النوايا الأمريكية والغربية تجاه إيران، فهدأت فجأة ودون سابق إنذار، النبرة الأمريكية والإسرائيلية بالذات، إزاء البرنامج النووي الإيراني، وخمدت الحرب الإعلامية التي صعدتها كل من إسرائيل وأمريكا ضد إيران، كما تم تخفيف الضغط الإعلامي والتصعيد اللفظي والسياسي، وحتى العسكري، تجاه سورية، فما عاد يسمع صوت لتركيا في الأحداث السورية، بل دانت تركيا عمليات اقتحام الحدود المتكررة من قبل جماعات مسلحة ورفضتها؟ فيما بدا أن الغرب سائر في طريق تأمين المعونات الإغاثية فقط للعائلات السورية المتضررة من الأحداث الجارية، سواء كانت من قبل المدنيين أو علائلات العسكريين، كمحاولة لإدارة ما تبقى من الأزمة السورية والتدخل فيها وقتما يشاؤون.
أما الأردن، فقد هدأت quot;اندفاعةquot; مليكه لتحسين علاقات بلاده مع حركة حماس، عقب اتضاح صورة التسوية الدولية في المنطقة، فحرص الأردن الرسمي على استقبال حماس كان مبرره حماية نفسه من تداعيات الربيع العربي الذي شارف على الانتهاء وإسدال الستار عليه، بعد أن تبدلت المواقف والسياسات.
في جلسة ودية مع أحد الأصدقاء، ذكرني صديق لي بمثل شعبي متداول في المنطقة، يصوغ مبدأ التسوية بين أي طرفين بالقول: (لا يموت الديب... ولا يفنى الغنم)، مؤكداً أن ما يحدث قد غيّر من المثل ليصاغ فيما يخص الربيع العربي بالقول: (يحيا الديب.... وليمت الغنم!)...
فليحيا الديب... وليمت جميع الغنم!؟

كاتب وباحث
[email protected]