يتساءل كثير من المهتمين والمتابعين لما بات يعرف بالربيع العربي عن مستقبل هذا الحراك الشعبي الذي بدأ quot;نقياًquot; quot;طاهراًquot; من quot;دنسquot; التدخل الخارجي المباشر، أو quot;رجسquot; التآمر على مكتسبات الربيع العربي مبكراً، كما كان الحال في تونس إبان هروب رئيسها بن علي.
فإذا كان المشهد الليبي بتنطعاته المنفرة من خوض التجربة، واستدراج التدخل الخارجي المتمثل في حلف الناتو، بغية quot;استنزافquot; ما تركه القذافي أو تبقى وراءه من نفط البلاد، بعد أن quot;داسquot; العباد وسامهم كافة أنواع الخسف والقهر والذل، أو المشهد المصري الذي بدت نهاية السيناريو الخاص به مبكراً بالتزامن مع الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية، وهيمنة الإسلاميين على أكثر من نصف المقاعد، بما يخيف معه التطلعات الغربية، ونظيرتها الأقلوية في منطقتنا العربية المركبة بطبيعتها والغنية بتنوعها، فإن المشهد اليمني، الذي لم ينجح حتى الآن في إيقاف شلال الدم المسفوك على جنبات بلاد العرب التي ما عادت سعيدة، وفق صيغة quot;التنحي الطوعيquot; وتأمين الحماية من الملاحقة المستقبلية أمام القضاء، أو المشهد السوري الذي تاه في غياهب تفاصيل المبادرات (وهو ما يكمن الشيطان في ثناياه) كما يقولون، كلها مشاهد لفيلم الربيع العربي، أو ربما نهايات لم تعد إحداها قادرة على إخراج الصورة النهائية لحراك شعبي، كان من المفترض أن يجد ضالته في استئناف عجلة الحراك الحضاري لأمة غابت عن مشهده لقرون خلت.
التبرم الإسرائيلي من هذا الحراك، واعتبار نتنياهو أن ما يجري هو خطأ بكل تأكيد، وأن الغرب ومعه quot;إسرائيلquot; يقفان على الضفة الخطأ من مجريات الأحداث، يدفع الكثيرين إلى القول إن ما يمكن أن ينتهي به الربيع العربي، أو بعبارة أدق: إن أفضل ما يمكن أن يختتم به هذا الحراك الشعبي الجارف يكمن في خوض حرب إقليمية يسدل الستار عن هذا الحراك، ويثبت ما بقي من عروش العرب المهتزة!؟
موقع quot;ديبكاquot; الإسرائيلي المعني بشؤون الاستخبارات والأمن نقل عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن فرص نشوب حرب إقليمية بين سوريا وإسرائيل، زادت في الفترة الأخيرة، متوقعة أن تلك الحرب قد تنشب في الفترة ما بين منتصف كانون أول الحالي ومنتصف كانون ثاني القادم.
وقال الموقع quot;إن التحليلات والتصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس السوري بشار الأسد في الساعات الـ72 الأخيرة، تشير إلى أنهما يستعدان لحرب إقليمية تشمل توجيه ضربة لإيران في فترة ما خلال الشهر الحالي أو القادمquot;.
ووفقا للموقع، فإن الطرفين أعدا الأرضية للنزاع الآخذ بالاقتراب سريعاً، وفقا للتالي: في يوم السبت 3 كانون أول، نظمت سوريا تمارين عسكرية واسعة النطاق في مدينة تدمر، الأمر الذي فسره الخبراء الغربيون والإسرائيليون على أنه إشارة للجيران، وخاصة تركيا وإسرئيل بأن ما يجري في سوريا لم يمس قدراتها الصاروخية المعقدة.
إسرائيل قامت بالرد السريع على رسالة سوريا بعد 24 ساعة، فخلال احتفال في ذكرى مؤسس إسرائيل quot;دافيد بن غوريونquot;، استذكر رئيس الوزراء نتنياهو كيف أعلن بن غوريون قبل 63 عاماً عن دولة إسرائيل في تحد للضغوط الذي فرضها معظم القادة الغربيون، إضافة إلى أغلبية أعضاء حزبه. حينها حذروه من أنه قد يتسبب في هجوم عربي مشترك لغرض القضاء على الدولة الوليدة، بعد ثلاث سنوات فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن quot;لحسن الحظquot;، كما قال نتنياهو quot; قاوم بن غوريون الضغوط ومضى بقراره الذي لولاه لما كانت إسرائيل قائمة اليومquot;. وأضاف نتنياهو quot;هناك أوقات، يكون فيها للقرار ثمناً باهظاً، لكن الثمن يكون أكبر فيما لو لم يتم اتخاذ القرارquot;.
ومع أن نتنياهو لم يذكر إيران، إلا أنه من غير الصعوبة بمكان الاستنتاج بأنه كان يشير الى قرار بممارسة الخيار العسكري الإسرائيلي ضد البرنامج النووي الإيراني في مواجهة الضغط الساحق الذي تفرضه الولايات المتحدة والنصيحة الدائمة من بعض المختصين الأمنيين الإسرائيليين السابقين. وبعد 6 ساعات، قام نتنياهو بمفاجأة كبرى على المشهد السياسي المحلي، حيث أعلن أن حزبه (الليكود) سيجري الانتخابات التمهيدية الداخلية قبل 31 كانون ثاني 2012 أي قبل عامين من الموعد المقرر، وقبل عام من الانتخابات الإسرائيلية العامة المقبلة. وكرئيس لائتلاف حكومي هو الأكثر استقراراً والأطول استدامة في تاريخ حكم إسرائيل، فهو غير خاضع لأية ضغوطات محلية للحاجة لإظهار القيادة في هذه الأوقات والحصول على دعم شامل لا ينازعه أحد فيه.
يضاف إلى ما تقدم، الحشد غير الاعتيادي للبحريتين، الأميركية والروسية، في المياه حول سوريا وإيران، فقد سعت واشنطن في أواخر تشرين الثاني إلى إعطاء الانطباع بأن حاملة الطائرات جورج بوش رست قرب شواطىء مرسيليا، عندما رصدت في شرقي المتوسط قبالة سوريا. وهرعت موسكو للدفاع عن سوريا من خلال نقل 72 صاروخاً طراز ياخنوت المضادة للسفن إلى دمشق. وبمقدور هذه الصواريخ التي تطير بالقرب من سطح الماء ضرب الأهداف البحرية على بعد 300 كلم. وعقب وصول الحاملة بوش، فإن ما كان له مطلق حرية الاقتراب من الشواطىء سوريا واللبنانية، أعاقه السلاح الجديد الذي وصل سوريا، فغادرت الحاملة الى جهة غير معروفة، في حين ظلت حاملة الطائرات كارل فينسون تتخذ موقعا لها.
الروس من جهتهم، دفعوا بحاملة طائراتهم كوزنيتزوف، والتي أعلن أنها ستبحر الى المتوسط في 6 كانون أول، لكن في 25 تشرين ثاني، شوهدت وهي تمر بالقرب من مالطا وأبحرت قرب قبرص بعد 4 أيام في طريقها للانضمام إلى قافة مدمرات الصواريخ الموجهة الراسية قرب الشواطىء السورية.
الولايات المتحدة وروسيا لا تركزان أسطولين قويين قرب إيران وسوريا إلا إذا كانتا متأكدتين من اندلاع نزاع عسكري وشيك. وهما بانتظار انطلاق الشرارة التي قد تقود الربيع العربي إلى النهاية، وتقوم بإعادة خلط أوراق المنطقة التي تعقدت كثيراً ودخلت في نفق من المساومات السياسية والتهديدات الإعلامية التي طال أمدها، ولعل الأزمة المالية التي تعاني منها أوروبا على مستوى عملتها اليورو قد تكون دافعاً لإنتاج أزمة عسكرية يتم استثمارها لصالح سوق السلاح في المنطقة الأكثر توتراً في العالم، فيما يبقى، أن على الجميع، وبصرف النظر عن مدى صدقية تقرير موقع دبيكا الإسرائيلي، أن يتحضر لموجة مقبلة من العواصف العسكرية التي لن تطيح، وهنا مكمن المفاجأة، بأركان ودعائم المرحلة السياسية الحالية والقائمة، بقدر ما تهدف إلى إجهاض هذا الحراك واستنزافه، وإيقاف عجلة الحراك الدائرة، والتي على ما يبدو، أنهكت الجميع في ملاحقة خطوتها التالية!؟

.... كاتب وباحث
[email protected]