مع اشتعال المنطقة بحراكات الثورات العربية في أكثر من بلد عربي، وشعور الكيان الإسرائيلي بالاختناق الاستراتيجي الذي دفعه للهروب نحو الأمام (كعادته) من خلال إعادة فتح الملف النووي الإيراني، والاستناد إلى تقارير استخباراتية قديمة من حيث مضمونها، تظل التحديات العسكرية العملياتية الهاجس الأكبر لجيش يعدّ نفسه الأقوى من حيث العتاد والتجهيز في المنطقة، إلا أن ذلك لا يمنع من هواجس تنتابه إزاء عدد من القضايا العسكرية.
غيورا إيلند، الباحث المشارك في معهد دراسات الأمن القومي، ورئيس مجلس الأمن القومي في الكيان الإسرائيلي سابقاً، طرح في ورقة معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ما سماه خطة عمل الجيش الإسرائيلي في السنوات الخمس المقبلة من 2012- 2016. مؤكداً أن مهمة إعداد خطة لعدة أعوام منوطة بكل من نائب رئيس الأركان وفرع التخطيط (أغات) في الجيش الإسرائيلي اللذين يواجهان ثلاث صعوبات موضوعية من وجهة نظرهم، وهي صعوبة افتراض ما سيحدث خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وثانياً: قلة مرونة ميزانية الأمن، فهناك ظاهرياً، أكثر من 250 مليار شيكل تحت تصرف معدي الخطة، ويمثل مجموع ميزانية السنوات الخمس، من ضمنها أي أكثر من 50 مليار شيكل في العام. والصعوبة الأخيرة تتمثل في تحديد منهجية الخطة التي تشمل مئات التغييرات.
التحدي الأبرز الذي اعتبرته الخطة ماثلاً هو السياسة المتبعة إزاء مصر، فمنذ معاهدة السلام عام 1979، عرّف الكيان الإسرائيلي مصر على أنها تشكل quot;خطراً لا تهديداًquot; وعلى مر العقود الثلاثة الماضية، كان في وسع quot;إسرائيلquot; افتراض أنه في حال نشوب حرب أو نزاع مسلح مع خصوم آخرين في المنطقة، فإن مصر لن تتدخل، وأتاح ذلك للجيش الإسرائيلي خوض حربين في لبنان والقيام بعمليات عسكرية واسعة في الضفة الغربية (الدرع الواقي)، وفي قطاع غزة (الرصاص المصبوب)، وترى الخطة أنه بموجب اتفاق السلام أمكن تقليص عديد الجيش ولا سيما القوات البرية، كما تم تقليص الميزانية مع الحفاظ على مستوى ثابت فيما يتعلق بالأمن، وتعدى ذلك إلى تقليص مخزون الذخيرة وقطع الغيار للآليات العسكرية. لكن التحدي الأبرز يبقى في ظل ما شهدته مصر، هل في السؤال التالي: هل يستوجب التغيير الذي شهدته مصر تغييراً في الموازنة؟ وإلى أي مدى؟ ويقرّ معدو الخطة بصعوبة الإجابة على ذلك في الوقت الراهن، إلا أن التغيير النسبي حصل بالفعل فيما يخص تعزيز أمن الحدود مع مصر، والحاجة إلى رصد استخبارتي أشمل.
أما التحدي الثاني أمام معدي خطة عمل الجيش الإسرائيلي المستقبلية، فهو استمرار الاعتماد على سلاح الجو بعد أن هيمن على المنظومة الحربية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، لا سيما مع بروز تهديدين مهمين في الأعوام الأخيرة، هما تحسن قدرات quot;الخصمquot; من المضادات الأرضية، الأمر الذي يذكر، من وجهة نظرهم، بخطر المضادات الأرضية المصرية والسورية إبان حرب 73، والثاني، وهو الأهم، التهديد الذي تشكله ترسانة صواريخ العدو، وإمكان تعرض الطائرات لهجمات صاروخية، ما يعني إعاقة سلاح الجو حالياً، وأهمية الاعتماد أكثر على قدرة القوات البرية، ولو مؤقتاً، وكذلك القوات البحرية، لتوزيع المخاطر وتنويع قدرة الرد.
المعضلة الثالثة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي مستقبلاً تتمثل في واحد من أهم مزاياه الحالية، وهي طائرات الإف35، ذات المزايا العسكرية الهائلة، وتنبع المعضلة من من ارتفاع ثمن شراء سرب إضافي من هذه الطائرات ما يعني تكريس معظم ميزانية الأمن لذلك وتركيز الجهد الحربي على نوع وحيد من الطائرات، والأمر الآخر، أهمية الاعتماد على الطائرات دون طيار في المنظومة القتالية الجوية، الأمر الذي يعني تراجع أهمية النوعيات الأخرى من الطائرات وبالذات الإف35.
وفي ظل ما اعتبره معدو الخطة نجاحاً لمنظومة القبة الحديدية في صد الهجمات الصاروخية من غزة، فإن إمكان دمج المنظومات الدفاعية المعتمدة (حيتس3- حيتس2- العصا السحرية- القبة الحديدية) في شكل منظومة موحدة وحجم الميزانية المطلوبة لذلك، أمر لا يزال يؤرق معدي الخطة. فيما يعترف معدو الخطة بضعف القدرة على المناورة للجيش الإسرائيلي والتي تبدت في حربي لبنان وغزة الأخيرتين، والحاجة إلى تحسين القدرات الهجومية بشكل خاص مع اعتماد أنواع جديدة من السلاح والعتاد.
الباحث العسكري الاستراتيجي لا ينكر أثر قرار تخفيض ميزانية الأمن على القرارات التي سوف تتخذها اللجنة بخصوص الخطة المستقبلية للجيش الإسرائيلي، وهو أمر قد يوجه الكثير من قراراتها، لكن اعتبر أن من أهم مزاياه الخطة الحالية الشفافية في طرح الأفكار والقرارات، رغم عدو وثوقه فيما قد يتمخض عنها، إلا أن الحاجة إلى الانفعال بمؤثرات الواقع واتخاذ رد فعل على ذلك يبقى أمراً مهماً وضرورياً في الوقت الراهن.


....كاتب وباحث
[email protected]