على الرغم من رفض السلطة الفلسطينية المعلن والمعروف سابقاً، قبيل توجه الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إجراء أي مفاوضات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي ما لم يتم إيقاف كافة أنواع النشاط الاستيطاني، سواء المشروع أو غير المشروع (وكأن الاستيطان مشروع إن كان بعلم الحكومة الإسرائيلية؟)، إلا أن سلوك السلطة في الآونة الأخيرة، وبالذات مع قدوم وفد الرباعية الدولية لمقابلة مسؤولين في كلا الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، وما أعلتنه الرباعية الدولية من انتظارها لاقتراحات الطرفين فيما يخص مسألة الحدود والأمن، يؤكد أن معارضة السلطة لاستئناف المفاوضات حتى يتوقف الاستيطان قد تم تجاوزها، وأن ضغوط الذهاب إلى الأمم المتحدة قد آتت أكلها، على الأقل، بالنسبة لمفاوضي السلطة.
وكان مسؤول في الرباعية الدولية، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء العالمية، قد أعلن أن الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، اتفقا مع ممثلي اللجنة على تقديم مقترحات شاملة بشأن الحدود والأمن في غضون ثلاثة أشهر، في إطار الالتزام المشترك بهدف إطلاق مفاوضات مباشرة تؤدي إلى التوصل لاتفاق بحلول نهاية 2012. كما دعا مبعوثو الرباعية أيضاً الجانبين إلى استئناف المفاوضات الثنائية المباشرة دون إبطاء أو شروط مسبقة، وقالوا إنهم سيجتمعون مع الطرفين بشكل منتظم على مدى التسعين يوماً القادمة.
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -في بيان بعد اجتماع كبير مفاوضيه مع مبعوثي الرباعية- صرح أن quot;إسرائيل مهتمة باستئناف المحادثات المباشرة من دون شروط مسبقةquot;. فيما جدد كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، التأكيد على أن الفلسطينيين مستعدون لاستئناف المحادثات مع quot;إسرائيلquot; بمجرد أن تجمد الأخيرة جميع النشاطات الاستيطانية، وتقبل بأطر واضحة كمرجعية لإجراء المحادثات.
هذه التصريحات المتبادلة من كلا الطرفين والتي قد توهم بثبات كل فريق على موقفه لا تشير إلى حقيقة ما يجري من على جانب الطاولة لا تحتها، فالاجتماعات غير المباشرة بين الطرفين لا تجرى بشكل سري أو غير معلن، كما جرت العادة في مفاوضات أوسلو سيئة الذكر، بل هي علنية لكنها غير مباشرة، والغريب، أن ينتج عن مثل هذه اللقاءات الاستكشافية لممثلي الرباعية الدولية مع مفاوضي الطرفين، اقتراحات quot;خلاقةquot; وهامة كالتي تم الإعلان عنها بخصوص أخطر ملفين من وجهة نظر المفاوض الإسرائيلي، وهما الأمن والحدود، فيما الملف الأعقد والذي أفشل المفاوضات السابقة، وهو ملف الاستيطان، لم يتم تناوله أو مناقشته.
هي إذن مفاوضات جديدة تحاول quot;إسرائيلquot; من خلالها استغلال ضعف موقف السلطة وتراجع شعبيتها بعد عجزها عن تحقيق أي إنجاز في ملف الأسرى، وهو الأمر الذي حدا بكثير من المحللين والسياسيين إلى نصيحة نتنياهو وحكومته بتقديم مبادرة تجاه السلطة لرفع أسهمها وشعبيتها في الشارع الفلسطيني، في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي داخل الكيان الإسرائيلي إلى أن صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس أدت إلى تعزيز قوة حزب الليكود بشكل ملموس على حساب quot;كاديماquot;، كما أدى إلى رفع نسبة التأييد لبنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة.
وبحسب الاستطلاع الذي نشرته القناة quot;العبرية الثانيةquot;، فإن الليكود يحصل على 37 عضواً في الكنيست، مقابل 17 عضواً فقط لحزب كاديما، في حين يصبح حزب العمل برئاسة شيلي يحيموفيتش القوة الثانية، ويحصل على 22 عضواً. وبين الاستطلاع أن حزب quot;يسرائيل بيتناquot; برئاسة أفيغدور ليبرمان هو القوة الرابعة حيث يحصل على 15 عضواً، في حين تكون quot;شاسquot; القوة الخامسة وتحصل على 7 أعضاء.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن نتائج الاستطلاع تشير إلى أن الليكود ورئيس الحكومة يحصلان على ثقة الإسرائيليين في أعقاب صفقة تبادل الأسرى التي أطلق فيها سراح الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، وأن نسبة التأييد تطغى على الانتقادات التي أطلقت ضد إطلاق سراح أسرى فلسطينيين. كما بين الاستطلاع أن نتنياهو حصل على أغلبية ساحقة كمرشح لرئاسة الحكومة بنسبة 41%، مقابل 15% ليحيموفيتش، في حين حصلت تسيبي ليفني على 9% فقط، وهي نسبة مماثلة لما حصل عليه ليبرمان، فيما قال 26% من المستطلعين إنهم لم يقرروا بعد.
فهل يستغل نتنياهو صعود أسهمه بين صفوف الناخبين الإسرائيليين وتراجع شعبية عباس بعد صفقة إطلاق الأسرى الأخيرة لتمرير مشروع العودة إلى طاولة المفاوضات من على جانب الطاولة هذه المرة؟.

كاتب وباحث
[email protected]