على الرغم من حالة النشوة العارمة والفارحة الكبيرة التي اجتاحت الشارع الفلسطيني على أثر إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو عن إتمام صفقة الأسرى، وحالة التباهي التي تملكت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، وفي مقدمتها بطبيعة الحال حركة حماس، إلا أن قراءة معمقة لما قد يبدو أهدافاً سياسية واستراتيجية، معلنة وغير معلنة، لحكومة نتنياهو وشخصه بالذات، قد تفسر لنا سرّ إقدام نتنياهو على المخاطرة بائتلافه الحكومي ومستقبله السياسي والموافقة على صفقة سبق أن رفض شروطاً أقل وسقفاً أقل ارتفاعاً.
المحلل العسكري لصحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot;، رون بن يشاي، اعتبر في معرض تحليله لصفقة إطلاق شاليط أن الطريق العسكري المسدود لإطلاق سراح غلعاد شاليط، وموقف الشاباك والموساد، والمرونة التي أبدتها حركة حماس، وتوجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الأمم المتحدة، والتدخل التركي، والثورات في العالم العربي.. كل ذلك أدى إلى هذه النتيجة.
الوضع في العالم العربي، من وجهة نظر المحلل السياسي، دفع نتنياهو إلى الموافقة على الصفقة، وأن الأخير أدرك أن الوسيط الألماني قد اسنفد طاقاته، وأن مصير المفاوضات بيد السلطات العسكرية في مصر. وأشارت الصحيفة إلى أن quot;إسرائيلquot; تخشى من استبدال النظام الحالي بعد عدة شهور في مصر، والذي تجري معه حوارات بشكل متواصل، بادعاء أن الوسيط الألماني سيجد صعوبة في الوساطة، وأن يكون تحت تأثير quot;الاخوان المسلمينquot;، علاوة على حاجة المجلس العسكري في مصر إلى إنجاز يعرضه على الساحة الدولية والعربية.
وتناولت الصحيفة أيضاً ما يحصل في سورية، مدعية أن النظام السوري أيّد إنجاز الصفقة لتعزيز مكانته على الساحة الدولية، وأنه مارس ضغوطاً على قيادة حماس في دمشق لإبداء مرونة في مواقفها. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن هناك quot;شباك فرصquot; يجب استغلاله قبل أن ينغلق في ظل الثورات في العالم العربي.
الربيع العربي إذاً، وعلى خلاف منتقديه من طغمة مثقفي السلطة والأنظمة في العالم العربي، كان أحد الدوافع الرئيسة وراء موافقة نتنياهو على توقيع اتفاق التبادل، والرغبة في اقتناص الفرص قبل حصول تغيير جوهري في الأنظمة بعد إجراء الانتخابات.
صحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; اعتبرت أن تغير مكانة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الفترة الأخيرة كان له تأثير على الصفقة، وأشارت إلى أن واشنطن كان تتخوف في السابق من أن صفقة تبادل الأسرى سترفع من أسهم حركة حماس، وتعرض مكانة عباس وسلطة فتح في الضفة الغربية للخطر. لكن الذي حدث أن مكانة عباس تعززت في أعقاب التوجه إلى الأمم المتحدة. أي أن الرغبة في إضعاف رئيس السلطة محمود عباس وحركة فتح عموماً، في مواجهة حركة حماس بعد خطوة عباس التي لاقت قبولاً جماهيرياً حتى في أوساط جمهور حركة حماس، بالتوجه إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة، فكان خيار إسرائيل إكساب حركة حماس مزيداً من النقاط ومعاقبة عباس على خياراته التي هي في النهاية مناورة لا أكثر.
على المستوى الداخلي، لا يمكن إنكار أن موافقة نتنياهو رغم معارضة اليمين الإسرائيلي، وتراجع حركة شاس المتطرفة عن معارضتها لها بعد مقابلة وزير الحرب إيهود باراك للحاخام الأكبر لحركة شاس (عوفاديا يوسف)، سوف توفر لنتنياهو موقفاً قوياً بعد احتجاجات الداخل وانهيار مكانته في أعقاب فشله عن تمرير توصيات لجنة ترختنبرغ، كما سيعزز موقفه أمام حزب كاديما، وحزب العمل الذي يعيش نشوة الاحتفال برئيسته الجديدة.
...كاتب وباحث
[email protected]