ما من ريب أن الحراك الشعبي الذي اجتاح المنطقة العربية وامتدّ أثره ليطال شوارع نيويورك وغيرها من المدن والعواصم الغربية؛ احتجاجاً على على السياسات الاقتصادية التي تمارسها تلك الدول، قد فرض متغيرات سياسية واستراتيجية على المنطقة والعالم، وحتى طرق التفكير، وخلط الأوراق السياسية ليعيد ترتيبها بما يتناسب مع صعود قوة الشارع في مواجهة الأنظمة التي كانت تستحوذ على كافة مفاصل المشهد السياسي.
اثنا عشر عاماً من الجمود أو الفتور السياسي، تراوحت فيها العلاقة بين القنوات السرية لضرورات أمنية، على غرار ما قام به مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي، أو تواصل ذو أبعاد إنسانية، عندما سمحت الحكومة بدخول رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل للمشاركة في مراسم دفن والده في العام 2009 الأمر الذي تكرر مؤخراً بالسماح له بالدخول لزيارة والدته المريضة.
منحى جديد تبلور فور تشكيل حكومة رئيس الوزراء عون الخصاونة، لتظهر إلى العلن من خلال الاتصالات المعلنة التي أجراها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ خالد مشعل مع رئيس الحكومة الجديدة والزيارات التي قام بها قيادات في الحركة إلى منزل الخصاونة، وسط معلومات تشير إلى عودة مكاتب الحركة إلى الأردن بشكل كامل أو افتتاح مكاتب لها دون أن تتضح الصورة النهائية للخطوة بشكل كاف.
آخر الحراكات الأردنية نحو إعادة صياغة العلاقة مع حركة حماس تمثلت في تصريحات رئيس الوزراء الأردني الجديد عون الخصاونة، الذي يبدو أن التغيير السياسي الذي شهدته الأردن بتأثير من الربيع العربي يتجه نحو إعادة صياغة علاقات الأردن وتوجهاتها الخارجية. الخصاونة انتقد قرار إبعاد قادة حركة quot;حماسquot; عن الأردن قبل ما يزيد عن 12 عامًا، فيما وصفه بأنه كان quot;خطأً سياسيًّا ودستوريًّاquot;، وهو ما يأتي في ظل تسامح أردني على ما يبدو تجاه الحركة في الآونة الأخيرة، بعد سنوات طويلة ساد فيها الفتور العلاقات.
وقال الخصاونة خلال اجتماع مع قادة النقابات المهنية الأردنية: quot;إبعاد قادة حماس خطأ دستوري وسياسيquot; دون أن يدلي بالمزيد، لكنه أكد أن بلاده تسعى لعلاقات متوازنة وجيدة مع جميع الأطراف. وتأتي تصريحات الخصاونة وسط أنباء تتحدث عن ترتيبات لزيارة رسمية سيقوم بها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة quot;حماسquot; للأردن قريبًا، بعد سلسلة من الاتصالات بين قيادات من quot;حماسquot; والحكومة الأردنية الجديدة، حيث هاتف مشعل الخصاونة مهنئًا بتشكيل الحكومة، كما زار محمد نزال عضو المكتب السياسي للحركة رئيس الوزراء في منزله لتهنئته، كما قام إسماعيل هنية رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية بقطاع عزة بمهاتفته لتهنئته أيضًا بتشكيل الحكومة.
الأردن كان قد قرر في عام 1999 إغلاق مكاتب quot;حماسquot; في المملكة وإبعاد أربعة من قادتها إلى الخارج، على الرغم من حملهم للجنسية الأردنية من بينهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بعد أن اتهمت الحكومة الأردنية التي كان يرأسها آنذاك عبد الرؤوف الروابدة الحركة بالتدخل بالشأن الداخلي للمملكة. ورحب الأردن بفتور بفوز quot;حماسquot; في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، لكنه وفي مايو/ أيار من ذات العام ألغى زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية في حكومة quot;حماسquot; للأردن، إثر إعلان السلطات الأردنية أنها فككت شبكة تابعة للحركة عملت على تهريب أسلحة وتخزينها في الأردن وهي التهمة التي نفتها الحركة الإسلامية.
لا ريب أن المصلحة المشتركة موجودة لدى كلا الطرفين لعودة الدفء إلى علاقتهما المشتركة، بيد أن العامل الداخلي الأردني ومحاولة استيعاب تعاظم القوة السياسية للحركة الإسلامية في الداخل، وبالذات جماعة الإخوان المسلمين التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركة حماس، تقف وراء الحراك الأردني بعد أن اجتاح الربيع العربي المنطقة ووصل إلى مشارف الأردن وخرجت الاحتجاجات على سياسات الحكومات الأردنية المتعاقبة.
كما أن رغبة الأردن في مواجهة الحراك السياسي المعادي للحكومة الإسرائيلية وأقطابها بخصوص اعتبار الأردن quot;الوطن البديلquot; للفلسطينيين، وتزايد احتمالات بناء أي حل سياسي مقبول من قبل الكيان الإسرائيلي والغرب على أساس فكرة الوطن البديل، يدفع الأردن إلى إعادة بناء العلاقة مع جميع القوى السياسية الفلسطينية، وبالذات منها القوى المقاومة والإسلامية على نحو خاص، في ظل علاقتها المميزة برموز السلطة وحركة فتح.
ويبرز في هذا السياق رغبة الأردن في زيادة فرص حصوله على العضوية أو الشراكة في مجلس التعاون الخليجي، إذ يتطلب منه ذلك لعب دور أكبر في قضايا وأزمات المنطقة، ومن ذلك تحسين علاقته مع الفلسطينيين الذي يشكلون ثلثي سكان المملكة، وهو على أعتاب الانضمام إلى منظمة إقليمية كمجلس التعاون الخليجي.
هو إذاً ربيع عربي سياسي يجتاح مداميك العلاقة بين الأردن وحركة حماس، بنكهة استراتيجية، يحاول الأردن من خلاله اغتنام فرص التغيير السياسي الحاصل في المنطقة على أمل تجاوز المطبات السياسية، وهو الأمر الذي لا يجد غضاضة من جميع الأطراف، لا سيما أصحاب العلاقة والمهتمين باستقرار المنطقة من العرب والمسلمين، وشعوبهما بكل تأكيد.

....كاتب وباحث
[email protected]