لا تبدو الأمور quot;زاهيةquot; أو quot;ورديةquot; بالنسبة للكيان الإسرائيلي، ورئيس حكومته بنيامين نتيناهو، فاندفاع الأخير إلى الإعلان صراحة عن مخاوفه من وصول المد الثوري العربي إلى داخل الكيان المأزوم، وتحول الربيع العربي إلى شتاء إسلامي quot;حارquot; بالمعنى السياسي، بالنسبة لكيانه، يكاد يهيمن على المشهد السياسي داخل إسرائيل.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يتوان عن مهاجمة السياسيين الإسرائيليين وزعماء العالم الغربي الذين يؤيدون الثورات العربية، متهماً ربيع العالم العربي بأنه لا يتحرك إلى الأمام، بل يسير الى الوراء. كما أعرب عن تشككه الكامل بقدرة الشعوب العربية على دعم الأنظمة الديمقراطية، دون أن يخفي حنينه إلى أيام نظام حسني مبارك في مصر؟!.
فنتنياهو المعروف بمراوغاته السياسية ووراثته لهذا النهج عن أستاذه (شارون)، كاد يستشيط غضباً وكمداً وهو يرى المنطقة العربية، وبالذات، في شمال إفريقيا، حيث تتركز العلمانية العربية وتضرب بأطنابها موغلة في التاريخ، إلى جانب الدول الوطنية التي قامت عقب الاستقلال، يكتسحها المد الإسلامي، في كل من تونس والمغرب أخيراً، بعد أن هيمن التيار الإسلامي على المشهد الليبي، فيما يبدو المشهد المصري، نموذجاً تتقارب فيه عقارب الساعة لإعلان فوز الإسلاميين في أول انتخابات تشريعية بعد تنحي مبارك.
ما تقدم من قلق بالغ وعميق لم يمنع نتنياهو ومستشاريه من محاولة ركوب الموجة الإسلامية وامتصاص صدمتها التي قد تكون مخيفة بالنسبة إليه وإلى حكومته، إذ كشفت صحيفة معاريف أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ووزارة الخارجية، على حد سواء، تجريان في الآونة الأخيرة نقاشات محورها بحث إمكانية تغيير علاقة quot;إسرائيلquot; بحركة حماس في ظل النزعة التي باتت تتعاظم في أوساط المجتمع الدولي لتغيير العلاقة السلبية تجاه حماس، مقابل التحركات الدبلوماسية لتقريبها من الجهات المعتدلة، الأمر الذي يعطيها شرعية سياسية، وفي ظل المد الإسلامي الذي تستمد منه الحركة الفلسطينية زخماً جديداً في الشارع الفلسطيني.
موضوع العلاقة مع حركة حماس طرح في إطار نقاشات موسعة تجري بين مسؤولين كبار في quot;إسرائيلquot;، وذلك على ضوء اتفاق المصالحة الفلسطينية، والاتصالات الجارية لإقامة حكومة وحدة وطنية بين السلطة وحماس. وخلال النقاشات، قدمت أسئلة فيما يتعلق بالعلاقة المتبادلة التي يجب تجريها quot;إسرائيلquot; مع الحكومة الفلسطينية الجديدة التي تشمل على ممثلين من حركة حماس, ودراسة هل يمكن لإسرائيل أن تسمح لحماس بلعب دور في الانتخابات في السلطة الفلسطينية المنوي إجرائها منتصف العام المقبل.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين تأكيدهم أن هناك إمكانية بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وأن الحديث الآن لا يدور عن مطالبة السلطة الفلسطينية بالتخلي عن حماس، ولكن عن محاولة دراسة الشروط التي تستطيع quot;إسرائيلquot; التعاون خلالها مع حكومة فلسطينية تكون حماس جزء منها. فحركة حماس من وجهة نظر وزارة الأمن ووزارة الخارجية في الحكومة الإسرائيلية، باتت تحظى بشرعية في المجتمع الدولي، إلى جانب سيطرتها على قطاع غزة، واجتهادها لضبط الأوضاع الأمنية باستثناء أحداث محدودة.
السبب الثاني لتصاعد الحديث عن مقاربات إسرائيلية مقبلة للحوار مع حركة حماس، هو تعاظم قوة الإخوان المسلمين التي تخشى quot;إسرائيلquot; من أن تخلق واقع أسوء من القائم حالياً مع حماس، فالمجلس العسكري في مصر يحاول التقرب من حماس على حساب الإخوان المسلمين، وهذه الجهود تتم بدعم من جهات في المجتمع الدولي، الذين يفضلون سيطرة المجلس العسكري بدلاً من الإخوان، كما أن هناك أنشطة دبلوماسية على الصعيد الدولي لتقريب حماس من الجهات المعتدلة في المنطقة، بحسب زعم الصحيفة الإسرائيلية.
الانسحاب الأمريكي من العراق، وانكشاف مخزون السلاح الليبي أمام فوضى التناول من قبل مجموعات تعتبرها quot;إسرائيلquot; معادية لها، كحركات المقاومة في المنطقة، وفي مقدمتها حركة حماس، والخوف من نتائح الانتخابات التشريعية المصرية التي قد ينتج عنها نظام سياسي معاد لها ولاغ لجميع الاتفاقات السياسية والعسكرية معها، وانكشاف الشمال الإفريقي أمام موجة المد الإسلامي، بعد حقبة من استقرار الأنظمة الاستبدادية العسكرية أو شبه العسكرية في المنطقة، كلها أمور تدعو الكيان الإسرائيلي لمحاولة quot;تملقquot; مستقبلية للحركات الإسلامية، أو على الأقل، امتصاص الفورة وركوب الموجة الإسلامية بدل الاصطدام بها وقوة جمهورها المتعاظم ديمقراطياً من خلال صناديق الاقتراع، كما يفعل الغرب وأوروبا بالذات مع الحركات والأحزاب الإسلامية التي باتت تهيمن على المشهد السياسي، فهل تنجح quot;إسرائيلquot; في ذلك؟ وهل تسمح القوى الإسلامية المنتشية بالنصر في معاقل الدول ذات الأنظمة الشمولية والاستبدادية باستيعابها من قبل quot;إسرائيلquot; ومهادنتها، في الوقت الراهن، بغية منحها فرصة لإتمام تجربتها السياسية في الحكم وعدم إفشالها أو التدخل فيها؟


... كاتب وباحث
[email protected]