quot;حكيماًquot; وquot;متوازناًquot; وquot;استراتيجياًquot; كان القرار الذي اتخذته حركة حماس ومكتبها السياسي في دمشق تحديداً، بمغادرة سورية في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الشام وأهلها، بصرف النظر عن الموقف من النظام والمعارضة وتأييد أحدهما على حساب الآخر، فما يهم أي فلسطيني وعربي ومسلم وصاحب ضمير في هذا العالم وقف شلال الدم السوري المراق على جنبات واحدة من أقدم عواصم التاريخ (دمشق).
لا يمكن في هذا السياق إنكار أن انتماء حركة حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين، العالمية الانتشار، وفرعها السوري هو أحد الجماعات المكونة للمعارضة السورية من جهة، واستضافة الحركة من قبل النظام السوري من جهة أخرى، جعل موقف الحركة ومكتبها السياسي quot;محرجاًquot; بين المحافظة على تطلعات الحراك الثوري العربي، ومطالب الشعب السوري بالإصلاح والتغيير، وبين الولاء لنظام استضافها واحتضنها خلال سنوات خلت بعد خروجها من الأردن. فكان الخروج quot;الهادئquot; وquot;السلسquot; وquot;المتعقلquot; وسيلة للنأي quot;الحقيقيquot; عن الأزمة، والابتعاد عن التورط في ولوغ الدم السوري، بصرف النظر عن مواقف جماعات وأحزاب وحركات سياسية أخرى، فلسطينية وغير فلسطينية، من الأزمة ذاتها.
العودة إلى المربع السوري الذي غادرته حماس quot;مكرهةquot; بسبب ظروف الصراع والرغبة في النأي الفلسطيني عن صراع وشأن داخلي سوري، وتجنيب مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في سورية quot;وزرquot; أو quot;جريرةquot; قرار سياسي بالاصطفاف مع أو ضد، كما حدث مع الراحل أبو عمارإبان غزو العراق للكويت، حاصلة بشكل غير معلن وبعيداً عن وسائل الإعلام من خلال ما أشيع عن وساطة للحركة في الأزمة السورية.
لكن بعض وسائل الإعلام quot;التحريضيةquot; حرصت على إعادة فتح ملف علاقة حركة حماس بالشأن السوري برمته من خلال ترويج شائعات quot;مغرضةquot; عن دعم حمساوي علني للمعارضة السورية، من خلال استغلال علاقات حماس داخل سوريا مع الشعب السوري، وإيصال المساعدات اللوجستية والعسكرية والإغاثية إلى الداخل.
معلومات وشائعات نفاها جملة وتفصيلاً ممثل الحركة في لبنان، علي بركة، دون أن ينفي اتجاه حركته إلى السعي لإيجاد حل للأزمة السورية خلال عام منصرم، عن طريق قيادة محادثات غير مباشرة بين النظام السوري والمعارضة، بحكم العلاقات المميزة للحركة والاحترام الذي تكنه جميع الأطراف لرمزية الحركة في وجدان الأمة.
مضمون المبادرة التي تقدمت بها حركة حماس لحل الأزمة السورية، جاء الكشف عنها في سياق نفي (حماس) ما تردد من أنباء عن بدئها في quot;دعم المعارضةquot; في سورية، مجددة quot;الالتزام بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخليةquot;، حسبما جاء في بيان عن مكتب الحركة في بيروت.
ونفت الحركة تصريحات منسوبة إلى ممثلها في لبنان، علي بركة، تحدثت عن quot;إجهاضquot; النظام السوري لمبادرة حل سياسي للأزمة السورية، وعمل حزب الله وحركة حماس quot;كوسيط في محادثات مع المعارضةquot;، لأن حركة حماس قد quot;بدأت تقدم الدعم للمعارضةquot; في سورية.
quot;بركةquot; أكد أن حركة حماس قدمت مبادرة لمعالجة الأزمة السورية في منتصف شهر نيسان من العام الماضي، ونقلها السيد حسن نصر الله إلى الرئيس الأسد ووافق عليها، وهي تستند إلى حل سياسي يقوم على الحوار مع المعارضة على أن تلعب حماس دوراً في تقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة في سورية، ولكن تم إيقاف المبادرة من جانب السلطات السورية بعد أيام قليلة من تواصل حماس مع المعارضة. ونوه بأن quot;هناك فرقاً كبيراً بين التواصل مع المعارضة بعلم النظام ودعم المعارضةquot;.
ربما كان فشل المبادرة الحمساوية لحل الأزمة السورية سبباً في تسريع خروج الحركة من دمشق بعد ذلك، بعد أن استنفدت محاولات التقريب بين المعارضة والنظام، لكن ما يهمنا الآن هو الحديث عن تورط حركة حماس في دعم المعارضة السورية، وهو ما سعى البيان الحمساوي لنفيه بشكل قاطع، فمن كان يريد الانحياز لفريق على حساب آخر لم يكن لينتظر خروجه من موقع الحدث للقيام بذلك، بل على العكس، لربما كان من الأفضل البقاء هناك لتأمين متطلبات الموقف المزعوم من قبل مطلقي الشائعات.
ويبقى.. أن الموقف السياسي للحركة الفلسطينية قد يفهم منه quot;براغماتية ممجوجةquot; في وقت حرج وعصيب تمر بها المنطقة، وتصطف فيه الجماعات والأحزاب والحركات، وحتى المجموعات الإثنية والعرقية والدينية، مع أو ضد، لكنه موقف quot;متفهمquot;، على الأقل، بالنسبة لنصف مليون لاجئ فلسطيني موجودين في مناطق الاشتباك وإطلاق النار، بحكم التداخل السكاني بين الفلسطينيين والسوريين، والامتزاج بالدم والقربى والآمال والآلام بين الشعبين.

كاتب وباحث
[email protected]